السيدُ عبدالملك الحوثي في خطاب حول آخر التطوُّرات والمستجدَّات: ما بعد هذا الانتصار لحزب الله تتعاظم المسؤولية على أمتنا الإسلامية لنصرة غزة
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أصحابهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:47] صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم.
(وَلَّى زَمَنُ الهَزَائِم، وَجَاء زَمَنُ الانتصارات)، جُملةٌ هتف بها (شهيد الإسلام والإنسانية) السَّيِّد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، متوجًا بها انتصارًا إلهيًّا تاريخيًّا، في مرحلةٍ مهمةٍ جِـدًّا، وقالها من منطلق الثقة بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أولًا، ومن منطلق الوعي بالسنن الإلهية، في أسباب النصر وأسباب الهزيمة.
عندما نشأت في لبنان أُمَّـةٌ مجاهدةٌ مؤمنة، تأخذ بأسباب النصر، تحقّق الوعد الإلهي، الذي وعد الله به عباده المؤمنين، والله لا يخلف وعده، وَمَنَّ الله آنذاك بالانتصار العظيم، لتتحقّق الانتصارات، فكان انتصار 2000، وبعده انتصار 2006، والآن منَّ الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بانتصار تاريخيٍّ عظيمٍ ومهمٍ جِـدًّا على العدوّ الإسرائيلي مباشرةً، ليضاف هذا الانتصار الذي منَّ الله به، إلى ذلك السجل من الانتصارات الكبرى، والتاريخية، والمهمة.
هذا الانتصار الذي منَّ الله به في هذه المرحلة الحساسة والمهمة، في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، عندما شن عدوانًا غير مسبوق على لبنان، واستهدف حزب الله استهدافًا غير مسبوق، باستهداف القيادات، والمنشآت، والكوادر… وغير ذلك، استهدافًا مدعومًا دعمًا أمريكيًا كَبيرًا جِـدًّا؛ ولــذلك يعتبر الأميركي شريكٌ في خيبة الأمل، كما كان شريكًا في العدوان والإجرام، بكل ما قدَّمه من دعمٍ كبير للعدو الإسرائيلي في عدوانه على لبنان، النصر الذي تحقّق هو من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ثمرةً لجهود أُولئك الرجال المؤمنين، الثابتين، وذلك المجتمع، وتلك الحاضنة الشعبيّة، أُولئك الذين صبروا جميعًا، والصبر من أهم أسباب النصر، عندما يكون في إطار الموقف، والعمل، والتضحية، وتوكلوا على الله، ووثقوا به، واحتسبوا شهداءهم عند الله، {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}[آل عمران:146].
كان العدوّ الإسرائيلي يراهن على ما قد ألحقه بحزب الله، من ضربات موجعة ومؤلمة، واستهداف للقادة، وعلى رأسهم سماحة الأمين العام لحزب الله، الشهيد السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، كان العدوّ الإسرائيلي يراهن أنه بذلك قد هيأ الأرضية اللازمة لإلحاق هزيمةٍ كاملةٍ بحزب الله؛ ولـذلك كانت الأهداف التي أعلنها العدوّ الإسرائيلي لعدوانه على لبنان مرتفعة السقف، تُمَثِّل طموحاته، والأماني التي يتمناها ضد حزب الله، فهو يريد أن يُدمّـر حزب الله بشكلٍ كامل، وأن يَنْزِعَ سلاحه، وألَّا يبقى للمقاومة الإسلامية أي وجود في لبنان، وألَّا يبقى للجهاد أي راية، فأراد أن يحسم الوضع على مستوى لبنان، وأن يفرض تغييرًا سياسيًّا، من خلال الحملة التي أطلقها الأمريكي؛ لأن الأمريكي معه جنبًا إلى جنب، في العدوان على لبنان، ويفرض متغيرات تكون كلها لخدمة العدوّ الإسرائيلي، وليس فقط على مستوى لبنان، بل كما تكرّر في كلام [المجرم نتنياهو]: التغيير للوضع على مستوى ما يُعَبِّرون عنه بـ[الشرق الأوسط] بشكلٍ كامل؛ لأنهم يعتبرون جبهة حزب الله في لبنان أنها جبهة ذات أهميّة كبيرة جِـدًّا، على مستوى واقع الأُمَّــة بكلها، فهي سدٌ منيع في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، وتجاه مؤامراته التي تستهدف الأُمَّــة، كُـلّ الأُمَّــة، كُـلّ شعوب هذه المنطقة بأجمعها، ما يُعَبِّرون عنه بـ[الشرق الأوسط].
