لم يعد التخاذل العربي.. بل أصبح فجورًا عربيًّا
عبدالحكيم عامر
في ظل الحرب المُستمرّة في قطاع غزة، التي تمتدُّ لأكثر من العام، تتجلى مأساة إنسانية تتطلب تحَرُّكًا عاجلًا من العالم العربي، المشاهد المؤلمة التي تُبث عبر وسائل الإعلام تُظهر فظائع تُدمى القلوب، ومع ذلك، يبدو أن الكثير من الأنظمة والشعوب العربية في سبات عميق، وكأن شيئًا لا يحدث في الجوار.
لم يعد خذلان الأنظمة العربية لفلسطين مُجَـرّد شعور بالخيبة، بل أصبح يُعتبر فجورًا عربيًّا يتجاوز التخاذل، فبينما تُشاهد الدول العربية الأحداث في غزة من خلال شاشات التلفاز، تستمر في تجاهل واجبها الأخوي والإنساني تجاه الشعب الفلسطيني. إن موقف بعض الأنظمة، خَاصَّة دول الطوق، يدعو إلى الاستنكار، حَيثُ يبدو أن هناك تآمُرًا ضمنيًّا يهدف إلى إضعاف المقاومة الفلسطينية، من خلال منع وصول المساعدات الإنسانية الأَسَاسية مثل الطعام والماء والدواء.
في ظل هذا الصمت العربي، تأتي النُصرة من دول وشعوب غير عربية وغير مسلمة، فعلى سبيل المثال، ما قامت به دولة جنوب أفريقيا بتقديم العدوّ الصهيوني لمحكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، هذا يعكس الفجوة الكبيرة بين المواقف العربية والدولية تجاه القضية الفلسطينية، ويطرح تساؤلات حول مدى تأثير المجتمع الدولي في دعم الفلسطينيين مقارنةً بموقف الأنظمة العربية.
إن خذلان غزة ليس حدثًا طارئًا، بل هو امتداد لتاريخ طويل من تجاهل الحكومات العربية للقضية الفلسطينية، حَيثُ كانت بدايات هذا الخذلان مُبكرة، مما أتاح للاحتلال الإسرائيلي التمدد والتمادي في انتهاكاته، في الوقت الذي يقاتل فيه حزب الله والفصائل الفلسطينية بشجاعة، تظل الأنظمة العربية في حالة من اللامبالاة.
يبقى السؤال: متى ستتحَرّك الدول العربية والإسلامية لوضع حَــدٍّ لهذه المأساة؟ كم يجب أن يموت أَو يدمّـر في غزة حتى تتخذ هذه الأنظمة موقفًا حازمًا؟ هل سيظل هذا الخذلان مُستمرّا مهما كانت الفظائع؟
إن القضية الفلسطينية تعتمد بشكل كبير على موقف الدول العربية، فإذا استمر الخذلان، فَــإنَّ ذلك يعني استمرار الاحتلال واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني، ولكن إذَا اتحدت الدول العربية في دعم القضية، فَــإنَّ ذلك سيشكل ضغطًا قويًّا على الاحتلال لدفعه نحو الانسحاب وتحرير فلسطين كامل فلسطين.
ويجب أن تعرف الدول العربية والإسلامية المتخاذلة، إن روح المقاومة متجذرة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني، وتؤكّـد العمليات المُستمرّة ضد المحتلّ على فشل محاولات وأد هذه الروح، رغم خذلان بعض الأنظمة العربية وتوجّـهها نحو التطبيع، إن تكرار وتزايد عمليات المقاومة يبرز كرامة وعنفوان الأحرار في أمتنا، وأن المبادئ الحية للمقاومة ستظل مشتعلة في وجه المحتلّ، وهي تعكس الوعد الإلهي بزوال الكيان من المنطقة.
في الأخير، يبقى الأمل معقودًا على وعي الشعوب العربية وقدرتها على التأثير في حكوماتها، ليتحقّق الدعم الفعلي لفلسطين ولتتوقف المأساة المُستمرّة.
فَــإنَّ مراجعة الموقف العربي في سبيل تحقيق ضغط فعلي لوقف العدوان ومنع الأزمة الإنسانية والمجاعة التي تفتك بأهل غزة، يعد واجبًا من جوانب متعددة، أخلاقية وسياسية واستراتيجية ودينية، وإلا فَــإنَّ ما يجري بغزة له ارتدادات كبيرة عربيًّا وإسلاميًّا وإنسانيًّا من ناحيتي الوعي والفعل معًا، وعربيًّا ستكون آثاره مباشرة على المنظومة القائمة، كما أنه يسجل الخروج الفعلي للعرب من التاريخ، تمثل بعض أشكال الصمت والخذلان خطيئة استراتيجية.
لا يمكن للمنطقة العربية والإسلامية أن تنعم بالاستقرار في ظل الاحتلال الصهيوني، لذلك، يجب على الشعوب العربية الحرة الضغط على حكوماتها للتحَرّك لدعم الشعب الفلسطيني، كما ينبغي إعادة النظر في سياسات التطبيع التي لم تحقّق السلام بل زادت من معاناة الفلسطينيين.