الفرقُ بين الحكومة الإسلامية والحكومة الشيطانية
ق. حسين محمد المهدي
مما لا ريب فيه أن الحقد صداء القلوب، وأن اللجاج والجشع والطمع من أسباب الحروب.
فالعاقل من الناس لا يحل عقداً يعجزه إيثاقه، ولا ينقض عهداً بعد تأكيده وإحكام وثاقه، ولا يفتح باباً يعييه سده وإغلاقه، ولا يهب شيئًا لا يملك التصرف فيه وإنفاقه، ولا يرم سهماً يعجز عن رده بعد إطلاقه، ولا يفسد أمراً يعييه إصلاحه.
فمن المسلم به أن العقل يُصْلِح الروية، ويرشد إلى الطريق السوية، ولذلك عندما بيّن الله آياته، وأفهم حكمه ومراده قال: (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
وحينما أوضح ما حرمه على عباده قال سبحانه: (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
فبالعقل تعرف الحقائق، ويهتدى للخروج من المضايق، وبالعدل تساس البرية، وتستقيم أمور البشرية، ولهذا أرشد الله إليه، وأمر به، (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا)، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ).
ونحن في زمنٍ تدرك البشرية بالعقل الفرق بين الحكومة الشيطانية، والحكومة الإسلامية، فإذا أمعنت النظر في الديمقراطية الغربية المموهة، والتي يزعمون بأن فيها حاكمية، أَو سيادة شعبيّة، تجد فيها عجب العجاب.
فتشريع من يصل إلى سدة الحكم في مجالسهم التشريعية من القوانين غالبها لطبقات مخصوصة، لا لمصلحة الجمهور.
ورجال السياسة الذين يصلون إلى مركز القرار يتصرفون فيما لا يملكون بطريقة مقززة، تأنفها العقول وترفضها الطباع السليمة، لما يكتنفها من الظلم، والجور في حق بني الإنسان؛ فهذا هو الداء العضال الذي أُصيبت به أمريكا وإنجلترا وغيرها من الدول التي تدعي بأنها جنة للديمقراطية ومأوى لها.
فهذا وعد (بلفور) والذي نطق به التصريح البريطاني الرسمي الصادر في ٢ من نوفمبر تشرين الثاني عام ١٩١٧م التي أعلنت فيه هذه الدولة الديمقراطية الشيطانية تعاطفها مع الأماني اليهودية في إقامة وطن قومي لليهود في أرض العرب والمسلمين فلسطين.
فقد بعث اللورد بلفور، وزير خارجية بريطانيا إلى اللورد روتشيلد المليونير اليهودي رسالة يقول فيها: يسعدني كَثيرًا أن أرسل إليكم نيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي: تعاطفًا مع أماني اليهود الصهيونية التي قدموها، ووافق عليها مجلس الوزراء أن حكومة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل أفضل مساعيها لتسهيل تحقيق هذه الغاية.
وقد مهّد هذا الوعد مع الصهيونية اليهودية الأمريكية الرأسمالية لصالح حركة الغزو الاستيطاني اليهودي لفلسطين الإسلامية، على حساب عرب فلسطين، الذي كانوا يمثلون ٩٣ % من السكان وملكية الأرض، التي تم غزوها واحتلالها عام ١٩٤٨م
وقد أَدَّى صك الانتداب البريطاني إلى سلسلة من الحوادث أَدَّت في النهاية إلى اغتصاب وتشريد شعب فلسطين بأكمله على نحو لم يسبق له مثيلاً في التأريخ.
وقد قيل الكثير في تفسير دوافع بلفور، إلا أن الثابت هو تطبيق سياسة بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا، الذي دعا عام ١٨٣٩ إلى زرع كيان يهودي استيطاني في فلسطين ليكون حاجزاً بين مصر والمشرق العربي.
كان الغرض من اغتصاب أرض الشعب الفلسطيني وإقامة دولة يهودية الفصل بين المشرق العربي والمغرب، وبذلك تكون قد وضعت الحواجز بقصد منع قيام وحدة عربية إسلامية، وقد تبنى هذا المشروع كما هو ظاهر للعيان الحكومات التي تزعم بالديمقراطية في بريطانيا وأمريكا وأُورُوبا، وليس لتلك الشعوب كلمة ولا سيادة، فأين الديمقراطية من ذلك العمل المشين؟
أما الحكومة الإسلامية والدولة الإسلامية الذي جاء بها نبي الإسلام -عليه وآله الصلاة والسلام- فهي تؤمن بأن رب البشرية واحد، وأن أصل البشرية واحد.
حيث أعلن نبي الإسلام مبدأ وحدة الربوبية، ووحدة البشرية، وهما الدعامتان التي يقوم عليهما الأمن والسلم في العالم، في كُـلّ زمان ومكان (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أكرمكُمْ عِنْدَ اللَّـهِ أَتْقاكُمْ).
فالدولة والحكومة الإسلامية تقوم على العدل، وتحرم اغتصاب أرض الناس، وأخذ أموالهم، وسفك دمائهم، ولم تسمع الدنيا بأن حكومة إسلامية قد وهبت شعباً أَو أرضاً لغير أهله، أَو سمحت باستيطانه بقوة السلاح والنار.
فالحكومة الإسلامية بطبيعة تكوينها تحيط الحياة الإنسانية كلها بالعدل والرحمة والحكمة.
وهذا ترامب الذي يعترف بأرض العرب والمسلمين “فلسطين” لليهود، لم يمنع نظام الانتخابات الديمقراطي في أمريكا ترشحه لهذه الجولة التي أعلن فوزه فيها، مع أنه قد أعلن تأييده لاستيطان أرض المسلمين ونهبها، وهو لا يملك في ذلك الأمر شيئًا وفقاً للقوانين الإنسانية، وقوانين العدل الربانية، وليس له أن يهب لليهود شبراً في أرض فلسطين أَو غيرها.
ولكن استضعافه لمن يظن أنهم قادة للعرب والمسلمين جعله يشبههم في شكل بقرة حلوب، فهو آت لحلبها ثم ذبحها، وكأنه الشر القادم إليهم، والعذاب الواقع عليهم، فأين الديمقراطية من ذلك؟
فإذا كان يحب الصهيونية اليهودية فعليه أن يهبها قصوره وأمواله، وَإذَا كان الأمريكان والبريطانيون يؤمنون بشيء من حقوق الإنسان فعليهم أن يكفوا أذاهم عن بني الإنسان، وعن أرض فلسطين، وَإذَا أرادوا أن يهبوا اليهود المتصهينين الذين يتعاطفون معهم فليهبوا لهم ولاية في بلدانهم، لا في بلدان المسلمين.
إن العاقل من بني الإنسان يدرك الفرق بين الحكومة الإسلامية، والحكومة الديمقراطية الشيطانية، فقد جاء زمن كشف الحقائق.
ولهذا فالإسلام قادم ليحرّر الناس جميعًا من عبودية الشيطان إلى عبادة الرحمن (هُوَ الَّذِي أرسل رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).
العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، والخزي والهزيمة للكافرين والمنافقين، ولا نامت أعين الجبناء.