للمرة الأولى.. قاعدة “أسدود” الصهيونية البحريّة في مرمى المجاهدين
المسيرة | خاص
تُثبِتُ المقاوَمةُ بالفعل -على العكس مما توقَّع عدوُّها عقبَ ما قام به من اعتداءات وعمليات اغتيال لقياداتها- أنها لا تزال تملك بزمام الميدان، من خلال التصدِّي الأُسطوري جنوبًا، والقدرةِ على وضع المعادلات وتنفيذها بدقة.
في التفاصيل؛ فَــإنَّ المعادلة التي شكّلت، الأحد؛ انطلاقًا للعديد من عمليات الاستهداف النوعي والهام، طالت شمال وقلب كيان العدوّ الصهيوني، في أعقاب ارتكاب العدوّ مجزرةً بحق المدنيين في قلب العاصمة اللبنانية بيروت راح ضحيتها قرابة الـ29 شهيدًا.
تفعيلُ معادلات توازُن الردع ودفع العدوّ لمراجعة حساباته:
في السياق، يرى خبراءُ عسكريون أن استهدافَ المقاومة “تلَّ أبيب” يعكسُ تطبيقًا مباشرًا للمعادلة التي أكّـد عليها الأمين العام لحزب الله سماحة “الشيخ نعيم قاسم” في خطابه الأخير، القائمة على “بيروت مقابل تل أبيب”، حَيثُ دَوَّت أصواتُ انفجارات عنيفة فيما يسمى “تل أبيب الكبرى”، بعد استهدافها بصواريخَ من لبنانَ لأكثرَ من مرة، في حين أكّـدت وسائلُ إعلام مختلفة أن 3 ملايين مستوطن صهيوني توجّـهوا إلى الملاجئ بعد تفعيل صفارات الإنذار شمال ووسط وعمق الكيان.
وفي تحليلٍ للمشهد العسكري على الجبهة اللبنانية، فَــإنَّ هذه الهجماتِ تحمل دلالات استراتيجية تشير إلى قدرة المقاومة على تحقيق توازن الردع مع كيان الاحتلال واستمرار حضورها في المشهد الميداني، كما أن الاستهداف الصاروخي المُستمرّ يعكس جاهزيةَ القدرات العسكرية لها؛ وهو ما يمثل كذلك رَدًّا غيرَ مباشر على المزاعم الإسرائيلية المتكرّرة بتدمير البنية القتالية لحزب الله أَو إضعافها إلى حَــدٍّ كبير.
ويؤكّـد الخبراء أن هذه العمليات تثبت استمرار قوة حزب الله الصاروخية واستعدادها للاستخدام عند اتِّخاذ القرار بذلك من قيادته، وسقوط الصواريخ في المواقع المستهدفة بتل أبيب ومحيطها -رغم استنفار المنظومات الدفاعية الإسرائيلية بأقصى طاقتها- يكشف عن خلل في القدرة الإسرائيلية على منع الهجمات أَو اعتراضها بفاعلية، وهو ما يعني امتلاك حزب الله القدرة على ضرب أهداف دقيقة بغض النظر عن الاستعدادات الإسرائيلية.
ويلفت مراقبون أن الرسالة الأهم التي يجب أن تستخلصها حكومة الكيان من هذا التصعيد هي أن قدرة حزب الله على تنفيذ هذه الهجمات تؤكّـد حتمية الرد على أي استهداف إسرائيلي؛ ما يجعل تحقيق أهداف عسكرية بعيدة المدى أمرًا صعبًا، ويدفع باتّجاه التفكير في تسويةٍ سياسية بدلًا عن تصعيد المواجهة.
في السياق، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بإصابة مبانٍ في “بيتاح تكفا”، وأن “انفجارات عنيفة سُمِعت في “تل أبيب الكبرى” بعد استهدافها بصواريخ من لبنان”، مضيفة أنه “تمّ رصد إطلاق 10 صواريخ من لبنان باتّجاه تل أبيب الكبرى”، وأكّـدت سقوط ست إصابات إثر سقوط صاروخ قرب “تل أبيب”.
