الاحتلال وسياسةُ اغتيال القادة

غانم الصيادي

الاغتيالات سياسة إسرائيلية قديمة في التعامل مع فصائل المقاومة الفلسطينية، ولها تاريخ طويل يمتد بامتداد النضال الفلسطيني مع الاحتلال، وقد كان لنجاحات سياسة الاغتيالات المحدودة في مواقف معينة الأثر البالغ؛ لأن تصر حكومة الاحتلال على استمرار استخدامها كسلاح استراتيجي فعال لإخضاع الحركة، واضعافها، وحرف مسارها بإعادة هندسة تحولاتها الداخلية كمنظمة التحرير الفلسطينية، ويبدو أن رئيس وزراء الكيان كان مسكونا بالأثر الذي أحدثته سياسة الاغتيال بالمنظمة ليراهن مجدّدًا على فعاليتها مع الحركات المقاومة الحالية، والتي تختلف بطبيعتها، وتكوينتها، ونهجها، وشدة تماسكها عن الحركات السابقة، وهو الخطأ المُستمرّ في تأريخ الكيان، والذي يعود لجهله لطبيعة التركيبة والنهج الذي تتبعه حماس..

وقد أثبتت عمليات اغتيال سابقة -بحق قيادات المقاومة الإسلامية “حماس” منذ نشأتها بدءًا بمؤسّسها الراحل الشيخ/ أحمد ياسين، مُرورًا برئيس مكتبها السياسي “هنية” ونائبه صالح العاروري، وُصُـولًا إلى “السنوار” وبينهم سلسلة طويلة من قيادات الصف الأول- فشلها في إضعاف الحركة، وإخضاعها، أَو حرف مسارها الناتج عن تحولات داخلية تقبل التقارب مع الكيان، بعكس غيرها التي أَدَّت الاغتيالات إلى إضعافها، وحرف مسارها..

الأمر الذي جعل من حركة المقاومة “حماس” عُقدةً عصيةً عن التفكك، والانحراف، بل تنامت قوتها، وزاد عديدُها وعُدَّتُها، وتوسعت دائرتها، وتعاظمت قدراتها العسكرية واللوجستية، لتصبح خطرا بالغا، وكابوسا دائمًا بالنسبة للوجود الإسرائيلي، الأمر الذي جعله يلجأ إلى التخبط، والتيه، والتصرف بهوادة وعشوائية في ممارساته الوحشية، وحرب الإبادة الجماعية بحق المدنيين، والأطفال، والنساء، وكبار السن، وقصفه المكثّـف لكل وسائل العيش في القطاع، عله بذلك يخضع المقاومة، أَو يضعفها.

وعطفًا على ما سبق فَــإنَّ ذلك بالمطلق لا يعني أن فقدان الحركة لقيادتها لا يؤثر على طبيعتها التنظيمية، ومستوى الروح المعنوية لديها، بل إن ذلك وبدون مكابرة ومجازفة وارد، ومسلمة طبيعية ومتوقعة لا مفر منها، إلا أن ذلك لا يدوم طويلًا وسرعان ما تعود الحركة لإعادة ترتيب أوراقها، ولملمة ذاتها للاستمرار في خط المقاومة والثأر، وهي نتيجة طبيعية وحتمية ملازمة لمسار حياة الشعوب المتطلعة نحو استقلاليتها، وتحرير أرضها بدحر المحتلّ، والقضاء عليه.

وبالإشارة فَــإنَّ الاحتلال من خلال سياسته تلك لا يهدف إلى تغييب القادة عن هرم الحركة، ومركز قرارها كأشخاص بانتهاجها لسياسة أَو مبدأ الاغتيال، إنما تهدف من وراء ذلك إلى تغييب الفكر المقاوم، والعقيدة التحرّرية التي لطالما شكلت قلقا، وخطرا، وحجر عثرة أمام مشروعه التوسعي في المنطقة.

خلاصة ذلك: وهي خلاصة مخضت بالاستناد إلى قراءة تحليلية، معمقة في تأريخ الحركة، وقدرتها على المرونة، والتكيف مع المتغيرات، والتعامل والعمل وفقها، وقياسًا على ما تعرضت له الحركة سابقًا من ظروف، وأحداث مريرة، ومؤلمة، بل وقاسمة للظهر، والتي جعلت منها أكثر مرونة، وقوة، وصلابة في مواجهة المتغيرات والمخاطر، وجعل منها سُلَّمًا لسد الفجوات، وتعزيز القدرات، وتعاظم أثرها في إشارة إلى ما يعني: أنه كلما حاول الاحتلال إطفاء وهج المقاومة، وإضعاف إرادتها، ورغبتها التحرّرية بانتهاج ممارسات، وأساليب أكثر إجرامية ووحشية معها، أذكى لديها شرارة الثأر، وشية الانتقام، وعزز لديها رغبة التحرّر، والخلاص، التي لن تخمد، ولن تتوقف إلا بدحره، والقضاء عليه.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com