رضوخُ حكام العرب وانبطاحُهم أمام إسرائيل.. إلى متى؟
شاهر أحمد عمير
مع مرور الأيّام، يتضح أكثر فأكثر التناقض بين مواقف الشعوب العربية ومواقف حكامها تجاه القضية الفلسطينية والجرائم الإسرائيلية؛ ففي الوقت الذي تظهر فيه بعض الدول الغربية مواقف تُظهر الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية والعدالة، نجد الحكام العرب غارقين في مستنقع التواطؤ والانبطاح أمام الكيان الصهيوني، غير آبهين بصوت شعوبهم أَو بجرائم الاحتلال.
على سبيل المثال، نرى هولندا تُعلن حظر تصدير الأسلحة لـ “إسرائيل”؛ بسَببِ إساءة جماهير المنتخب الإسرائيلي للنشيد الوطني الهولندي خلال مباراة رياضية، كما ترفض إسبانيا استقبال سفينة إسرائيلية على سواحلها، في موقف يهدف إلى تجنب دعم الإبادة الجماعية في غزة، بل إن دولًا غربية أعلنت استعدادها لاعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذَا دخل أراضيها، متهمةً إياه بارتكاب جرائم حرب.
ورغم أن هذه المواقف الغربية لا تُعتبر مواقف استراتيجية تُنهي الجرائم الإسرائيلية، إلا أنها تُظهر على الأقل احتراماً لمبادئ العدالة الإنسانية، وتُحرج الحكام العرب الذين فشلوا في اتِّخاذ أية خطوة مشابهة.
على الجانب الآخر، نرى الحكام العرب يُسارعون إلى تطبيع علاقاتهم مع “إسرائيل”، بل ويتسابقون لتقديم التنازلات، وكأنهم يخشون غضب الكيان أكثر من غضب شعوبهم، وصل الأمر ببعض الأنظمة العربية إلى التواطؤ العلني مع الاحتلال؛ فبدلًا من دعم المقاومة الفلسطينية أَو حتى الاكتفاء بالصمت، تقوم هذه الأنظمة بشن حملات تشويه للمقاومة، وتصفها بأنها “إرهاب” يهدّد الاستقرار الإقليمي.
وفي الوقت الذي تتعرض فيه غزة للقصف الوحشي، تنشغل بعض العواصم العربية بتنظيم مؤتمرات لتعزيز “التعاون الأمني” مع “إسرائيل”، ضاربةً بعرض الحائط كُـلّ قيم الأخوة والعروبة، لقد أصبح واضحًا أن هذه الأنظمة لا ترى في فلسطين قضية مركزية، بل تعتبرها عبئًا سياسيًّا تسعى للتخلص منه بأي ثمن.
في المقابل، تظل الشعوب العربية على عهدها مع فلسطين؛ ففي كُـلّ مناسبة، تثبت الجماهير العربية أنها ترفض التطبيع وتدين الخيانة، وأنها تقف مع المقاومة بوصفها الخيار الوحيد لاستعادة الحقوق المسلوبة، من المحيط إلى الخليج، تُرفع الأعلام الفلسطينية في المظاهرات، وتُسمع الهتافات المندّدة بالاحتلال.
إن هذا التناقض الصارخ يجعلنا نطرح سؤالًا أَسَاسيًا: هل هؤلاء الحكام يمثلون شعوبهم حقًا؟ الجواب واضح لكل متابع منصف، وهو أن هذه الأنظمة قد انفصلت تمامًا عن هوية الأُمَّــة وقيمها، لقد انسلخوا عن الإسلام، والعروبة، والإنسانية، وأصبحوا أدوات لتنفيذ أجندات غربية وصهيونية، على حساب قضايا الأُمَّــة وكرامة شعوبهم.
إن “إسرائيل”، كما قال أحد المفكرين، هي “ظل الأنظمة العربية”، فإذا زالت هذه الأنظمة التي تحمي “إسرائيل” وتحتمي بها، زال هذا الظل، الكيان الصهيوني لا يزدهر إلا في وجود أنظمة خانعة، تخلت عن مبادئ العزة والكرامة، وتنكرت لمسؤولياتها تجاه القضية المركزية للعرب والمسلمين.
يبقى الأمل معقودًا على الشعوب التي أثبتت في كُـلّ محطة أنها على العهد مع فلسطين، وأنها ترفض هذا الخنوع والرضوخ، لقد حان الوقت لأن تستعيد الأُمَّــة إرادتها، وتعمل على إزالة هذه الأنظمة التي أصبحت عبئًا على حاضرها ومستقبلها؛ فالمعركة ليست فقط مع “إسرائيل”، بل مع كُـلّ من يُقدسها ويمنحها الشرعية على حساب دماء الأبرياء وآلام الشعوب.
إن الأُمَّــة العربية والإسلامية أمام مفترق طرق؛ فإما أن تستعيد شعوبها زمام المبادرة، وتعمل على التخلص من الأنظمة الخانعة التي تُعيق تحرّرها، أَو تستمر في حالة التراجع والانقسام، تاركة المجال للكيان الصهيوني ليُحقّق أطماعه.
لكن التاريخ علمنا أن الشعوب لا تموت، وأن الظلم مهما طال لا يدوم، وكما اندثرت أنظمة خائنة في الماضي، فَــإنَّ هذه الأنظمة الحالية لن تبقى، وسيأتي اليوم الذي تستعيد فيه الأُمَّــة عزتها وكرامتها، وتُحرّر فلسطين وكلّ أرض محتلّة.
إن المعركة ليست فقط مع الكيان الصهيوني، بل مع كُـلّ من يُقدس وجوده ويعمل على حمايته؛ فالحكام العرب الذين باعوا شرفهم وقيمهم لا يمثلون شعوبهم، ولن يستطيعوا أن يطفئوا جذوة الأمل في قلوب الأحرار.