فعندما نتأمل ما حصل، وهو يعتبر بالفعل نعمة من الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في فشل العدوّ الإسرائيلي، وخيبة آماله، والمعيار لهذا الانتصار يتجلى بالنظر إلى ثلاثة أشياء:
- بالنظر أولًا إلى الأهداف المعلنة، التي عبَّر عنها العدوّ الإسرائيلي؛ باعتبَارها طموحاته وآماله التي يسعى إلى تحقيقها:
فهو كان يريد أن يتخلص من حزب الله، كجبهة مواجهة مجاهدة في لبنان، فيريد أن يغيِّر الوضع تمامًا، فلا يبقى هناك قدرات عسكرية لحزب الله، ولا يبقى وجود مجاهد ومقاوم لحزب الله في لبنان، يتحول الوضع بالنسبة لحزب الله إلى حالة سياسية، تترك هذا المسار الجهادي، وتتخلى عن راية الجهاد، وعن الموقف، تتحول إلى حالة مستضعفة في داخل لبنان، وهو ما كان يتمناه العدوّ الإسرائيلي ويسعى له، إضافة إلى ذلك -كما قلنا- تغيير الوضع السياسي في لبنان، من خلال الحملة الأمريكية، لإثارة الفتنة الداخلية، والضغط على القوى اللبنانية، وفرض متغيرات لخدمة العدوّ الإسرائيلي.
ولكن العدوّ الإسرائيلي فشل، قدرات حزب الله موجودة، ويشهد لذلك الأحد، اللاهب، الذي أمطر فيه حزب الله بالصواريخ وبالطائرات المسيَّرة يافا المحتلّة، التي يسميها العدوّ بـ[تل أبيب]، استهدف بها مقرات، ومواقع مهمة، وقواعد عسكرية ذات أهميّة كبيرة للعدو الإسرائيلي، فحزب الله على مستوى القدرات تجلَّى في عملياته اليومية، وفي يوم الأحد، على وجه الخصوص، أنه لا يزال في وضعٍ قوي ومتماسك، وأن قدراته لا تزال بمستوى كبير، وهذا ما اعترف به الكثير من الصهاينة.
- ويتجلى أَيْـضًا انتصار حزب الله، بالنكاية الكبيرة التي ألحقها بالعدوّ الإسرائيلي:
وهذا واضحٌ في خسائر العدوّ الإسرائيلي، في ضباطه وجنوده من القتلى والجرحى، وما دمّـر عليه أَيْـضًا من آلياته العسكرية، والتأثير على المستوى المعنوي في الجيش الإسرائيلي، والفشل المتكرّر في عملياته، التي أراد بها التوغل، ولم ينجح في كثيرٍ من المسارات، حقّق تقدمًا محدودًا في بعض المسارات، لكنه فشل بشكل متكرّر عن التقدم في مسارات أُخرى، وإلى أهداف كان يسعى للوصول إليها في الميدان، أهداف عملية.
فالنكاية الكبيرة التي لحقت بالعصابات الإجرامية التي تُسَمَّى بـ[الجيش الإسرائيلي]، من قتلى، وجرحى، وتدمير آلياتٍ عليه، وفشل متكرّر في الميدان، وكذلك ما لحق به من خسائر في قواعد عسكرية، في مغتصبات مما يسمى بـ[المستوطنات]، والدمار كبير، بالآلاف من المنازل والمنشآت، بالرغم مما كان يحرص عليه الإسرائيلي من التكتم الإعلامي، والتغطية على ما يحدث؛ حتى لا يظهر حجم خسائره، لكن أصبح الآن هناك في بعض الصحف الإسرائيلية، وبعض المواقع الإعلامية الإسرائيلية، حديث عن أرقام بالآلاف من الخسائر، والتأثير على وضعه الاقتصادي، والكلفة الاقتصادية الكبيرة؛ لأن الشلل الذي أصاب مصانع العدوّ الإسرائيلي، في شمال فلسطين المحتلّة، أثَّر على الوضع الاقتصادي للعدو، حجم المواجهة الساخنة جِـدًّا مع الجبهة اللبنانية، زاد من التأثيرات الكبيرة على وضعه الاقتصادي، المتأثر والمتضرر جِـدًّا بفعل عدوانه المُستمرّ على غزة.
