حدودُ التزام القوى الاستعمارية بأمن “إسرائيل”
د/ عبد الرحمن المختار
لا تفوِّتُ القوى الاستعماريةُ الغربيةُ فُرصَةً لتكرار التأكيد على التزامها بأمن “إسرائيل”، ومَن يتابِعْ تصريحاتِ وتأكيداتِ هذه القوى -التي تصدُرُ عن أعلى المستويات السياسية والعسكرية فيها- يصلُ إلى نتيجةٍ وهميةٍ مفادُها أن ما يسمى دولة “إسرائيل” محاطة بالأعداء من جميع الجهات، وأنها الأضعف في محيطها، ومهدَّدة بهجوم كاسح ووشيك، قد يودي بها إلى محرقة كتلك المزعومة والمنسوبة للنازيين في ألمانيا خلال القرن الماضي وربما أسوأ منها.
ولكل ذلك؛ فالقوى الاستعمارية الغربية -ومن باب الإنسانية الفائضة لديها- تجدد في كُـلّ وقت وحين تأكيداتها التزامها بأمن (دولة إسرائيل)؛ كي لا تغامر الدول المحيطة بها على حين غفلة من هذه القوى، أَو تنتهز فرصة انشغالها بالتزامات أُخرى، غير أن دراسة الخارطة الجغرافية لمحيط مسمى (دولة إسرائيل) تؤدي لنتيجة حقيقية مفادها أن أنظمة الحكم القائمة في دول الطوق المحيط بهذه الدولة لا تعدو عن كونها أنظمةً وظيفيةً لا تختلفُ عن الكيان الصهيوني الوظيفي إلا من حَيثُ الأُسلُـوب، أما من حَيثُ المهامِّ فواحدةٌ موحَّدة.
وبذلك فَــإنَّ تكرارَ إعلان القوى الاستعمارية الغربية التزامَها بأمن مسمى (دولة إسرائيل) لا يتعلَّقُ بمخاطرَ محدقة من دول الطوق المحيطة بها، بل إن تلك التأكيدات خلال العقود الماضية كانت في مواجهة المقاومة الإسلامية في فلسطين المحتلّة ولبنان وداعميها، ورغم أن الكيان الصهيوني الوظيفي هو سلطة احتلال للأراضي العربية الفلسطينية وجزء من الأراضي اللبنانية والسورية، وأن مقاومة هذا الاحتلال حق مكفول بموجب قواعد القانون الدولي، إلا أن القوى الاستعمارية الغربية -من خلال تكرار تأكيداتها التزامها بأمن مسمى (دولة إسرائيل)- تعمل على تكريس احتلال الأراضي العربية، وتهدف من خلال ذلك إلى وأد أي مشروع تحرّري مقاوم للاحتلال الصهيوغربي البغيض، وهنا يبدو التساؤل مهمًا وملحًا عن حدود التزام القوى الاستعمارية بأمن مسمى (دولة إسرائيل)؟ وهل تكتفي هذه القوى بإبادة شعب عربي لتتوقف عن تكرار التزامها بأمن “إسرائيل”؟ أم أن التزامَها هذا لا سقف له، وأنها تلتزم في كُـلّ الأحوال حتى وإن شملت الإبادة شعوب الأُمَّــة العربية جميعها؟ وما هي مصلحة القوى الاستعمارية الغربية في التزامها المطلق بأمن دولة محتلّة، إن جاز تسميتها دولة وهي (إسرائيل)؟
حمايةُ كيان وظيفي:
إن القوى الاستعمارية في التزامها بحماية مسمى (دولة إسرائيل) لا تلتزم بحماية دولة ذات سيادة ومستقلة؛ فهذه الحماية لا تصح في حق الدولة القائمة بذاتها والمستقلة عن غيرها، إنما تلتزم هذه القوى بحماية نفسها، بحماية جزء منها، بحماية قاعدة متقدمة من قواعدها، ملتزمة بحماية كيان وظيفي يخدمها، ويحقّق أهدافها ويحمي مصالحها غير المشروعة في المنطقة العربية، فالقوى الاستعمارية هي من أنشأ هذا الكيان الوظيفي المسمى زيفًا وكذبًا وتضليلًا وخداعًا (دولة إسرائيل) ليجسد هذا الكيان المسخ أُسلُـوبها الاستعماري القديم القائم على الاحتلال العسكري المباشر وإخضاع الشعوب بالقوة المسلحة، استخدمته هذه القوى ولا تزال تستخدمه في انتهاك قواعد القانون الدولي التي تقر بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال وحقها في تقرير مصيرها.
