على عتبات الحَـول الدموي
د. محمد عبدالله يحيى شرف الدين
ما كان، ولم يكن سفك دماء المدنيين من النساء والأطفال ليصنع انتصارا، وهذا هو واقع العدوّ الإسرائيلي البائس.
وفي المقابل، ولا تجدي نظريةُ انتصار الدم على السيف؛ إنما انتصار الدم على الدم، وهذا هو واقع المجاهدين في سبيل الله ضد العدوّ الإسرائيلي.
وعلى عتبة الحَول الدموي ما هو سقفُ الهزيمة أَو الانتصار في معركة (طوفان الأقصى)؟
ابتدأ مظلومية الشعب الفلسطيني معطى فاعلٌ ومؤشرُ انتصار في حَــدّ ذاته سويًّا مع كون اغتصاب العدوّ الإسرائيلي لأرض فلسطين مؤشر هزيمة للعدو؛ وذلك لأَنَّ المنطلق المعياري والموضوعي في تقييم القضية يتمثل في (عدالة القضية)، حتى وإن كانت النتائج في أدنى تطلعاتها مغايرة لهذه المعيارية.
فما إن تندلع شرارة المعركة إلا وقد حدّد طرفا الصراع أهدافًا معلَنة من خوض المعركة؛ ليكون تحقيقها من ثم مؤشر انتصار، والإخفاق عنها مؤشر هزيمة، فإما انتصار معلن، وإما هزيمة معلَنة، وبتعميد معترف من الطرفين.
أعلن العدوّ الإسرائيلي قبل حول معدودة أيامه عن أهداف في عدوانه على قطاع غزة بعد ٧/ ٩/ ٢٠٢٣م؛ منها:
١- تحرير أسراه من قبضة مجاهدي الإسلام في قطاع غزة، دون صفقة تبادل أسرى، واتخذ العدوّ الإسرائيلي في سبيل ذلك مسارَينِ إخفاقيَّين، كُـلُّ واحد منهما أكثر إخفاقًا من المسار الآخر.
في المسار الإخفاقي الأول: عمد العدوّ إلى جرائم القتل الجماعي للمدنيين نساءً وأطفالًا وشيوخًا وتدميرًا للبنية التحتية والتجويع المميت، فكانت النتيجة أن قتل العدوّ العديد من أسراه.
المسار الإخفاقي الثاني: وتمخض عنه عمليتان؛ أولاهما: خضع العدوّ الإسرائيلي ذليلاً راكعًا أمام ضربات مجاهدي الإسلام لأكثر من صفقة لتبادل الأسرى، وأُخراهما: المبادرات الإنسانية العظيمة لمجاهدي الإسلام في غزة لإطلاق مجموعة من أسرى العدوّ الإسرائيلي، وعلى الرغم من كون العملية الأولى ممارسة صريحة للعدو في تراجعه عن هدفه؛ إلا أن العملية الأُخرى أشد وطأة تقهقرية أصابت العدوّ الإسرائيلي في المحز القيمي للإنسانية، بل أصابت المشاركين للعدو الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة بخيبة أمل قيمية.
٢- هدف آخر للعدو الإسرائيلي: هو القضاء على مجاهدي الإسلام في قطاع غزة، وبفضل الله حافظ المجاهدون على تماسكهم لحول كامل، واستمرت عملية إطلاق الصواريخ للمغتصبات، والتنكيل للعدو الإسرائيلي في عدده وعديده، بل صارت مسافة الصفر التلاحمية كابوسًا يلاحق العدوّ ويظفر به في نواحي قطاع غزة.
إن الهزائم التي مني بها العدوّ الإسرائيلي أوسعُ وأشملُ مما سبق ذكره، ويمكن التطرق إليها عبر ما حقّقته معركة (طوفان الأقصى) من انتصارات إسلامية لم تنجز على مدى تاريخ المواجهة للعدو الإسرائيلي منذ أكثر من سبعين عاماً.
