الاستهداف المتعمد للإعلاميين.. انتهاك صهيوني صارخ للقوانين الدولية

المسيرة- محمد ناصر حتروش:

لمراتٍ عديدة منذ بدء (طُوفَان الأقصى) في السابع من أُكتوبر 2023م، لجأ جيشُ الاحتلال الإسرائيلي إلى استهداف الطواقم الإعلامية وكلّ ما له صلةٌ بالإعلام بغية تكميم الأفواه وحجب الحقيقة.

في آخر هذه الاستهدافات قيام العدوّ الصهيوني بقصف السكن الخاص بالإعلاميين في جنوب لبنان؛ ما أسفر عن استشهاد مصور قناة المنار وسام قاسم، ومصور قناة الميادين غسان نجار، والتقني فيها أَيْـضًا محمد رضا، كما أُصيب عدد من الصحفيين والمصوّرين من قنوات أُخرى.

ويأتي هذا الاستهدافُ الصهيوني المتكرّر للصحفيين؛ بهَدفِ ترهيب الإعلاميين ومنعهم من نقل الحقيقة حول ما يجري من مجازر صهيونية وحشية بحق المدنيين في لبنان وغزة، كما يعتبر الاستهداف المتكرّر للطواقم الإعلامية انتهاك صارخ للقوانين والأعراف الدولية التي تجرم استهداف الصحفيين؛ الأمر الذي يثبت مدى جرم الكيان الصهيوني الذي يمارسُ جميعَ الانتهاكات الدولية، راميًا بالقوانين والأعراف والاتّفاقيات الدولية عرضَ الحائط.

 

 تاريخٌ من الإجرام مع الصحافة:

وفي السياق يقول المدير العام لوزارة الإعلام اللبنانية الدكتور حسان فلحة: إن استهداف الإعلاميين وقتلهم في منطقة حاصبيا كان “فعلًا متعمدًا” من قِبل العدوّ الصهيوني، مع علمه الواضح بأن الضحايا هم مدنيون يؤدون مهامَّهم الإعلامية.

ويضيف في تصريح صحفي أن هذا السلوك “ليس جديدًا على العدوّ الإسرائيلي، الذي سبق وارتكب جرائمَ مماثلة بحق الصحفيين في غزة، ومع بداية عدوانه الأخير على لبنان، استهدف الصحفيين مباشرة، لافتًا إلى أن سجله في هذا المجال مليء بالانتهاكات”.

وينتقد فلحة “ما يُعرَفُ بالمجتمع الدولي”، وفق قوله، “الذي يُفترض أن يدعم حق الإعلام في نقل الحقائق، لكنه يغض الطرف عن جرائم الاحتلال بحق الشعب اللبناني”، ويشير إلى أن وزارة الإعلام لن تتغاضى عن هذه الانتهاكات، مؤكّـدًا أن وزارته ستلجأ إلى المسار القانوني المتاح، وستتواصل مع المنظمات الدولية والهيئات الصحفية العالمية، لتوثيق هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.

ويشدّد فلحة على أهميّة دور الإعلام في كشف الانتهاكات الإسرائيلية، لافتًا إلى أن معظم الضحايا في غزة ولبنان هم من المدنيين، وليسوا من العسكريين؛ مما يفضح محاولات إسرائيل المُستمرّة للتغطية على إخفاقاتها العسكرية في جنوب لبنان، مُشيرًا إلى أن “إسرائيل” تسعى لإسكات صوت الحقيقة ومنع وصولها إلى الرأي العام العربي والغربي؛ بهَدفِ إخفاء الصورة الكاملة لما ترتكبه من مجازر وحشية في جنوب لبنان.

بدوره يؤكّـد أُستاذ العلاقات الدولية الدكتور المصري خالد العزي، أن استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين في لبنان لم تكن المرة الأولى، مُشيرًا إلى أن تاريخ الإجرام الإسرائيلي مع الصحافة لم يبدأ من اليوم.

ويضيف العزي في تصريح إعلامي لقناة “القاهرة” الإخبارية أن “الاستهداف يأتي في إطار ممنهج، لمنع الكلمة ونقل الصورة والأحداث”.

ويشير إلى أن هذا ليس بجديد على تصرفات وممارسات قوات الكيان الصهيوني، فقد حدث ذلك في غزة وقبلها بمناطق الضفة، وأبرزها اغتيال شيرين أبو عاقلة، لافتًا إلى أن الكيان الصهيوني يحاول منع حرية وصول المعلومة للناس، من خلال آلياته، ويتذرع بأن بين هؤلاء الصحفيين قنوات ملاحقة من قبل القوات الإسرائيلية، وهي مطاردة وبالتالي يضرب الجيش مواقعها في بيروت.