وهكذا كان للنكاية بالعدوّ، والتأثير عليه بذلك، تأثير كبير في تحقيق هذا الانتصار المهم، فالعدوّ يرى الكلفة كبيرة، ويرى أن الوصول إلى الأهداف التي أعلنها، وكان يطمح لتحقيقها، أصبح متعذرًا، وصل العدوّ إلى حالة يأس من القضاء على حزب الله، وهناك تصريحات للصهاينة تُعبِّر عن هذا اليأس. هذا من جانبٍ.
- من جانبٍ آخر أَيْـضًا، بالنظر إلى الصمود والتماسك العظيم في الجبهة الداخلية اللبنانية:
وهذا مما لم يكن يتوقعه الأعداء، كانوا يعتبرون الوضع الداخلي في لبنان هشًا ومأزومًا على المستوى السياسي، ويتصورون أن ذلك سيساعد على إثارة فوضى عارمة في كُـلّ لبنان، وكذلك مدى الاستهداف الكبير من قِبَلِ العدوّ الإسرائيلي للحاضنة الشعبيّة لحزب الله، بالتدمير الكامل للقرى ونسفها، كانوا يتصوَّرون أنَّه سيؤثِّر على البيئة الحاضنة بنفسها من جهة، وَأَيْـضًا على مستوى الوضع اللبناني من جهة؛ نتيجةً لما كان سابقًا هناك من أزمات سياسية.
على كُـلّ، يعتبر تبرير المجرم [نتنياهو] للاتّفاق الذي تم، شاهدًا على حجم النكاية بالعدوّ الإسرائيلي؛ لأنه تحدَّث عمَّا يعانيه ما يسميه بـ[الجيش الإسرائيلي]، وحاجته إلى الترميم، كذلك تحدَّث عن مستوى الخسائر والكلفة الكبيرة، بالرغم من الدعم الأمريكي والدعم الغربي الهائل جِـدًّا، لكن هناك خسائر فعلًا للعدو الإسرائيلي.
وعندما نتأمل في هذا النصر المهم جِـدًّا ودلالاته، في مقدِّمتها هو: الدلالة الواضحة على إمْكَانية فشل العدوّ الإسرائيلي مهما حظي به من دعمٍ أمريكيٍّ وغربي؛ لأن الجبهة الإسرائيلية ضد أمتنا الإسلامية، وفي المقدِّمة العرب، باتت -كما يتضح ويتجلى- جبهةً غربية، أمريكا مشاركة فيها مشاركةً كبيرةً جِـدًّا، وأصبح ما يُلقَى على الفلسطينيين واللبنانيين، على الشعبين الفلسطيني واللبناني، من قنابل وصواريخ، قد يكون بكله من القنابل والصواريخ الأمريكية، على مدى كُـلّ هذه الفترة، كلها مما قدَّمه الأمريكي للإسرائيلي، إلى هذا المستوى، مما يقدِّمه الأمريكي، ومن الشراكة الأمريكية، هناك أَيْـضًا الدعم الكبير بالسلاح، بالقذائف، بالعتاد الحربي، من ألمانيا، من فرنسا، من بريطانيا، من هولندا… من دول أُورُوبية وغربية، فالعدوّ الإسرائيلي، بالرغم من الدعم الغربي الكبير، وما يمتلكه هو، لم يتمكّن من تحقيق أهدافه التي أعلنها، معنى ذلك: أنَّ بالإمْكَان أن تُلحَقَ به الهزيمة؛ لأن حالة اليأس عند بعض العرب أثَّرت على مواقفهم تجاه ما يحصل، بالرغم من الواجب الديني، والإنساني، والأخلاقي، والقومي… وبكل الاعتبارات، لكنهم يعانون من عقدة اليأس، وعقدة الإحباط، والشعور بالهزيمة، فهذا الانتصار يدل على أنَّ بالإمْكَان أن يفشل العدوّ، وأنَّ بالإمْكَان أن يُهْزَم، عندما تتوفر العناصر الأَسَاسية والمهمة لتحقيق النصر.