وأكّـدت إطلاق حزب الله أكثر من 250 عملية من لبنان باتّجاه شمالي “إسرائيل” منذ منتصف ليل السبت، كما أعلن الحزب عن هجومٍ بسربٍ مسيّرات على قاعدة “أسدود” البحرية، مؤكّـدًا إصابة الأهداف بدقة.
وبحسب مراقبين، فَــإنَّ الضربة الصاروخية الأخيرة من لبنان، كان منسوبها أعلى من سابقاتها من حَيثُ التنوع والمساحة وفي وقتٍ واحد، كما أن الاستهداف توزع على مستوطنات الشمال الساحلية وُصُـولًا إلى “تل أبيب” ومحيطها؛ ما يعني أن قدرات حزب الله عالية، وأنه قادر على رفع المنسوب بما يشكل أذى كبير، وتؤكّـد أن الحزب يصعِّد وفق المقتضى، وبما يؤلم ويدفعُ الإسرائيلي لمراجعة حساباته.
في السياق، أعلنت “هيئة البث الإسرائيلية” عن توقف حركة الطيران في مطار “بن غوريون” شرقي “تل أبيب” إثر إطلاقِ الصواريخ من لبنان، مؤكدةً اندلاع حرائق في مواقع متفرقة من “نهاريا وحيفا” إثر إصابات مباشرة بصواريخ، وأكّـدت وسائل إعلام العدوّ أن “10 إسرائيليين أُصيبوا في نهاريا وحيفا وبيتاح تكفا، إضافة إلى إصابة خطيرة في كفار بلوم بالجليل الأعلى”.
وسبق هذا، إعلانَها صباحًا، أن “حزب الله أطلق منذ منتصف الليل نحو 100 صاروخ باتّجاه الأراضي الإسرائيلية”، وأفَاد إعلام العدوّ برصد إطلاق ما لا يقل عن 180 صاروخًا من لبنان باتّجاه الأراضي المحتلّة منذ صباح الأحد.
سلسلة “عمليات خيبر” للساعات الماضية:
في إطار دعمها للشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة؛ وإسنادًا لمُقاومته الباسلة والشريفة؛ ودفاعًا عن لبنان وشعبه، وضمن سلسلة “عمليّات خيبر”، وبنداء “لبيك يا نصر الله”، أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان، الأحد، عن سلسلةٍ من العمليات الجهادية، بلغت حتى كتابة هذا التقرير (39 عملية وبيانًا).
أبرزُها إعلانُ المقاومة أن مجاهديها استهدفوا “قاعدة بلماخيم”، موضحةً أن هذه القاعدة هي “قاعدة أَسَاسية لسلاح الجوّ الإسرائيلي، تحتوي على أسراب من الطائرات غير المأهولة والمروحيات العسكرية، ومركز أبحاث عسكري، ومنظومة حيتس للدفاع الجويّ والصاروخي، وتبعد عن الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة 140 كلم، جنوبي مدينة “تل أبيب”، بصليةٍ من الصواريخ النوعيّة”، مؤكّـدةً أنها حقّقت أهدافها.
وردًّا على استهداف العاصمة بيروت والمجازر التي يرتكبها العدوّ الإسرائيلي بحق المدنيين، أكّـدت المقاومة في بيان، أنها استهدفت بعمليّة مركّبة، صباح الأحد، هدفًا عسكريًّا في مدينة “تل أبيب”، بصليةٍ من الصواريخ النوعيّة، وسربٍ من المُسيّرات الانقضاضية، وحقّقت العملية أهدافها.
وللمرّة الأولى، شنّت المقاومة، هجومًا جويًّا بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة، على قاعدة أسدود البحريّة، وتبعد عن الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة 150 كلم، وأصابت أهدافها بدقّة.
كما استهدفت ظهر الأحد، قاعدة غليلوت “مقر وحدة الاستخبارات العسكرية 8200، تبعد عن الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة 110 كلم، وتقع في ضواحي مدينة تل أبيب”، بصليةٍ من الصواريخ النوعية، وسبق هذه العمليات النوعية، استهداف المقاومة مغتصبات “حتسور هاجليليت، معالوت ترشيحا، كفار بلوم وكريات شمونة”، بصلياتٍ صاروخية متنوعة.
