ونجعلُهم الوارثين
زينب عبدالوهَّـاب الشهاري
هم وليس سواهم… لا يشبهون غيرهم، هم الأصل في زمن الزيف، والتفرد في زمن الشتات، والحياة في زمن الشحوب، والثبات في زمن التلاشي، فالرامي ببصره نحوهم سيقع بلا شك في شراك الافتتان، ومصائد الدهشة، وكمائن السحر، ويصبح أسير آلاف الأسئلة التي تجتاح عقله، كيف يمكن أن يكونوا بهذا الصدق، بهذه الإرادَة، بهذه الروح؟!
كيف لم تلوثهم سياسات العالم القذرة؟! أَو تتجاذبهم المصالح والأطماع المقيتة؟! كيف يمكن أن يكونوا بهذا الطهر؟! وأن يكونوا بهذه الروعة؟!
كيف استطاعوا كسر المألوف وتخطي كُـلّ الحدود، كيف استطاعوا أن يكونوا الاستثناء المذهل؟!
على العالم أن يطأطأ خجلا في صرح شموخهم، وأن يخرس تأدُّبًا عند حضرتهم، كيف لا وهم القوة في زمن الضعف، والبأس في زمن الخنوع، والتحَرّك في زمن الجمود والإقدام في زمن التردّد، والعزيمة في زمن الضياع، والوضوح في زمن الالتباس، هم الذين ثبتوا حين توارى غيرهم، وانطلقوا حين سَكن غيرهم، واستمروا حين تقهقر الآخرون.
فلم يخونوا قضيتهم ولم يختبئوا خلف الأعذار ولم يتستروا وراء التبريرات، فكانوا في صدر الأحداث، بل كانوا هم دائماً الخبر الأقوى المتداول عالميًّا، هم الشعب اليمني الذي التصقت باسمه كُـلّ المكرمات، وأصبحوا أعجوبة العصر الحديث، فنظرتهم أبعد من كُـلّ التوقعات، وأفعالهم أقصى من كُـلّ التخمينات، لا قوى دولية ولا مؤامرات كونية استطاعت أن تفت من عضدهم أَو أن تكسر شوكتهم، لا إغراءات ولا تهديدات كبحت جماحهم أَو هزتهم، يمتلكون قائدًا ربانيًّا يسير بهم وسط الرياح العاتيات والأمواج المتلاطمات ببأس شديد وقوة رهيبة تبتلع كُـلّ من يقف أمامها من قوى الظلام، فالمرام هو تحقيق الحق والوعد الإلهي، والمطلب هو اقتلاع الشيطان وزبانيته، والسلاح هو الثقة المطلقة برب الكون وتجهيز العدة الدنيوية يرافقها مدد إلهي.
اليمن الذي لا يزال يعصف به حصار وعدوان، كان الأول بلا منافس في نصرة القضية الفلسطينية كعادته، ومصدر الرعب الحقيقي للكيان المؤقت، فقد خلق كُـلّ الوسائل الممكنة وغير الممكنة لاستهداف العدوّ الإسرائيلي وجره نحو مصيره المشؤوم في عجالة، فالبحار المجاورة أصبحت طوع أمره وفي مسرح عملياته، يضرب السفن المارقة أنى وكيف أراد، وأسلحته الحديثة المصنعة بيديه جمرات وشواظ من نار تضرب وجه الشيطان فتخسفه وترديه وهو يدرك تماماً بأن نهايته لن تكون إلا بأيدي جيش اليماني ابن البدر وليس غيره، إن معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس ماضية بأمر الله كسفينة نوح لا يركب على متنها إلَّا المؤمنون وما دونهم غارق؛ فمفتاح القدس في يد فاتح خيبر الأمس سلمه بعناية لفاتحها اليوم وفي طريقه نحوها ستتحقّق الحتميات الثلاث وسيستخلف الله المؤمنين الأرض ويجعلهم الوارثين.