وأيضًا عندما نتأمل في مجريات ما حدث، وأهميّة هذا الانتصار، ماذا لو نجح العدوّ الإسرائيلي في عدوانه على لبنان، وتمكّن من الاجتياح للبنان، وتمكّنت فرقه العسكرية وحشوده العسكرية من الاجتياح للبنان؟ الكارثة لن تكون على لبنان لوحده، ستكون مأساة كبيرة جِـدًّا على لبنان بكلها، والشعب اللبناني بكله، ولكن العدوّ الإسرائيلي كان سيوظِّف ذلك النجاح على مستوى المنطقة بكلها، والوضع في المنطقة في معظم البلدان هش بكل ما تعنيه الكلمة، الأنظمة فيها أنظمة تعيش حالة اليأس، الهزيمة المسبقة، واقع الكثير، وشهد على ذلك مواقفهم تجاه ما يفعله العدوّ الإسرائيلي في فلسطين، المواقف الضعيفة، أَو التي تكاد تنعدم كموقف، تشهد على أنهم جاهزون للهزيمة ابتداءً، والعدوّ الإسرائيلي يطمع -فعلًا- يطمع أنه لو تخلَّص من لبنان وفلسطين، والقوى الحيَّة في الأُمَّــة، في المحور (محور الجهاد والمقاومة) التي تواجهه، فهو لا يحمل القلق وهاجس الصعوبات الكبيرة، والعوائق الكبيرة، والموانع الكبيرة فيما عدا ذلك، يعتبر البقية جاهزين، جاهزين للهزيمة والسيطرة، وأن يفرض عليهم ما يشاؤه ويريده مع الأمريكي؛ لأنها -كما قلنا- جبهة مشتركة (أمريكية، إسرائيلية، غربية)؛ ولـذلك فشل العدوّ هناك، هو انتصار للأُمَّـة بكلها، ويدفع عنها الكثير من المخاطر.
والعدوّ الإسرائيلي هو قلقٌ جِـدًّا من حزب الله في لبنان، ومن الجبهة اللبنانية؛ باعتبَارها جبهة قوية، فعَّالة، مباشرة، ألحقت به الهزائم تلو الهزائم، وحقّق الله على أيدي مجاهدي حزب الله الانتصارات الكبرى، وهي جبهة مباشرة، وقريبة، على الحدود مع فلسطين المحتلّة، وهذا يزعجه جِـدًّا، وإضافة إلى ذلك يزعجه النموذج؛ لأن هذا يشهد على أنَّه عندما تتحَرّك شعوب أمتنا الإسلامية، وتحمل التوجّـه الإيماني، والإرادَة الإيمانية، والبصيرة والوعي، وتأخذ بأسباب النصر؛ فإنَّه يمكنها أن تهزم أعداءها، وأن تكون في منعةٍ وعزةٍ، فيفشل الأعداء من مساعيهم العدوانية في السيطرة عليها؛ لأن المشروع الصهيوني هو: السيطرة على هذه المنطقة التي يسمونها بالشرق الأوسط، يُصرِّحون بذلك، يتكلَّمون بذلك، ويخططون لذلك، ويعملون على تحقيق ذلك، فهم يرون في هذا النموذج وفي نجاحه أنَّه يمثِّل عائقًا أمامهم، فهو حجّـة على بقية الشعوب، وهو مشجِّعٌ لبقية الشعوب، وهو يقدِّم من ثباته وانتصاره الدلالة الواضحة على أنَّه بالإمْكَان أن تنتصر هذه الشعوب وهذه البلدان على العدوّ، إضافة إلى أنه جبهة متقدِّمة، حال بين العدوّ وبين الامتداد بالمستوى الذي يريده إلى بقية البلدان، وهذه مسألة مهمة جِـدًّا.
يتجلى لنا ثمرة الصبر، وثمرة الجهود العملية، وثمرة الأخذ لأسباب النصر، من الاستعداد المسبق، من البناء المسبق، البناء الإيماني، المعنوي، الاستعداد العملي، هذا له ثمرته عندما تأتي الأحداث الكبيرة، والتحديات الكبيرة، والصعوبات الكبيرة؛ ولذلك مما أفاد حزب الله، وساعده على التماسك والصمود، بالرغم مما حدث له من معاناة؛ نتيجةً لاستهداف القادة، واستهداف الكوادر، وما لحق به من معاناة وأضرار من جهة الاستهداف المكثّـف، الذي استهدفه به العدوّ، والإطباق الجوي والاستخباراتي… وغير ذلك، لكن مما ساعده على التماسك في ظروف كهذه، من أقسى الظروف، ومن أقسى المراحل، هو: الاستعداد المسبق، استعداد وبناء إيماني تربوي، تأهيل، تدريب، تنظيم، تجهيز، استعداد، توفير للسلاح، توفير للمؤونات اللازمة، هذا الاستعداد المسبق في شقيه: المعنوي، والمادي والعملي، كان له ثمرة ونتيجة ساعدت على الصمود والتماسك، وكانت أَيْـضًا سببًا للرعاية الإلهية؛ لأن الله مع الصابرين، والصابرين الذين هم في إطار عمل وموقف، صبروا في كُـلّ مراحل الصبر، صبر أثناء العمل، لما يلزم من إعداد، وتجهيز، واستعداد، صبر في التدريب، في تجهيز المنشآت، في البناء، في الدورات، في التأهيل، في الأخذ بالأسباب العملية اللازمة.