في سياق عمليات المقاومة التي ارتفع منسوبها، أشار الإعلاميُّ اللبناني خليل نصر الله، إلى أنه “يوم استثنائي، ولا زال مُستمرًّا، مؤكّـدًا أن “حزب الله يستبق مشاورات نتنياهو الأمنية، خُصُوصًا بعد زيارة قائد القيادة الأمريكية المركزية “كوريلا” بتكثيف النيران، كَمًّا ونوعًا وتنويعًا (مستوطنات، قواعد عسكرية، تجمعات، غرف عمليات، في كامل الشمال، وُصُـولًا إلى تل أبيب).
ولفت إلى جملة من الرسائل التي أراد حزب الله إيصالها، منها “القدرة متوفرة وعالية، وأن موقف لبنان قوي تفاوضيًّا ولا تراجع عن أي أمر يتعلق بالسيادة، كما يجب على حكومة نتنياهو احتساب التقديرات وتحديد توجّـهاتها في لبنان، وفق الوقائع لا الطموحات”.
مشدّدًا على أنها حملت رسالة من حزب الله مفادها “لدينا زمام المبادرة للذهاب بعيدًا، ومصرون على فرض معادلات تحديدًا بيروت مقابل تل أبيب، ومواصلة الحرب يعني مواصلة تصعيدنا كَمًّا ونوعًا”.
الموقفُ الميداني على الحافة الأمامية الجنوبية:
وفي سياق التصدّي لمحاولات العدوّ الصهيوني التوغل ضمن المناطق الحدودية جنوب لبنان، تخوضُ المقاومةُ الإسلامية مواجهاتٍ ملحميةً من مسافة قريبة، في 9 نقاط اشتباك منها نقطتان حدثت فيها اشتباكات مباشرة صاروخية ورشاشة من نقطة صفر، في منطقة “دير ميماس”، وآخر في “بلدة يارون”.
واشتبك رجالُ الله من مسافة قريبة، مع قوة إسرائيلية كانت تحاول التسلل عند الأطراف الغربية لبلدة “دير ميماس”، وأمطروها بالأسلحةِ الرشاشة والصاروخية، وأكّـد الإعلام الحربي وقوع قتلى وجرحى في صفوف القوات المتقدمة، وعمد العدوّ إلى سحب الإصابات من منطقة الاشتباك تحت غطاء ناري ودخاني كثيف.
واستهدف مجاهدو المُقاومة صباحَ الأحد، تجمعاتٍ لقوّات العدوّ شرقي “مدينة الخيام”، وفي “موقع المطلة”، أعقبه هجومٌ جويّ بسربٍ من المُسيّرات الانقضاضيّة، على غرفة عمليّات مُستحدثة للاحتلال في “مستوطنة المطلة”، وأصابت أهدافها بدقّة، معلنةً التصدي لطائرة مسيّرة إسرائيليّة من نوع “هرمز 450” في أجواء البقاع الغربي، بصاروخ أرض – جو، وأجبروها على المغادرة.
ورغم محاولات الاحتلال تحقيق أهدافه العسكرية غير أن جيشه يواجه تحديات تتعلق بنقص عدد الجنود، إضافة إلى صعوبات في البقاء طويلًا بالمناطق التي يتم التوغل فيها؛ كون البقاء جنوبي لبنان يتطلَّبُ منظومة عسكرية متكاملة وعددًا كَبيرًا من الجنود، وهو أمر يفتقر إليه جيشُ الاحتلال.
ويؤكّـد خبراء عسكريون أن الغارات الصهيونية المكثّـفة على الضاحية الجنوبية لبيروت تحملُ أهدافًا معنويةً؛ إذ تسعى “إسرائيل” إلى تدمير الحاضنة الشعبيّة لحزب الله وضرب نفسية سكان المنطقة، غير أن الاحتلال وصل إلى ذروة عملياته العسكرية في الجنوب اللبناني، واستمرار هذه العمليات دون تحقيق الأهداف المرجوة قد يؤدي إلى نتائجَ عكسية.
