كمال شرف: الريشةُ المقاومة تقصفُ جبهةَ الاستكبار
رنا علوش
«الكاريكاتور سلاحٌ قويٌّ في أيدي البسطاء، يفضحُ السياسيين الفاسدين ويكشفُ حقيقتَهم بأُسلُـوب ساخر ومؤثر، يكسر قداستَهم، هم ومن يتستَّرون بالدين. هذا الفنُّ يمنحُ الرأيَ العامَّ نافذةً لمراقبة المسؤولين وأصحاب القرار، ويزيد من وعي الناس وإدراكهم للوضع وحقيقة هذه النخب».. هكذا اختصر فنان الكاريكاتور اليمني كمال شرف تعريفه لهذا الفنّ في إحدى مقابلاته عام 2020، وحمّله مسؤوليةً شعبيّةً حين أكمل حديثه، مُشيرًا إلى أنّ «الكاريكاتور نبض الشارع، يحكي أوجاع الناس وأحلامهم، ويقدّم لهم سلاحًا يُعبّر عنهم ويسهم في إيصال صوتهم إلى المسؤولين». يُعدّ كمال شرف أحد روّاد فنّ الكاريكاتور الرقمي المعاصر في اليمن. سافر إلى مصر ليُكمِلَ دراسته الفنيّة، وتخلّى عن أدواتِه التقليديّة، لينتقلَ إلى تطوير تقنياته الرقمية. سَرعانَ ما عاد إلى اليمن ليصرُخَ بوجه الحرب برسوماته الكاريكاتورية المعروفة بأُسلُـوبها غير المتكلّف والذكي.
في الصيف المنصرم، كرّمت «اللجنةُ العليا لنُصرة القُدس» الفنان؛ تقديرًا لأعماله الكاريكاتورية التي تُعبّر عن معاناة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة؛ إذ إنّ رسومات شرف لم تقتصر على الدفاع عن الشعب اليمني وتسليط الضوء على معاناته، بل أصبحت سلاحًا موجّهًا ضدّ العدوّ الصهيوني وحلفائه. منذ بدء الإبادة الدموية التي يشنّها الاحتلال على أهالي قطاع غزّة، وثّق شرف هذه الأحداث بأُسلُـوبه الذي بات يسهل تمييزه عن أُسلُـوب رسامي الكاريكاتور الآخرين.
امتدّ اهتمامه ليشمل الشعب اللبناني مع توسّع العدوان الصهيوني على الأراضي اللبنانية. تارةً يسخر بذكاء من زعماء الاحتلال وزعماء الغرب والعرب المتواطئين معه، وطورًا يسلّط الضوء على معاناة الشعبين الفلسطيني واللبناني، أَو يكرّم زعماء المقاومة ويحتفل بانتصاراتهم، فتظهر يد الشهيد السيد حسن نصرالله في إحدى رسوماته، وفي أُخرى، يستعيد حنظلة ليغرسَ مع الشهيد يحيى السنوار عَلَمَ فلسطين.
وعندما احتفل نتنياهو باستشهاد السيّد نصرالله، ذكّره شرف في إحدى رسوماته بأنّ “إسرائيل” «أوهن من بيت العنكبوت». لا يفوته حدث مهما بدا «ثانويًّا»، ولو كانت آراءُ المغنية إليسا بحق المقاومة هي محوَر الحدث.
ينجحُ شرف في التعبير عن الصوت الشعبي. بعد كُـلّ حدثٍ كبير، ينشر على حساباته على منصّات التواصل الاجتماعي رسمة تتعلق بالحدث، ويتسارع مستخدمو هذه المِنصّات لإعادة نشرها. كثيرون منهم قد لا يهتمون بتوقيع الفنان، وربما لا يعرفون اسمَه، لكنهم جميعًا يميزون رسوماتِه ويدركون أنّها من عمل فنان واحد. فضلًا عن ألوانِه وعناصرِه البسيطة وخلفيته الموحدة اللون في معظم رسوماته، فَــإنَّ أكثَرَ ما يميّز أُسلُـوب شرف هو الصدق الملموس.
يحرص شرف على تبنِّي ما يؤمن به، فتعكس رسوماتُهُ قضايا وانشغالات تمسّه كفنان، بعيدًا من محاولات ركوب «التريندات» المنتشرة، ما يمنح أعماله صلةً قوية بالناشطين في العالم الافتراضي. إضافة إلى رسوماته الكاريكاتورية، يعمل شرف كمخرج رسوم متحَرّكة ورسام لقصص الأطفال. وفي مقابلات عدة، يستحضر الفنان الفلسطيني الشهيد ناجي العلي، مُشيرًا إلى تأثره بأعمال صاحب «حنظلة»: «معظم رسومات ناجي العلي صامتة، إذ تختزل الفكرة بصورة، وبرأيي أن أعمالًا مماثلة تتطلب جهدًا كَبيرًا وثقافة تمكّنك من اختزال القضايا في فكرة بسيطة وسهلة. وأنا كذلك، غالبية أعمالي صامتة».