والحقيقة القاطعة التي لا تقبل أي نقاش -كما ذكرنا آنفًا- أن القوى الاستعمارية لا تحمي مسمى (دولة إسرائيل) بوصفها دولة ذات سيادة مستقلة تمامًا عن هذه القوى؛ فمثل هذه الحماية غير واردة في العلاقات الدولية بالنسبة للدول المستقلة ذات السيادة؛ باعتبَار أن الدولة المستقلة ذات السيادة يقع على عاتق السلطة القائمة فيها حماية سيادتها واستقلالها، وتوفير الأمن لشعبها، ولا علاقة للدول الأُخرى بهذه الحماية، وما لم تكن هناك معاهدة دفاع مشترك بين دولتين أَو عدد من الدول لمواجهة مخاطر محتملة تمس أمن وسيادة هذه الدول مجتمعة، وتهدّد مصالحها المشتركة، فَــإنَّ تبرع القوى الاستعمارية الغربية بإعلان التزامها بأمن دولة مستقلة ذات سيادة يحمل علامات استفهام كبيرة، خُصُوصًا إذَا كانت هذه الدولة محتلّة لأراضي دول أُخرى، وتقترف جرائم إبادة جماعية كما هو حال الكيان الصهيوني الوظيفي، وهنا يثار التساؤل عن المصالح المشتركة القائمة بفعل الجوار الجغرافي التي تربط القوى الاستعمارية الغربية بمسمى (دولة إسرائيل)؟
الواضح تمامًا أنه لا قُرْبَ جغرافيًّا بين القوى الاستعمارية وكيان الاحتلال الصهيوني، نتج عن هذا التقارب مصالح مشتركة، وباعتبار أنه لا حدودَ للحماية التي تلتزم بها القوى الاستعمارية الغربية تجاه كيان الاحتلال الصهيوني الوظيفي المسمى (دولة إسرائيل) فذلك يؤكّـد بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا المسمى لا يمثل دولة ذات سيادة ومستقلة عن القوى الاستعمارية الغربية، وإن كان معترفًا بهذه الدولة سواء من جانب منظمة الأمم المتحدة أَو من جانب عدد من دول العالم وعلى رأسها القوى الاستعمارية الغربية ذاتها، فهذا الاعتراف خُصُوصًا من جانب المنظمة الدولية، يؤكّـد حقيقة أن مسمى (دولة إسرائيل) ليست دولة طالما أنها بحاجة لحماية دول أُخرى، وأنه لا بقاء ولا ديمومة لها إلا بحماية القوى الخارجية، وأن هذه الدولة واقعًا لا يمكنها توفير حماية ذاتية لشعبها وأرضها، وهي بذلك لا تعدو عن كونها كيانا وظيفيًّا يمثل جزءًا لا يتجزأ من القوى الاستعمارية الغربية، وذراعًا مهمًّا من أذرعها العسكرية في المنطقة، كما أن إصباغ صفة الدولة على هذا الكيان الوظيفي والاعتراف به من جانب المنظمة الدولية وعدد من دول العالم وعلى رأسها القوى الاستعمارية الغربية وتبادل التمثيل الدبلوماسي معه، كُـلّ ذلك هدفه تنصل القوى الاستعمارية الغربية من المسؤولية عن جرائم الإبادة الجماعية التي اقترفها ويقترفها كيانها الوظيفي، هذا من جانب، ومن جانب آخر أن تعمل القوى الاستعمارية الغربية على توفير الحماية القانونية، والتغطية السياسية على تلك الجرائم، بما تمتلكه من حقوق تصويت استثنائية في أجهزة المنظمة الدولية، وما تتمتع به فيها من نفوذ واسع تتمكّن من خلاله من تعطيل هذه الأجهزة تنفيذية وقضائية.
