حقيقةُ الاغتيالات وحكمةُ المتغيرات
أمة الملك قوارة
القتل الخيار الأخير إشباعا لرغبة الحقد والكره وحب الاستحواذ، ويحدث القتل عندما تغيب الخيارات وتنضب الأساليب وتموت الرغبة في محاولة إيجاد حلول بديلة، وعند القتل يجازف القاتل بحياته رغبة في الانتقام، ولن يقبل على الخيار إلا ولديه القناعة الكبيرة بأن بقائه لن يدوم وبقاء الآخر يجب أن ينتهي! فالبعض يظن أنه إن لم يقتل فسيُقتل، والبعض يعتقد أن الحياة غير جدير بها الآخرين لأي سبب وعل هذه الأسباب هي نبذة بسيطة لسبب القتل لدى المجرمين وَأبرز مثال حاضر في عصرنا هي الحركة الصهيونية ومؤسّسوها التي اجتمعت فيهم كُـلّ أسباب ودوافع الجريمة فهي بثقلها اتجهت نحو أُسلُـوب القتل لبني البشر ابتداءً من الأنبياء وانتهاء بالعامة وليس الفلسطينيين أَو العرب بل عامة الناس على مستوى العالم على اختلاف انتمائهم وفي التاريخ الدلائل المشهودة! فأي شخص وأي كان انتمائه وعرقه وجنسيته سيقف أمام هذه الحركة فعقابه هو القتل، إنها عقيدة الصهاينة في العيش وفي تملك الحياة والأرض دون سواهم لذا نرى الرغبة القصوى في استحلال الدماء وقوة البطش وعظمة الخبث في التعامل مع من لا يقدرون عليه، وما لا يدركه البعض أنه لو تمكّنت الصهيونية من رقاب أعدائها لانتقلت إلى رقاب حلفائها وهي الحقيقية الغائبة عن الأنظمة الداعمة لها فلا نقاط ولا حدود ولا خطوط لديها عربيًّا ولا غربيًّا وإنما هي المصلحة التي تربطها مع الغرب في العون على العرب.
إن الصهيونية تعلم أن قاداتنا لم يفتحوا دفاتر القضية ليموتوا! ولم تحيا الشعوب ولم تنتصر القضايا ولم تتكسر القيود ولم تبزغ الحريات إلا على يدهم، فهل اغتيلوا؟: نعم، قُتلوا، نعم. لكنهم لم يخلقوا ليؤبَّدوا، ولم يفتحوا دفاتر القضايا ليموتوا! فما الشهاد على ذلك؟! لنتساءل لماذا المسيرة القرآنية باقية وقد قتل مؤسّسها؟!؛ لأَنَّه غمرها بفيض دمه وما كانت لتنمو جذورها وتتعدد فروعها ويعظم ظلها ويقوى تأثيرها دون تلك الدماء التي أشعلت وما خمدت قط، ثم إن أنصار ذلك الشهيد يسمعون توجيهاته ويعيشون حركته ويستنشقون علمه هو حيٌّ فيهم ومعهم وبينهم وفي مسيرته بين خصيلات أوراقها وغزارة فروعها ولذة ثمارها، إذن لم يفقدوه فهل قتلتموه؟ وذاك هو نصر الله وهنية ويحي السنوات وما قبلهم وما يليهم، لم يجلسوا على الكراسي ليتنفسوا عبير المناصب ولم يخيل لهم يومًا أنهم لن يستشهدوا ولم يتوانوا لحظة عن بناء قادة يخلفونهم وعن بناء أُمَّـة متجذرة فيها القضية؟ ولم تغيب عن ذاكرتهم حتمية النصر أَو الشهادة وغالبًا ما كانوا يرسون أهميّة الشهادة بحديثهم ويتوقون إليها وهي دروس كانوا يثبتونها في هُــوِيَّة واعتقاد الأُمَّــة ومن يتبعهم ويقتد بهم.
لينسى الأعداء فكرة أن الاغتيالات نصر بل هي بمثابة صب الزيت على النار، ولا مفر من الحقيقة – وهو أنك أن تغتال قائد فأنت بذلك فتحت على نفسك باب لعنته- التي تجلت بأحداث مسبقة أهلت لإحداث نعيشها اليوم وما كنا لنتخيل أن (طُـوفَان الأقصى) سيحدث بعد صفقة القرن فمنهم أُولئك القادة الذين فتحوا عليكم نار جهنم هل الذين صفيتموهم أَو الذين قتلتموهم؟ استشهد المؤسّسون وبقيت أَسَاساتهم وجذوتها وحرارتها وبقيت وتطورت وانتصرت حركاتهم وأهدافهم، نعم استشهدوا؛ لكن مع كُـلّ يوم أهدافهم تتحقّق وهذا هو النصر بحد ذاته، وسيستشهد قائد ويأتي قائد آخر والأمة ليست عاجزة على أن تلد القادة والرجال.
“أن من أعظم نكبات الأُمَّــة أن تفقد الأُمَّــة عظمائها” وقد تتالت وتعددت نكباتنا؛ وكبر معها حتمية انتصارنا؛ لأَنَّ الثمن يُدفع مع كُـلّ نكبة وقد دفعه شهدائنا وفي مقدمتهم قاداتنا، لكننا نحن المراقبون للأحدث والمدركون لطبيعتها والمنطلقون من قاعدة عين على الأحداث وعين على القرآن، ندرك الحكمة مما يحدث: إنها متغيرات إلهية تفرض على الأُمَّــة أن تكون تحت قيادة واحدة تدير المعركة على اتساعها وحجمها وخطورتها وهذا الذي يجب أن نعيه نحن جميعًا في محور المقاومة، ونتجه نحو مزيدا من التراص والاصطفاف في هذه المعركة كما الصلاة لها إماما واحدا يتبعه مئات المؤمنين المتقين، وأن نكن ضمن منطقة جغرافية متسعة ومترامية لا يعني أن هناك قائداً يحدّد بعده أَو قربه الإطار الجغرافي فهناك قادة لا الأمكنة ولا الأزمنة ولا الجغرافيا تحدّد موقعهم من القضية ومستوى ذوبانهم فيها ومستوى نظرتهم الثاقبة والمُقيمة للعدو في كُـلّ مراحله ومستوياته، نأمل أن يكون القادم محور مترامي الأطراف تحت قيادة واحدة ومنهجية واحدة خالصة، فالمرحلة تتطلب المزيد من صفاء الأهداف ونقاء الغايات وعظمة مبدأ الأُمَّــة في اتّحادها وتوحدها.