الجهاد نصرٌ أَو استشهاد
وضحى الهمداني
ما بين العطاء والفداء، والشدة والرخاء، والنضال والقتال، وما بين العون والخِذلان، والحرية والانبطاح، والاستقلال والاستغلال، يظهر المجاهدون في لبنان وغزة كلُيُوث من خنادق الحرية وأنفاق الكفاح.
يسطّر هؤلاء الأبطال أروعَ معاني الصبر والصمود والنضال، وهم يقاتلون العدوّ الإسرائيلي في ساحات الوغى؛ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وكأنهم من زمن الراشدين ما بدَّلوا تبديلًا.
حملوا راية الحق والحرية؛ فهم في الميدان أسود، لا يضرهم من خذلهم؛ فقد نفضوا غبار الخوف، وانطلقوا دون تردّد، والتأريخ يشهد بعظمة هؤلاء ويدوِّنها في أنصع صفحاته.
في معركة الطوفان المقدَّس، يرتقي الأبطالُ شهداءَ على طريق القدس، لا فرق بينهم وبين القادة؛ فقد فاز القائد إسماعيل هنية بالشهادة، وفاز القائد السنوار، ومن قبله الشيخ صالح العاروري، ونال وسامها سيد الشهداء سماحة الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، وهاشم صفي الدين، وفؤاد شكر، وكلهم في خندق واحد، ومعركة واحدة، ومسار واحد، مع القدس، ولأجل القدس، ومع الله، وفي سبيل الله.
ليست شهادة هؤلاء القادة الأبطال سوى بداية لترميم طريق الجهاد؛ فالعدوّ الذي يعتقد أنه محا أثرَ المقاومة، فوجئ بولادة قيادة جديدة أكثر عزمًا وتوكلًا على الله، كما تفاجأ العدوّ بردة فعل المقاومة الباسلة التي مرَّغت أنفه في التراب، وداست على خشمه، دون أي ضعف أَو انهزام.
على منهج المقاومة، الشهادة وسام لا يناله إلا من اصطفاه الله، ليست خسارة أَو حزن؛ فهي نصر عظيم، وعاقبتها الفوز بالجنة، وبالفردوس الأعلى، كما أن ثمرة هذه الدماء الزكية هي النصر العظيم في الدنيا حتى ولو بعد حين.
الدرس الكبير الذي نتعلمه من هذه المحنة أن المقاومة لا ترتبط بالأشخاص، وإنما هي منهج، وعقيدة ربانية، قاهرة لكل المعتقدات الخُرافية، وهي غير حزبية، أَو عُنصرية ولا طائفية، بل مشروع لا يتوقف، ولو أن سياسة الاغتيالات للعدو تجدي نفعًا لأوقفت مقاومة اليمن وفلسطينَ ولبنان منذ عقود من الزمن؛ فدماءُ الشهداء تزهر نصرًا، وتصنع أوطانًا، والأوطان لا تموت.
هنا ندرك أن زوال الكيان المهترئ قاب قوسين أَو أدنى؛ فجرائمه التي لا مثيل لها قد أيقظت الضمير النائم في قلوب الشعوب الحُرة، وستأتي بردود أفعال قوية، والوعد والوعيد على صفيح ساخن والميدان كفيل بالشواهد الحية، وللمقاومة رَحِمٌ لا يلد، إلَّا قادةً، والمقاومة أُمَّـة، والأمة لا تموت أبدًا.
كلنا يقينٌ أن النصرَ حليفنا، وأن الأُمَّــة ستستعيدُ موقعَها الحقيقي بين الأمم؛ فهذه المعركة لم تشتعل من عدم، وهي قضيةٌ عادلة، وهي معركة الحق مع الباطل، والمقاومة لن تتوقف ولن تضعفَ برحيل قادتها العُظماء؛ فهي مرتبطة بالعقيدة العادلة، والقضية الصادقة، والجهاد المقدَّس، والفتح الموعود، وكل أبناء المقاومة عُظماء، وبالروح الجهادية الأخوية سننتصر بإذن الله.