البحارُ المسجورة وثمارُ البحور
د. محمد عبد الله يحيى شرف الدين
تبلغ مساحةُ المياه على سطح الكرة الأرضية ٧٥ %، وتحيطُ ٢٥ % من اليابسة، وهذه النسبةُ الكبيرةُ تشفُّ عن ٧٥ % من الخيرات في مقابل خيرات اليابسة.
ولذا لفت القرآن الكريم عباده الصالحين إلى إمْكَانات البحار والمحيطات؛ كي تسخَّرَ في مسيرة الله تعالى، وتُستثمَرَ في بسط يد العدالة الإلهية؛ إذ قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، [سُورَةُ النَّحۡلِ: ١٤].
وبشكلٍ أخصَّ بما يواكب معاصَرةَ الأحداث، قال سبحانَه: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ}، [سُورَةُ البَقَرَةِ: ١٦٤].
فالبحارُ طريقٌ معبَّدةٌ للبشرية، تحملُ أفلاكَها ما تنوءُ عنه البراربي والأجواء، والبحار تخضعُ لها اليابسة؛ فاليد الطولى للبحار تمتد إلى أقطار اليابسة، والقوى العسكرية للغرب الكافر المعاصر قد أدركت الأهميات المتراكبة للبحار، فكثّـفت تسليح بحرياتها، وبسطت نفوذها العسكري في بحار العالم، وحاصرت اليابسة، ومارست شتى ألوان التسلط والظلم والقهر للأمم، حتى بلغ ذلك قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، [سُورَةُ الرُّومِ: ٤١]، فكان (الفساد) عنوانًا شاملًا لطبيعة تحَرّكات الغرب الكافر في البحار.
وللنمذجة بسطت أمريكا قِطَعَها البحرية الحربية: (مدمّـرات وبوارج وفرقطات وسفن) على امتداد المياه الإقليمية للجمهورية اليمنية، وباب المندب اليمني أمريكا متحكمة فيه، وترفع بلاغات مرور السفن في بحر العرب وخليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر إلى غرفة عمليات البحرية الأمريكية، ولا شأن لبحرية الجمهورية اليمنية في ذلك، بل يسري على السفن المتوجّـهة إليها ما يسري على سواها.
وأبان ثورة ٢١/ من سبتمبر اليمانية في عام ٢٠١٤م، استغلت بحار الجمهورية اليمنية لتقويض الثورة، فحاصر العدوان السعوأمريكي الشعب اليمني حصارًا مطبقًا، لا غذاء ولا دواء ولا وقود، وغير ذلك.
ولكن: ما شبكةُ العلاقات بين حصار العدوان السعوأمريكي لليمن، ومعركة “طُـوفَان الأقصى”؟
لشبكة العلاقات تلك بُعْدٌ تأثيري لتاريخ بني “إسرائيلَ”، والمعاصرة امتداد له.
عندما وصل بنو “إسرائيل” مع نبي الله موسى -عليه السلام- البحر، فالبحر من أمامهم، وفرعون وجنوده من خلفهم؛ قالوا: (إنا لمدرّكون)، فكان البحر أدَاةً لمنجاتهم؛ بوصفهم مسلمين حينئذ، لا يهودًا، وأدَاة النجاة تلك هي ذاتها أدَاة مهلكة لعدو المسلمين.
فأصبح البحرُ أيقونةَ انتصار في أيديولوجيات اليهود؛ مما جعل العدوّ الإسرائيلي منذ زرعه المشؤوم يولي تأمين البحار حوله أهميّة بالغة، وفي حروبه السابقة مع العرب، توجّـه بشكل خاص صوب المياه الإقليمية اليمنية: (جزره، ومضيقه)؛ لما لدورها بالذات من أهميّة في المعركة، وهذا ما دفع العدوّ المجرم نتنياهو قبل تسع سنوات؛ ليقول: (سيطرة الحوثيين على باب المندب أخطر من النووي الإيراني).
وفعلًا؛ في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدَّس”؛ كان الشعبُ اليمني -بمياهه الإقليمية ومضيقه- هو الأخطر على العدوّ الإسرائيلي؛ فمنَعَ السفنَ المتوجّـه إلى كيان العدوّ، وحقّق انتصارات أذهلت العالم.
ثمارُ الانتصار لغزة على المستوى اليمني:
١- استعادت الجمهورية اليمنية سيادتها في التحكم بمياهها الإقليمية، ومضيقها.
٢- تحرّرت المياه الإقليمية اليمانية وباب المندب من سيطرة العدوّ الأمريكي بعد تقهقر العدوّ.
٣- لا تمر أية قطعة بحرية عسكرية أَو مدنية إلا بعد رفع بلاغ رسمي لغرفة عمليات القوات البحرية اليمنية.
٤- أصبحت المياه الإقليمية اليمنية ومضيقها عربية إسلامية بامتيَاز.
٥- سقوط ورقة الحصار البحري للعدوان السعوأمريكي على الشعب اليمني.
٦- ذاع صيتُ الاقتدار اليماني عالميًّا على تأمين حركة سير السفن العالمية، وتأمينها.
٧- اتسع نطاقُ العلاقات العالمية مع الجمهورية اليمنية، بعد سنوات عدوان من القطيعة.
٨- أصبحت القوات البحرية اليمنية قوةً يُحسَبُ لها ألفُ حساب عالميًّا.
٩- وخلال هذه المعركة نمت وتيرةُ التطوير للبحرية اليمنية تقنيًّا ومعلوماتيًّا وفنيًّا ومهاريًّا.
١٠- أصبحت القوات البحرية العالمية، وفي مقدمتها القواتُ البحرية الأمريكية تستعينُ باستراتيجيات القوة البحرية اليمنية في مناطقَ أُخرى.
وأخيرًا: لولا الانتصارُ اليماني لقضية فلسطين العادلة؛ لما تحقّق للجمهورية اليمنية كُـلُّ تلك الثمار خلال فترة لا تتعدى عامًا واحدًا، فقط، وفقط.