وبالنتيجة فالقوى الاستعمارية الغربية إنما توفر الحماية القانونية لنفسها، من خلال الحيلولة دون اتِّخاذ أي إجراء من جانب المنظمة الدولية وأجهزتها المتخصصة تجاه كيانها الوظيفي، حَيثُ تعمل على تعطيل وشل حركة هذه الأجهزة، ويأتي ذلك بعد أن وفرت هذه القوى الاستعمارية الإجرامية الحماية اللازمة لكيانها الوظيفي المسمى (دولة إسرائيل) في مسرح الجريمة، وهذا ما جسده ويجسده الواقع الراهن تمامًا؛ فمنذ أكثر من عام اقترفت القوى الاستعمارية الإجرامية الصهيوغربية جريمة إبادة جماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وعلى مدى هذا العام استمرت أفعال هذه الجريمة وتتابعت وتوسع نطاقها الجغرافي والديموغرافي، ليشمل الضفة الغربية والضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، وإن كان في الواجهة وفي مباشرة أفعال الجريمة الكيان الوظيفي الصهيوني، غير أن هذا الكيان لم يكن بمقدوره اقتراف هذه الجريمة على مدى أكثر من عام، لولا القوى الاستعمارية الغربية والأنظمة الوظيفية العربية.
تجاهل القوانين الدولية:
وواضح تمامًا أن تعطيل القوى الاستعمارية لأجهزة المنظمة الدولية التنفيذية والقضائية أَدَّى إلى تجاهل القوانين الدولية وأهمها الحاكمة لسلوك الدول الذي يمثل جريمة إبادة جماعية؛ فلا قيمة ولا اعتبار لنصوص (اتّفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لسنة1948) التي حدّدت بشكل واضح لا لبس فيه ولا غموض ما يندرج من الأفعال ضمن جريمة الإبادة الجماعية، بتعدادها لتلك الأفعال في المادة الثانية منها والتي نصت على أن:
(في هذه الاتّفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيًّا من الأفعال التالية، المرتكَبة على قصد التدمير الكلي أَو الجزئي لجماعة قومية أَو إثنية أَو عنصرية أَو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذىً جسدي أَو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًّا أَو جزئيًّا.
(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
(ه) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أُخرى).
وكلّ ما ورد في هذه المادة وأكثر منه قائم على أرض الواقع في قطاع غزة وفي الضفة الغربية وفي الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت؛ فالقتل بعشرات الآلاف، وإلحاق الأذى الجسدي من تشويه وبتر للأطراف والأذى الروحي والنفسي، وغير ذلك من أشكال وألوان الأذى شمل مئات الآلاف من أبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني، وإخضاع السكان المدنيين عمدًا لظروف معيشية قاسية هدفها الموت الجماعي جوعًا وعطشًا وألمًا، فمن لم تفتك بهم قنابل وصواريخ القوى الاستعمارية الصهيوغربية فتكت به الظروف المعيشية القاسية التي فرضتها هذه القوى الإجرامية، فلا مساكن، ولا مياه للشرب ولا طعام ولا دواء ولا مستشفيات، ولا غيرها من مقومات الحياة البشرية، ومن ثم فالنتيجة الطبيعية لكل ذلك هي الإبادة الجماعية، أما عن التدابير الأُخرى الواردة في الفقرتَين (د، هـ) فقد تجاوزتها القوى الاستعمارية الإجرامية الصهيوغربية من مُجَـرّد ما هو منصوص عليه فيهما من تدابير منع الإنجاب إلى القتل والإبادة الجماعية للذكور والإناث، وقتل الأطفال بدلًا عن نقلهم من أهاليهم لتبنيهم لدى جماعات أُخرى، وهو ما يعني أنه لم يكن واردًا بذهنية من صاغ هذين النصين أن مستوى الإجرام يمكن أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم في جريمة قطاع غزة وامتداداتها.
ولم يقتصر تعداد وتحديد اتّفاقية (منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها) للأفعال المكونة لجريمة الإبادة الجماعية، بل إن هذه الاتّفاقية حدّدت أَيْـضًا وبشكل واضح وصريح لا لبس فيه ولا غموض في مادتها (الثالثة) السلوكيات التي تعد شراكة في الجريمة، فنصت على أن (يعاقب على الأفعال التالية:
(أ) الإبادة الجماعية.
(ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية.
(ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.
(د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية.
(ه) الاشتراك في الإبادة الجماعية).