الأمريكي يحاول أن يقلل من حجم هذا الانتصار لحزب الله، في أساليبه المتنوعة، التي يشتغل فيها لاحتواء الوضع السياسي، وقد حاول أثناء التصعيد (في ذروة التصعيد) أن يوظِّف الحالة التي تحصل، والهمجية الإسرائيلية في العدوان على لبنان، على أمل أن يكون هناك اهتزاز كبير في الساحة الداخلية اللبنانية؛ ليستغلها، لكنه فشل، ولا يزال يعيد الكرة من جديد.
العدوّ الإسرائيلي أَيْـضًا يطلق تصريحات عنترية، يحاول أن يتحدث بلغة المنتصر، ولكنه فاشل، وفشله واضح، وهذا واضح في تصريحات بعض العسكريين المجرمين و[نتنياهو] المجرم.
الجولة هذه لا تعني نهاية الصراع، ولا نهاية الخطر الإسرائيلي على لبنان، وليس هناك أي ضمانة لحماية لبنان مستقبلًا، إلَّا مجاهدوها، وأهميّة المعادلة الثلاثية: (الجيش، والشعب، والمقاومة)، وإلَّا فالخطر الإسرائيلي متربص، وبكل حقد، وبكل طمع، ووفق الرؤية الاستراتيجية للعدو، التي تجعل لبنان بكله جزءًا من مناطق السيطرة التي يسعى الإسرائيلي للسيطرة عليها.
الأمريكي يحرِّض باستمرار ضد حزب الله، ومن المتوقع أن يكثر من التحريض في هذه المرحلة، وأن يُشغِّل كُـلّ أبواقه، التي كانت من الماضي معاديةً لحزب الله، ومواليةً لإسرائيل، وكانت في مراحل معينة جزءًا من امتداد العملاء الموالين للعدو الإسرائيلي.
ما بعد انتصار لبنان -الذي نوجِّه التهاني والمباركة فيه لحزب الله قيادةً ومجاهدين، لكل المنتسبين لحزب الله، ولكل الحاضنة الشعبيّة لحزب الله، وجمهور المقاومة بكله، وللشعب اللبناني بكله، وللبنان رسميًّا وشعبيًّا، ونسأل الله أن يُتِمَّ لهم هذا النصر، وأن يقيهم شر العدوّ الإسرائيلي- ما بعد هذا الانتصار تتعاظم المسؤولية على أمتنا الإسلامية لنصرة غزة، إذَا كان لدى البعض تصور أنه ليس بالإمْكَان إفشال العدوّ الإسرائيلي؛ فهذا الانتصار التاريخي شاهدٌ من الواقع، على أنه بالإمْكَان أن يتمَّ إفشال العدوّ الإسرائيلي بالاستعانة بالله، وبالأخذ بالأسباب العملية.
الشيء المؤسف في واقع المسلمين في معظم الأنظمة، لدى العرب ولدى غيرهم من الأُمَّــة الإسلامية: أنه لم يتم اتِّخاذ الحد الأدنى من المواقف العملية، معظمهم اكتفوا بإصدار البيانات، حتى في قممهم الكبيرة والضخمة، التي جعلوا منها مُجَـرّد منتديات لإلقاء كلمات بدون أية مواقف عملية، وإصدار بيانات بدون أية مواقف وإجراءات عملية، ولو على المستوى السياسي، على المستوى الاقتصادي، ولو بمستوى ما تفعله بعض الدول غير المسلمة، أكثر الدول العربية لم ترق في موقفها إلى مستوى موقف كولومبيا، أَو فنزويلا، أَو دول أُخرى من البلدان تلك، التي اتَّخذت مواقف استجابة للضمير الإنساني، لا بُـدَّ أن يكون هناك عمل جاد لنصرة الشعب الفلسطيني.