ويشدّد أُستاذ العلاقات الدولية بأن من حق الصحافة مهما كان انتماؤها الذي تصنف فيه، أن تنقل الصورة والواقع، لافتًا إلى أن العملية ضد نقل المعلومة ومنع الناس من مشاهدة ما يحدث، إجرام من قوات الاحتلال الإسرائيلي، داعيًا إلى أن يكون للعمل الصحفي حصانة وقت الحروب، لكن في المنطق الميداني لا أحد يحترم حرية الصحافة والنقل.

من جهته يصف اللواء أركان حرب أيمن عبد المحسن، المتخصص في الشأن العسكري والاستراتيجي، استهداف قوات العدوّ الإسرائيلي للصحفيين بأنها جريمة حرب مخالفة للقانون الدولي.

ويؤكّـد أن القصف الصهيوني المتعمد للصحفيين يأتي بهَدفِ منع توثيق جرائمه في جنوب لبنان، مثلما حدث بغزة؛ إذ إن استهداف صحفيين واعتقالهم دليل على أن الكيان الصهيوني لا يقترف بالقوانين والأعراف والبروتوكولات الدولية التي تحذر من المساس بالصحفيين والأطقم الطبية والإغاثية في المعارك.

ويشير إلى أن هذا الاستهداف متعمد؛ إذ يعلم جيش العدوّ الصهيوني أن “حاصبيا” بها عدد من الإعلاميين والصحفيين، وبعض القنوات الدولية والمحلية التي تعمل على تغطية الأحداث من أرض الواقع، لذلك استهدفها كي يمنعها من نشر الحقائق، وتقديم رسالة إعلامية حقيقية لما يحدث من مجازر في الجنوب اللبناني.

 

 الكلمة الحرة حصن للأوطان:

وتأتي حادثة استشهاد الثلاثة الصحفيين اللبنانيين بفعل الغارات الصهيونية ضمن سجل طويل من الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحق الصحفيين، والتي وثقتها المنظمات الدولية خلال العام الماضي بحسب ما يقوله نقيب الصحفيين اللبنانيين خالد البلشي.

ويضيف في منشور له على منصة “فيس بوك” أنه قتل ما يقارب من 200 صحفي في فلسطين ولبنان، وسط صمت دولي وتواطؤ من شأنه السماح للاحتلال بمواصلة استهداف الصحافة والإعلاميين بلا رادع.

ويذكر البلشي أن هذا الصمت يترافق مع دعم غربي ومشاركة أمريكية؛ مما يزيد من معاناة المدنيين في الأراضي المحتلّة، مؤكّـدًا أن هذا الاستهداف المنهجي للصحفيين “يشير إلى خطورة الأوضاع، خَاصَّة في ظل الاتّهامات التي وجهها جيش الاحتلال الصهيوني مؤخّرًا لأربعة صحفيين في غزة، بدعوى تعاونهم مع فصائل المقاومة؛ ما يمثل تهديدًا واضحًا لحياتهم وتصعيدًا لممارسات الترهيب ضد الإعلاميين”.

ويطالب البلشي بالتحَرّك الدولي العاجل، وتجاوز بيانات الإدانة، داعيًا إلى اتِّخاذ خطوات فعلية لمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم بوصفهم مجرمي حرب، وإيقاف كافة أشكال التطبيع مع الكيان المحتلّ، مثمنًا صمود الصحفيين في فلسطين ولبنان، الذين يستمرون في نقل الحقيقة رغم المخاطر، مؤكّـدًا أن الصحافة الحرة ستبقى حصنًا للدفاع عن الحق والأوطان.

وتظهر الحوادث المتكرّرة المخاطر الجسيمة التي يواجهها الإعلاميون في ظل تصاعد المواجهات في لبنان، حَيثُ يعتبر هذا الاستهداف الثالث من نوعه منذ بدء المواجهات في أُكتوبر/تشرين الأول 2023م.

فقد استشهد المصور عصام عبد الله، الذي كان يعمل في وكالة رويترز، نتيجة قصف صهيوني استهدف مجموعة من الصحفيين في منطقة “علما الشعب” بتاريخ 13 أُكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023م، استهدفت مسيّرة إسرائيلية فريق عمل قناة الميادين في بلدة طير حرفا؛ مما أسفر عن استشهاد مراسلة القناة فرح عمر، والمصوِّر ربيع معماري.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com