الانتصارات الإسلامية:
لقد صارت مظلومية الشعب الفلسطيني قبل السابع من أُكتوبر المبارك محطَّ مؤامرات تقويضية بأساليب شتى؛ منها: (التطبيع، تجريم الحركات الجهادية، خدعة المفاوضات والسلام) إلى آخرها، وكلها تصب في حوض تصفية القضية، فأصبح السابع من أُكتوبر مرحلة جديدة أعادت مظلومية الشعب الفلسطيني إلى الصدارة عالميًّا، وباتت المساحة التعاطفية مع تلك المظلومية تتسع عالميًّا بعلاقات طردية مع النظرة السوداوية لكيان العدوّ الإسرائيلي المجرم، فكما انتشرت تلك المظلومية؛ استشرت الغضبات ضد العدوّ الإسرائيلي.
لقد استفحل اليأس في الواقع الفلسطيني عندما يتراءى من بُعد متري محاذٍ لشعب فلسطين تلك العصابات الصهيونية في المغتصبات ينعمون بالأمان، وفي معسكراتهم تعد الخطط الإجرامية، ويكثّـف العديد والعدة بأرحية تامة، فأصبح السابع من أُكتوبر محطمًا لحاجز اليأس، بل متطلعًا لما وراء جدار الفصل العنصري الذي صار جدارًا من ورق اجتازه مجاهدو الإسلام منكلين بالعدوّ قتلًا وأسرًا؛ فلا مستحيل أمام القتال في سبيل الله، حتى قيل: لو توغل المجاهدون في الأرض المحتلّة لبلغوا يافا محريين الأرض والأسرى الذي تراكمت الأتربة على مِلفاتهم، وغيبت في غياهب الأدراج المكتبية.
وعلى مستوى الإسناد الإسلامي انخرط محور الجهاد والمقاومة في المعركة، من لبنان واليمن والعراق وإيران، وشاطروا الشعب الفلسطيني التضحيات.
لقد أغلقت البحار المحيطة بفلسطين المحتلّة في وجه العدوّ الإسرائيلي، والقيمة الاقتصادية الصفرية خيمت على أهم ميناء (أم الرشراش)، وهتك عرض عاصمة العدوّ المزعومة، فصارت مصدر ذعر بعد أمانها، واشتعلت نيران الغضب الحربي في شمال فلسطين المحتلّة، وقطعان اليهود المغتصبين تجاوزوا الرقمَ المليوني فرارًا وهجرة، ناهيك بالآلاف المصابين بالجنون والأمراض النفسية.
(ما بعد الحَول الأول): ليس كاليوم الأول من معركة (طوفان الأقصى)، فاليوم الأول اختص به مجاهدو الإسلام في قطاع غرة؛ لكن ما بعد الحول هَـا هي اليمن ولبنان والعراق وإيران في عمق المعركة، بعد الحول اتسعت رقعة المساندين، بينما قبع العدوّ الإسرائيلي كما في يومه الأول وحيدا ميدانيًّا في المعركة، فلم يسانده بالقتال أحد، بل وفت من عضده تراكمات الانتصارات الإسلامية خلال حول مضى.
وفي الأخير: ماذا بعد؟
وبعد… تذوبُ شيئاً فشيئاً قطعانُ اليهود المغتصبين في البيئة الغربية، فلم تعد أرضُ فلسطين آمنة، وبذا تتهاوى الركيزة الأَسَاسية التي نهض عليها كيان الاحتلال، فيصبح كيانًا يتيماً.
ثم وفق مؤشرات ضعف العدوّ الإسرائيلي في الجو خلال الحول، فَــإنَّه أضعف بَرًّا وعليه: يأتي دور الالتحام المباشر في الفتح الموعود، فتجلياته تلوح في الآفاق، والإعداد له جارٍ على قدم وساق، من فلسطين بضفتها وغزتها ومن اليمن ولبنان والعراق وإيران مع كُـلّ أحرار الإسلام والإنسانية؛ ليكون ملتقى مجاهدي الإسلام عند باب العمود في المسجد الأقصى الشريف، فهذه حتمية إلهية؛ إذ قال العزيز الجبار: {فَإِذَا جَاۤءَ وَعۡدُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ لِیَسُـࣳۤـُٔوا۟ وُجُوهَكُمۡ وَلِیَدۡخُلُوا۟ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أول مَرَّةࣲ وَلِیُتَبِّرُوا۟ مَا عَلَوۡا۟ تَتۡبِیرًا}، [سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ٧].
والله لا يخلف الميعاد.