على مستوى المحور: من المهم البناء على ما قد حقّقته الجبهة اللبنانية، والتوجّـه للتصعيد أكثر، ولاسيَّما من جبهتي (العراق، واليمن)، الجبهة اللبنانية في مرحلة الإسناد، وفي مرحلة مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان، حقّقت نتائج مهمة في النكاية بالعدوّ الإسرائيلي، وألحقت به الخسائر الكبيرة، أصبح جيشه -كما هو واضح- في مستوى واضح وجلي من الإنهاك، وكذلك الواقع الإسرائيلي بشكلٍ عام، فما قد تحقّق من الجبهة اللبنانية ينبغي البناء عليه بجهدٍ أكبر من ذي قبل.
جبهة العراق: جبهة العراق جبهة قوية ومهمة، وتمتلك مقومات تساعدها على أن تكون فاعلةً -بإذن الله تعالى- أكثر في مواجهة العدوّ الإسرائيلي، والعدوّ الإسرائيلي يخشى تلك الجبهة، ويدرك أنها تمتلك مقومات يمكن أن ترتقي بأدائها وفاعليتها إلى مستوى أكثر، والأمريكي يحاول بشكلٍ مباشر، وعبر البعض من الدول العربية، من الأنظمة العربية، والبعض من الدول الأُخرى، أن يمارس الضغوط السياسية لإضعاف الموقف في الجبهة العراقية، أَو الحدِّ منه، أَو تقزيمه، ويحاول أن يستفيد من بعض القوى في العراق في هذا الضغط، لتحقيق هذا الهدف لخدمة العدوّ الإسرائيلي.
العدوّ الإسرائيلي أَيْـضًا يحاول أن يقدِّم من جانبه بعض التهديدات، التي يحاول بها الضغط على المستوى الرسمي في العراق، لكن الظروف الراهنة ظروف مهمة للغاية، وحسَّاسة جِـدًّا، المعاناة التي يعانيها الشعب الفلسطيني في غزة معاناة كبيرة للغاية للغاية؛ ولــذلك ينبغي أن يكون التوجّـه هو مضاعفة الجهد.
جبهة الإسناد في اليمن: نسعى -بإذن الله تعالى- إلى فعل أقصى ما نستطيعه، وآمُل من كُـلّ الإخوة المجاهدين في الجيش، في القوة الصاروخية، في الطيران المسيَّر، في القوات الجوية… في كُـلّ التشكيلات، على المستوى الشعبي، الكل أن ندرك أن مسؤوليتنا أن نسعى ونبذل الجهد، ونستعين بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ليساعدنا ويعيننا على فعل ما هو أقوى، وأكثر، وأكبر في التصعيد ضد العدوّ الإسرائيلي، ولنصرة الشعب الفلسطيني في غزة.
قيام المحور (محور الجهاد والمقاومة) بواجبه، لا يعني إعفاء بقية الأُمَّــة من المسؤولية، ومن اللوم على التفريط في هذه المسؤولية، يجب على الجميع أن يتحَرّكوا بشكلٍ جاد، ويجب التذكير المُستمرّ بهذه المسؤولية، وعلى كُـلّ أن يسهم في ذلك، يجب على المستوى الإعلامي في الجبهة الإعلامية، في الجبهة الثقافية، أن يسهم الجميع في التذكير بهذه المسؤولية، أن يستمر النداء لأبناء الأُمَّــة لينهضوا، ليلتفتوا إلى ما يعانيه الشعب الفلسطيني، إلى مظلوميته التي لا مثيل لها، إلى مأساته الكبيرة؛ لأن الإهمال، والتغافل، والتجاهل، والتنصل عن المسؤولية، يعتبر مساهمةً مع العدوّ الإسرائيلي، فيما يفعله هناك من إبادة جماعية، ويرتكبه من جرائم فظيعة جِـدًّا، ضد الشعب الفلسطيني في غزة وسائر فلسطين، في غزة بالدرجة الأولى.