والواضح أن البند (أ) من هذه المادة متعلق بتقرير العقوبة على المباشر لأفعال جريمة الإبادة الجماعية، وهو في حالة الجريمة الراهنة في قطاع غزة وامتداداتها جيش كيان الاحتلال الصهيوغربي الوظيفي، ويشمل حكم الفقرة (ب) من هذه المادة جميع القوى الاستعمارية الغربية والأنظمة العربية التي أدانت عمليات المقاومة الشعبيّة الفلسطينية للاحتلال أَو تلك التي صنَّفت المقاومة بأنها جماعات إرهابية، ويشمل حكم الفقرة (ج) من هذه المادة جميع القوى الاستعمارية التي وصل ممثلوها إلى عاصمة كيان الاحتلال الوظيفي، وحرَّضوا بشكل واضح هذا الكيان على اقتراف جريمة الإبادة الجماعية تحت عنوان (حق الدفاع عن النفس) ويشمل حكم الفقرة (د) من هذه المادة جميع القوى الاستعمارية التي ورّدت لكيان الاحتلال الوظيفي الصهيوني شحنات القنابل والصواريخ ومختلف أنواع المعدات العسكرية، وكذلك جميع الدول التي قدمت الأموال لهذا الكيان المجرم، وَأَيْـضًا جميع الدول التي اتخذت مواقفَ سياسية مساندة له ومغطية للجريمة، وكلّ موقف ترتب عليه تعطيل أية إجراءات دولية من شأنها منع استمرار أفعال الجريمة، وقمع مقترفها، سواءٌ أكانت هذه الإجراءات جماعيةً صادرةً عن منظمة الأمم المتحدة أَو فردية، كما هو الحال بإجراءات جيشنا الوطني في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن والمحيط الهندي والبحر المتوسط، وإجراءات حزب الله في لبنان والمقاومة العراقية، وإجراءات الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
إعلامٌ لأنظمة عربية وظيفية:
والمؤسف أن وسائل الإعلام وكذلك النخبة العربية، ساهمت بشكل كبير في رسم صورة أُسطورية للكيان الوظيفي الصهيوني، واستبعدت مناقشة الشراكة المباشرة للقوى الاستعمارية والأنظمة العربية وبعض الأنظمة الإسلامية، ورغم أن الواضح تمامًا والملموس والمشاهد على أرض الواقع أن الكيان الوظيفي الصهيوني غير قابل للحياة كدولة إلَّا بالقوى الاستعمارية الغربية، ومن يتابع قنوات الإعلام المنحازة يلاحظ مناقشة النخب العربية المستضافة في هذه القنوات لاحتمالات الرد الصهيوني على الجمهورية الإسلامية ونطاق هذا الرد، وإمْكَانية تدخل القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، وكأنه لا وجود لجريمة إبادة جماعية متنقلة في الجغرافيا العربية! والأصل أن يتم مناقشة كيفية وقفها ومعاقبة مقترفيها مباشرين وشركاء ومحرِّضين ومتآمرين! لكن الواضح أن هذا النوع من الإعلام يمثل أنظمة عربية وظيفية، ولا خيار له إلا تبني مواقف هذه الأنظمة التي تخدم القوى الإجرامية الصهيوغربية.
أما الإعلام العربي الذي يحلو له أن يصف نفسَه بالمحايد فيناقش غالبًا مسألة إصرار الكيان الصهيوني على توريط الإدارة الأمريكية في حرب إقليمية شاملة! وكأن الإدارة الأمريكية بريئة وغير متورطة حتى الآن في أفعال جريمة الإبادة الجماعية! ومع إدراك هذا النوع من الإعلام أن الكيان الوظيفي الصهيوني عاجز تمامًا عن مواجهة فصائل المقاومة الإسلامية في قطاع غزة؛ فقد احتاج للقوى الغربية مجتمعة لتشاركه في جريمته، بل إن هذه القوى هي من استشعر ألم عملية السابع من أُكتوبر من العام الماضي فبادرت إلى حشد قواتها لتعزيز وجودها في قواعدها العسكرية في المنطقة وخَاصَّة قاعدتها المتقدمة المسماة (دولة إسرائيل)!
