دروسٌ للحكومة من حكومة الإمام علي بن أبي طالب (1):
الدكتور/ محمد قاسم علي العاقل
نحن اليوم في أَمَسِّ الحاجةِ إلى استلهام الدروس والعبر من حكومةِ الإمامِ عَلِيٍّ “عَلَيْـهِ السَّـلَامُ” في الحكم والإدارة؛ لا سِـيَّـما ونحن نعاني تراجعًا كَبيرًا في القيم والمبادئ في كُـلّ جوانب الحياة، وعلى جميع المستويات؛ سواءٌ أكانت السياسية أَو الإدارية أَو الاجتماعية أَو الاقتصادية، بعد أن فشلت القوى السياسية والحزبية في تطبيق الأسس والمبادئ الإسلامية الحكيمة.
والاقتدَاء بحكومة الإمام علي بن أي طالب “عَلَيْـهِ السَّـلَامُ”، واجب ديني وشرعي، مُلزِمٌ لأيَّةِ حكومة؛ لِما لها من عبرة وعظة، فقد عاش الإمام تجربة طويلة الأمد في الحكومة الإسلامية؛ ذلك لأَنَّه كان في عهد الرسول الأعظم من أهم منفذي الشؤون السياسية الإسلامية، وأخذ “عَلَيْـهِ السَّـلَامُ” بزمام الحكم لعدة سنوات، وأجاد في تبيُّن أهداف الحكومة الإسلامية، كما يشير “عَلَيْـهِ السَّـلَامُ” إلى أسباب السقوط السياسي والاجتماعي والاقتصادي لحكومة ما، ويقول:” يُستدَلُّ على إدبار الدول بأربع: تَضييعِ الأصولِ، والَّتمسكِ بالفروعِ، وتقديمِ الأراذلِ، وتأخير الأفاضل”؛ أي إن بمقدورنا أن نستدلَّ على سقوط حكومة ما بتلك العوامل الأربعة، وكل عامل من هذه العوامل هو وليد الضعف السياسي وسوء الإدارة لمسؤولي تلك الحكومة، وفي كلام له حول أسباب السقوط الاجتماعي والاقتصادي، يقول: “يُستَدلُّ على الإدبار بأربع: سوءِ التَّدبيرِ، وقُبحِ التبذيرِ، وقِلَّةِ الاعتبار”.
ومن ذلك يمكن القول إنه إذَا ما اجتمعت أربعة أمور في بنية أية حكومة فَــإنَّها ساقطة لا محالة، هي: سوء وضعف الإدارة، التبذير في النفقات الاقتصادية دون عائد للاقتصاد، عدم الاعتبار بالتجارب المفيدة والصالحة للتطبيق، الإكثار من التبريرات والاعتذار دون جبر وإصلاح ما فات.
ومن الطبيعي أن تكونَ هذه العوامل سببًا في انهيار حياة شخص ما، مثلما تكونُ سببًا لزوال حكومة ما؛ ذلك لأَنَّ القسم الأعظمَ من تلك العوامل يقعُ على عاتق الإدارة الضعيفة، سواءٌ أكان نطاق الضعف يشمل: السياسية أَو الاقتصادية أَو الاجتماعية.
وقد بادر الإمام علي “عَلَيْـهِ السَّـلَامُ” عند توليه الخلافةَ بعزل الولاة الفاسدين؛ لأَنَّ ذلك كان أدعى إلى الهدوء بعد الفوضى التي اجتاحت الأقاليمَ الإسلامية؛ بسَببِ ظلم أُولئك الولاة، كما استرد القطائعَ التي أقطعها الولاةُ للأقارب من بيت المال.
وطريقتُه “عَلَيْـهِ السَّـلَامُ” في الإدارة والحُكم يولي العاملَ ويطلق يدَه على الجملة ويكشف حالَه، ويدعو عماله إلى التبلُّغ بميسور العيش والرفق بالرعية، ويضعُ لها المنهاجَ الذي يسيرون عليه.
وقد اتضحت السياسة والحُكم للخليفة علي “عَلَيْـهِ السَّـلَامُ”، من خلال خطبه الداعية إلى إرساء الصدقِ في النوايا، والعمل بما يرضي الخالق تعالى، ثم السعي لإنصاف الرعية من ظلم العمال والولاة.
ولقد سجَّل التاريخ صورًا عديدةً من نظام الحكم والإدارة للإمام علي “عَلَيْـهِ السَّـلَامُ” تعتبر نماذجَ رفيعةً في توجيه العمال والولاة إلى خير نظم الحكم والإدارة في الولايات المختلفة، وهي ليست ببعيدة عن توجّـهات قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي “حفظه الله” في خطبه وتوجيهاته القيِّمة، والتي يتوجَّبُ أن تطَّلِعَ حكومة التغيير والبناء على هذه التوجيهات والعمل بها، وتجهد وتجتهدُ لتحقيق ذلك، وتوفر كُـلّ المقومات اللازمة لهذا الأمر، من خلال نهوضِها ومبادراتها، وأن تزيح كُـلّ عقبة في هذا الطريق عبرَ بذل المُهَج وخوض اللجج ليقومَ العدلُ الإلهي في أرض اليمن بلد الإيمان الذي إن شاء الله سوف يعود سعيدًا بحنكةِ وحكمة القيادة السياسية للبلاد.