للأسبوع الستين، وعدوان الإبادة الجماعية مُستمرّ من العدوّ الصهيوني على الشعب الفلسطيني، جرائمه الفظيعة التي يرتكبها في شمال غزة صنعت مأساةً تفوق الوصف والتعبير، والمشاهد (مشاهد الفيديو) التي تنقلها القنوات والفضائية تُعبِّر عنها أكثر من الكلمات، التدمير الشامل، والنسف الكلي للأحياء السكنية على رؤوس ساكنيها، والتجريف، وإهلاك الحرث والنسل، والتدمير للمدارس على رؤوس النازحين، والتجويع الشديد، لليوم الخامس والخمسين في شمال قطاع غزة، والمجاعة تعمُّ قطاع غزة، لا يدخل من الاحتياجات الضرورية إلى قطاع غزة ما يلبِّي حاجة 6 % من السكان، هذه جريمة كبيرة جِـدًّا، وهذا أَيْـضًا تفريطٌ رهيبٌ جِـدًّا من المسلمين، ومن العرب، ومن البلدان المجاورة لفلسطين، معاناة مع البرد القارس، والأمطار، وانعدام الغذاء والدواء، معاناة شاملة في كُـلّ قطاع غزة، يجب التحَرّك الجاد من الحكومات والشعوب، ووفق إجراءات عملية، وليس فقط إصدار بيانات وتصريحات.
العواقب خطيرة؛ لأن هذا -كما قلنا- هذا التجاهل، والتغافل، والتنصل عن المسؤولية، هو إسهام، يشجِّع العدوّ الإسرائيلي على الاستمرار بفعل ما هو أسوأ، وأكبر، وأفظع، وأن يواصل ما فعله في شمال القطاع إلى وسط القطاع، وإلى جنوب القطاع، وهذه قضية خطيرة للغاية، هناك من الأنظمة العربية بعد السابع من أُكتوبر من شجَّع الأمريكي والإسرائيلي على فعل ما يفعلون، وحرَّض ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهذا جرم كبير جِـدًّا، ولكن من الجرم الاستمرار في التجاهل، والتنصل عن المسؤولية، بالرغم من كُـلّ ما يحصل.
قرار الجنائية الدولية في المذكرة التي أصدرتها جاء متأخرًا جِـدًّا، يعني: على مستوى هذه الجولة، وإلَّا فالكيان الصهيوني، والعصابات الإجرامية الصهيونية، هي مجرمة منذ يومها الأول، وتوافدت وقَدمت إلى فلسطين للعدوان، والإجرام، والاحتلال، والقتل، وارتكاب الجرائم الفظيعة، والإبادة الجماعية، ولكن حتى في هذه الجولة (من بعد السابع من أُكتوبر)، جولة في العدوان والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، كان يفترض أن يصدر هذا القرار، وأن تصدر تلك المذكرة بعد أول جريمة للإبادة الجماعية الكبيرة، في المستشفى الأهلي في قطاع غزة، الذي يسمى بـ (المستشفى المعمداني)، من تلك الجريمة، كانت كافية هي لإصدار مذكرة، جريمة رهيبة جِـدًّا، ونتج عنها استشهاد المئات من المدنيين، من الأطفال والنساء وغيرهم، كبار وصغار، جاء متأخرًا، ولكن الأسوأ أنه جمع بين الضحية والجلاد، وساوى بين الجلاد والضحية.
المذكرة أَيْـضًا أضافت القائد المجاهد الشجاع/ محمد الضيف، محمد الضيف أضافته، وهو يقف في الموقف الحق، هو يتحَرّك بالشرعية الدينية، والإيمانية، والإنسانية، والقانونية، يواجه الاحتلال ضد بلده، ووطنه، وشعبه، وأمته، ويتحَرّك كمجاهد في سبيل الله، فهذا من الاعوجاج الذي في تلك المؤسّسات، أصدرت هذه المذكرة؛ لأنها لو لم تصدرها حتى مع كُـلّ ما قد حصل، لكان ذلك فضيحةً دائمةً وأبديةً لها.
أيضًا ينبغي معاقبة البقية من المجرمين في الكيان المجرم، فيما يسمى الآن بـ[الحكومة الإسرائيلية]، فيها مجرمون من أسوأ المجرمين: [بن غفير]، وما يسمى بوزير المالية… وغيره، ممن يتبنون جرائم الإبادة الجماعية، وكل الجرائم التي يرتكبها العدوّ الإسرائيلي، ويأمرون بها، ويوجِّهون لها، ويدعمونها، ويتحَرّكون فيها… إلى غير ذلك، فيما يسمى بالجيش الإسرائيلي في تلك العصابات مجرمون، كلهم مجرمون، وفيهم مجرمون واضحون.