وأشاروا إلى أن الضغط العسكري والسياسي الحالي يهدف إلى إجبار حزب الله على تقديم تنازلات دبلوماسية، وهو ما لن تقبل به المقاومة؛ لأَنَّه يتعارض مع مفهومها؛ باعتبَارها حركة مقاومة للمحتلّ.
وبحسب الخبراء فقد اعتمدت المقاومة الإسلامية تكتيكات دفاعية وهجومية متكاملة وفعالة، نجحت من خلالها في احتواء هجمات العدوّ، وتكبيده خسائر، ومنعه من تحقيق أهدافه، كما لعب التنسيق بين الوحدات، واليقظة، والمعلومات الاستخبارية الفورية وحسن استثمارها في الوقت الحقيقي دورًا أَسَاسيًّا في نجاح هذه التكتيكات.
وخلال الساعات الـ24 الماضية، نجحت المقاومة في احتواء كُـلّ هجمات العدوّ ومنعه من تحقيق اختراقات كبيرة في المحاور الرئيسية، كما نجحت في تكبيد العدوّ خسائر في الأرواح والمعدات ليلًا ونهارًا، بما في ذلك تدمير دبابات وآليات وقتل جنود (اعترف العدوّ بقتيلين و14 إصابة)، ناهيك أن استخدام المسيرات الانقضاضية والضربات الصاروخية في العمق الاستراتيجي ولأهداف عسكرية حساسة ومؤثرة أضاف بُعدًا جديدًا للقتال “نفسي وإيذائي”.
وبعد سلسلة الضربات الصاروخية التي استهدفت “تل أبيب” ومحيطها، نشر حزب الله صورة عنوانها: “بيروت مقابل تل أبيب”، وبحسب خبراءَ فإن توقيت النشر يدلل على أن حزبَ الله أنهى رده على استهداف بيروت، وأن أية هجمات في العاصمة اللبنانية سيعاد الرد عليها في قلب “تل أبيب”.
الهاجس المؤرِّقُ لجيش العدو:
تشكِّلُ صواريخُ حزب الله قصيرة المدى هاجسًا مُستمرًّا لجيش الاحتلال الإسرائيلي؛ بسَببِ صعوبةِ القضاء عليها بشكلٍ كامل، وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد كشفت أن حزبَ الله يعتمدُ على صواريخ “ألماس” قصيرة المدى التي تعد نسخة مطورة عن صواريخ “سبايك” الإسرائيلية المضادة للدبابات، موضحةً أن الحزب صمم هذه الصواريخ لتكون أكثر دقة وكفاءة.
ويرى الخبراءُ من خلال تحليل للمشهد العسكري في جبهة لبنان أن هذه الصواريخ تمتاز بسهولة التنقل والعدد الكبير؛ ما يجعلُ من المستحيل على الاحتلال تتبعها أَو استهدافها بشكلٍ شامل؛ لأَنَّهُ يسعى إلى عزل مناطقَ معينة في جنوب لبنان، إذ يُعتقد أنها تحتوي على مخزون كبير من هذه الصواريخ.
كما أن العملياتِ العسكريةَ للعدو تتركز حَـاليًّا في مناطق مثل “وادي الحمول” غربًا و”وادي الحجير ووادي الصلوكي” شرقًا، والتي تعتبر نقاطًا حيوية في المواجهة، فالسيطرة على المرتفعات المحيطة بهذه المناطق تمثل جزءًا من استراتيجية جيش العدوّ، لكن القضاء على الصواريخ قصيرة المدى يظل تحديًا كَبيرًا.
إلى ذلك، اعترف جيش الاحتلال في أكثر من مناسبة أنهُ “يواجه صعوبة في تحقيق أهدافه مثل تأمين عودة المستوطنين ما دام حزب الله قادرًا على إطلاق هذه الصواريخ من جنوب الليطاني”.