ومع ذلك يستمر هذا النوع من الإعلام في مناقشة إصرار نتن ياهو على جر الإدارة الأمريكية وغيرها من القوى الاستعمارية الغربية وتوريطها في حرب إقليمية شاملة! وكأن هذه القوى تنشد السلام، لولا نتن ياهو الساعي لتوريطها، وكان الأجدر بهذا الإعلام أن يناقش حسابات القوى الاستعمارية الصهيوغربية التي تحول بينها وبين الدخول في حرب شاملة مع محور المقاومة وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي لم تجرؤ القوى الاستعمارية الصهيوغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية الدخول في حرب مباشرة معها في بداية ثمانينيات القرن الماضي، رغم تواضع إمْكَانياتها العسكرية والاقتصادية في تلك المرحلة! وهذه القوى هي أعجز اليوم من مواجهة الجمهورية الإسلامية ومعها محور المقاومة بشكل مباشر؛ نظرًا لما سيترتبُ على هذه المواجهة من توقف كلي لإمدَادات الطاقة إلى الغرب وخُصُوصًا أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وما سينتج عن ذلك من انهيار حتمي لاقتصاديات هذه القوى الاستعمارية، وفوضى داخلية قد تؤدى إلى انهيارها بشكل كلي.
ولم يثر هذا النوعُ من الإعلام العربي أية تساؤلات بشكل جدي عن القيم الإنسانية والأخلاقية التي روّجت لها القوى الاستعمارية الغربية لعقود من الزمن! ولم يكلّف هذا النوع من الإعلام نفسَه مناقشة مدى تورط القوى الاستعمارية الغربية في جريمة الإبادة الجماعية، وما إذَا كانت آلافُ الأطنان من شحنات القنابل والصواريخ والمعدات العسكرية الموردة من جانب هذه القوى والمستخدَمة في أفعال جريمة الإبادة الجماعية والدمار الشامل لبنية وبنيان قطاع غزة والضفة الغربية والضاحية الجنوبية، ترقى لأن تمثل سببًا قانونيًّا وواقعيًّا لشراكة هذه القوى في هذه الجريمة؟ ورغم أن جمهوريةَ جنوب إفريقيا قد لفتت انتباه الأنظمة العربية ووسائل إعلامها إلى جريمة الإبادة الجماعية.
وكان على البقية الباقية من الأنظمة العربية التي تبقى لديها شيء من العروبة أن تكمل ما بدأته جنوب إفريقيا، ولو من باب توجيه الاتّهام إلى الشركاء في الجريمة من القوى الاستعمارية الغربية وبعض الأنظمة العربية، لكن هذا النوع من الإعلام العربي تجاهل تمامًا شراكة القوى الاستعمارية بصور متعددة في الجريمة، وبالتحريض والتآمر على ارتكابها، وكذلك الحال بالنسبة لبعض الأنظمة العربية الوظيفية.
وبذلك فقد أسهم هذا النوع من الإعلام العربي المتصف بالحياد، وهو واسع الانتشار، في تضليل الرأي العام وتجهيل شعوب الأُمَّــة العربية والإسلامية، والإعاقة غير المباشرة لجهود جمهورية جنوب إفريقيا لاستمرارها في تحريك دعوى الإبادة الجماعية، حين اكتفى هذا النوع من الإعلام بترويج مواقف القوى الاستعمارية الصهيوغربية حول ما جرى ويجري في قطاع غزة بأنه حرب تحت عناوين عريضة أبرزها (الحرب الإسرائيلية على غزة) ولا أعتقد أن كُـلّ ذلك عن جهل بتكييف وتوصيف ما جرى ويجري بأنه جريمة إبادة جماعية، لكن عن قصد وعن عمد لتلميع صورة القوى الاستعمارية الصهيوغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، وتبرئتها من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن جريمة الإبادة الجماعية، وتبرئة بعض الأنظمة العربية والإسلامية من الشراكة في اقتراف أفعال هذه الجريمة، بل وتبرئة المباشر لاقترافها وهو الكيان الوظيفي الصهيوني؛ فإذا ما ترسخ في ذهنية الرأي العام إعلاميًّا وسياسيًّا أن ما جرى كان (حربًا) فَــإنَّه بعد توقفها سيقال كانت تلك حربًا، ولكل حرب آثارها الجانبية التي تصيب المدنيين والأعيان المدنية! وسيتم أَيْـضًا مناقشة جزئية أُخرى مهمة وهي من الذي تسبب في هذه الحرب اللعينة؟ حينها ستكون ذهنية الرأي العام مهيئة لقبول فكرة أن حماس هي من تسبب في هذه الحرب، وحينها سيقال رغم كُـلّ التضحيات، إذن حماس تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن هذه الحرب وما ترتب عليها من دماء ودمار!