كَــيُّ الوعي وتخديرُ الفكر
د. محمد عبد الله يحيى شرف الدين
علَّمنا اللهُ “تعالى”، وَرسولُه الأعظمُ “صلواتُ الله عليه وعلى آله” آلياتٍ ممارستيةً في شل فكر العدوّ، من خلال استثمار الحرب النفسية؛ إذ طبيعةُ النفسية تنعكسُ على العمل سلبًا أَو إيجابًا.
في ليلة الفتح المبين لمكة، أمر رسولُنا الأكرمُ جيشَه أن يشعلوا نيرانًا بعدد عددهم؛ فبُهتت قريش، وشل فكرها، وحطمت معنوياتها، ودخلت رجالُها مخادرَها.
وفي عمرة القضاء، أمر أصحابَه أن يكشفوا عن سواعدهم وأزنادهم، فرحم الله من أرى قريشَ اليوم منه قوةً.
إذن؛ إنها (الحرب النفسية)، وهي ذاتها التي أعد لها الغرب الكافر العديد من مراكز الدراسات والبحوث.
وتحتَ مِظلة الحرب النفسية، لا يُقْدِمُ العدوُّ الأمريكي على غزو أُمَّـةٍ أَو شعبٍ إلا وقد أعلن تحالُفًا في غزوه، وإن لم يكن إلا هو الغازي الفعلي، أفلامُ هوليود تقدِّمُ المقاتِلَ الأمريكي بأنه لا يُهزم، والنصرُ حليفُ قوتِه الخارقة، وسائلُ إعلامهم تبهت المُشاهِدَ لما يملكونه من ترسانة عسكرية في الجو والبحر والبر لا يقهرُها حتى اللهُ، والعياذُ بالله، فهو القاهرُ فوقَ عباده.
وعلى الرغم من الدور التأثيري الكبير لتلك الوسائل في كَيِّ الوعي وتخدير الوعي؛ فَــإنَّ العدوّ الغربي لا يكتفي بذلك، حَيثُ يضخ الكمَّ المعلوماتي المخاتل والكثيف في وسائل إعلامه، وإعلام منافقيه من العرب والمسلمين.
وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات العنكبوتية تضج بآلاف من الجيش الإلكتروني، ويضاهيها الذبابُ الإلكتروني، ناهيك بمن اشترى دينه وقيمه ومبادئه الإنسانية.
وللأسف في مقابل تلك الحرب النفسية الكافرة ساحتنا ساحة مفتوحة لها، ومنتهكة، ويفتقر واقع الأُمَّــة إلى أدنى المستويات الوقائية.
ولذا اشتغل العدوّ الإسرائيلي والغربي ومنافقو العرب في معركة (طُـوفَان الأقصى) على المستوى الإعلامي، وبشكل مركَّز، بل إن الكثير من عملياته في المعركة كان لسبق إعلامي مؤثر نفسيًّا، لا يبلغ درجاته على مستوى الواقع؛ فاستشهاد عُظماءَ من مسيرة الله في طريق القدس، هم امتداد لمسيرة شهداء عظماء، وفي مقدمتهم الأنبياء الذين قتلهم أهل الكتاب، فلم يفت ذلك من عضد مسيرة الله، بل ختمت بأعظم المرسلين “صلوات الله عليه وآله”، واستشهد بين يديه عظماء كحمزة بن عبدالمطلب “عليه السلام”.
لقد أراد العدوّ من خلال استهداف قيادات إسلامية حربًا إعلامية لتحطيم النفسيات، وإلا فالميدان يحقّق الانتصارات، يضُخُّ إعلامُ العدوّ ضَعْفَ إنجازاتِ المجاهدين في فلسطين ومحور الجهاد والمقاومة، ويُضَخِّمُ إعلاميًّا عملياتِ العدوّ.
ومن خلال سير المعركة ترَى هشاشة دفاعات العدوّ الجو من مقلاع وغيره؛ إذ ثبت أن أجواء العدوّ مفتوحة مرحِّبة بابتهاج لصواريخ ومسيَّرات مجاهدي الإسلام من حدب وصوب، فأين القوةُ الجوية التي لا تُقهر، واصطاد مجاهدو الإسلام مدمّـراتِ العدوّ وبوارجه في البحر، وكأنَّها رحلة اصطياد ترفيهية، واكتنف العمى شبكاتِ الرصد والمراقبة للغرب الكافر من أقماره في السماء حتى راداراتها في الأرض، فلم يحد ولم يحدّد مواقع صواريخ ومسيّرات مجاهدي الإسلام.
وأخيرًا: اللهَ اللهَ يا إعلامَ الإسلام بقنواته الفضائية وصحفه ومواقعه الإلكترونية ومواقع تواصله الاجتماعي، وغير ذلك من مِنصَّات إعلامية؛ ندعوكم بداعي الوفاء بتكثيفِ تغذية فكر الأُمَّــة، ورفع مستوى الوعي في أوساط الأُمَّــة، والاهتمام الكبير بتحليلات ودراسات واسعة للإنجازات العسكرية، وشامله لجوانبها المتفرعة، وثمارها، واستشراف مستقبلها المشرق، والتفنيد المواكِب لحرب العدوّ الإعلامية، وليست التغطيةُ الإخبارية، وإجراء المداخلات إلا معطيات ومُدخلات لأعمال واسعة تتوجّـه ذبذباتها نحو الجماهيرية خَاصَّة، وتطوير الآليات لتكونَ بمستوى المواجهة، كما هو في الجانب العسكري.
نعم؛ المعركةُ تستدعي التكثيفَ في هذا الاتّجاه؛ لكن للأسف لا جدوائيةَ من ذلك التكثيف إن لم يواكبه تكثيفٌ ثقافي توعوي للجماهيرية الإسلامية، وتحصينُ الذاكرة الجمعية للأُمَّـة فكريًّا؛ حتى تكونَ الذاكرةُ الجمعيةُ حاضنةً مولِّدَةً للإنجازات العسكرية، وربط ذلك كله بالله تعالى الناصر، وكتابه العظيم، وأعلام دينه.
كيف لا، وتلك هي المرتكزات الأَسَاسية للدعم النفسي، والرافد الروحي، والموجِّه العملياتي، والدينمو المولِّدُ لممارسات ذات طاقات لا تنفد؟!