ومَن أصدقُ من الله قيلا؟
بشرى المؤيد
حين يريد البشر تغييرَ سُنَنِ الله الكونية؛ ظناً منهم أنهم يستطيعون التغلب عليها، أَو لا ينصاعون وَيأتمرون بأوامر الله إنما هم معاندون، وسيظلون في طغيانهم يعمهون حتى يأتيهم اليقين؛ فكم من أمم عاندت، وتكبرت، وتجبرت؛ لكنها اندثرت وَكان مصيرها الهلاك بأنواع مختلفة من العذاب، وحين أتى أمر الله لهم لم يستطيعوا فعل شيء، ذابت أقوالهم، وأفعالهم، وَقواهم المتكبرة، وأصبحت شيئًا لا يُذكَر، طمسوا وطمست معالم حياتهم المترفة، لعبهم ولهوهم وترفهم وشهواتهم التي كانوا فيها منغمسين.
حين نتدبر كلام الله كيف أهلكت الأمم السابقة نقول في أنفسنا “لا قوة إلا قوة الله” ونسبح الله في ملكه العظيم الذي يديره بملكوته الكبير وَالعظيم في أنفسنا، تعالوا ننظر سويًّا كيف أهلكت الأمم السابقة، حين نقرأ كلام الله عز وجل، في محكم كتابه بتركيز وتمعن: “وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ، وَقَوْمُ إبراهيم وَقَوْمُ لُوطٍ، وَأصحاب مَدْيَنَ، وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أخذتُهُمْ، فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ” خطاب الله سبحانه لسيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- قال له فيما معناه لا تحزن فقد كذبوا رسل من قبلك لكن نتيجة لتكذيبهم وَنكرانهم لرسلي أرسلت لهم عذابي وأهلكوا بمختلف أنواع العذاب.
قوم نوح أهلكوا بالغرق بالطوفان “وَلَقَدْ أرسلنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ ألف سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}، قوم لوط أهلكوا بالحجارة والمطر والصيحة “فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ” وقال تعالى: “فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ”، قوم هود أهلكوا بريح فيها عذاب أليم، الصيحة، القارعة “وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ” قوم ثمود أهلكوا بالصيحة والرجفة والجثوم في الدار “وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأصبحوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ”، قوم شعيب أهلكهم الله بالرجفة والصيحة والجثوم في الدار “فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأصبحوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ”، قارون حين أفسد عاقبه الله بالخسف “فخسفنا به وبداره” المسخ وقد عذب الله بني “إسرائيل” عندما اعتدوا في السبت “وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السبت، فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ”، قوم فرعون بالغرق “فلمَّا كشفنا عنهُمُ الرِّجزَ إلى أجل هُم بالِغوهُ إذَا هُم يُنكِثون، فانتَقَمنا مِنهُم فأغرقناهُم في اليمِّ بأنَّهُم كذَّبوا بآياتِنا وكانوا عنها غافلين”، وهكذا عذب الله من كانوا لله جاحدين منكرين، مكذبين له ولسننه الكونية، فلا تبديل لكلمات الله؛ فهو سبحانه من يحكم الكون كله “كُـلّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرض كُـلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ”.
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ماذا قالوا بعد أن أتاهم العذاب وَرأوه راي العين، وأنه لا يوجد مجال للتراجع؛ فالعذاب حتمي لهم حتى لو اعترفوا أنهم كانوا لأنفسهم ظالمين، ويريدون الرجوع للدنيا ليعملوا أعمالاً صالحة؛ فكان جواب الله لهم فيه من الصرامة والغضب عليهم، ولم يدعهم يتكلمون وذكرهم بأنه كان فريق من عباده يعبدون الله ويسألون الله الرحمة والغفران وَينصحون ويحذرون ويذكرون الناس بالرجوع إلى الله، لكنهم كانوا منهم يضحكون ويسخرون وَيستهزئون بهم وبكلامهم؛ فكيف ينتصحون بمن هم ليسوا إلا بشراً مثلهم، قال تعالى: “رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ، قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ، إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ، إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ”.
فكلام الله حق، وما فيه حق، ومن سار على هداه كان منطقه حق، ومن مشى على صراطه المستقيم هدي إلى طريق الحق، ومن تمسك واعتصم بقرآنه كان على الحق، فهو الحق ورب الحق وإنّا على درب الحق ماضون ومُستمرّون حتى ينتصر الحق “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا” هذا جزاءهم في الآخرة أما في الدنيا فحياتهم ملؤها نعم كثيرة، ونصر، وتمكين، وخير يعمهم ويعم الدنيا بكلها.