بعد المذكرة التي صدرت، هناك اختبار للدول الأُورُوبية والغربية: هل ستنفِّذ تلك المذكرة؟! وكذلك اختبار مهم فيما يتعلق بنقطة مهمة، وهو: دعم أُولئك المجرمين بالسلاح، [نتنياهو] مجرم، ومرتكب لجرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة جماعية، لكن ما هي الوسيلة؟ هي السلاح الذي استلمه من الأمريكي، ومن الألماني، ومن الفرنسي، ومن الإيطالي، ومن الهولندي، من تلك البلدان، هم الذين يسلِّمون له ويعطونه ويزودونه بوسائل الجريمة نفسها، جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية؛ ولــذلك ينبغي أن يكون هناك ضغط، لإيقاف تسليحه وتزويده بالسلاح الذي يرتكب به الجريمة.
أمَّا التعليق الأمريكي والإسرائيلي، فهو زيادة في الوقاحة، والسخافة، والاستهجان، تجاه تلك المذكرة، كُـلّ الجمل التي أطلقوها هي تعبِّر عن الوقاحة.
فيما يتعلَّق بالصمود الفلسطيني: بالرغم من حجم العدوان، والحصار، والمعاناة الكبيرة، هو درسٌ عظيمٌ لكل المسلمين. في هذا الأسبوع:
- نفَّذت كتائب القسامما يقارب (ثلاثًا وثلاثين عملية)، في ظل ظروف صعبة جِـدًّا، في ظل وضعٍ صعبٍ للغاية، وعمليات متنوعة للتنكيل بالعدوّ الإسرائيلي: ما بين كمائن، ما بين عبوات ناسفة، ما بين قنص، ما بين قذائف الهاون.
- وكذلك سرايا القدس، التي نفَّذت (أربعَ عشرة عملية)، من بينها: قصف صاروخي ضد العدوّ الإسرائيلي.
عمل متنوع في أصعب الظروف، في مقابل خذلان من أبسط المواقف، يعني: الدول العربية، الأنظمة العربية لا تتبنى حتى أبسط المواقف في المقاطعة للعدو الإسرائيلي؛ ولـذلك على الجميع أن يكونوا خجلين تجاه ما يقدِّمه الشعب الفلسطيني، في مقابل ما يقدمونه هم، ما الذي يقدِّمون؟!
لم يحدث في الواقع العربي صمود في أي بلدٍ عربي، مثل ذلك الصمود الفلسطيني في قطاع غزة، في مقابل ذلك المستوى من العدوان والخذلان، وفي مستوى تلك الظروف؛ ولــذلك المسؤولية كبيرة، على الجميع أن يتحَرّكوا.
فيما يتعلَّق بجبهة الإسناد من يمن الإيمان والحكمة والجهاد: فهي جبهة مُستمرّة، وبتوفيق الله تعالى، وبمعونته، وبنصره، فهناك سيطرة تامة في منع الملاحة الإسرائيلية من البحر الأحمر، يعني: في هذه الفترة لم يعد هناك أي تحَرّك، لم يعد خلال هذه الأيّام التي مضت هناك أي تحَرّك، من خلال السفن التي تتبع حتى بلدانًا أُخرى، لكن تحمل بضائع للعدو الإسرائيلي، هذا فيما يتعلَّق بهذه الأيّام، فالسيطرة في مسألة منع الملاحة البحرية على العدوّ الإسرائيلي في البحر الأحمر، والبحر العربي، بلغت 100 %، وأصبح العدوّ يتعامل بيأس؛ ولــذلك حَوَّل مسار ملاحته بالكامل، وهذا كلَّفه اقتصاديًّا، وهناك تأثيرات واضحة على الوضع الاقتصادي الإسرائيلي، نتيجةً لهذا العمل القوي جِـدًّا لجبهة اليمن، في منع الملاحة البحرية الإسرائيلية من باب المندب، ولولا الإمدَاد العربي -وللأسف الشديد- والجسر البري العربي، الذي يزوِّد العدوّ الإسرائيلي بالبضائع؛ لكانت الكلفة على العدوّ الإسرائيلي أكثر بكثير.
العمليات من جبهة اليمن، المساندة للشعب الفلسطيني، بالقصف بالصواريخ والمسيَّرات على العدوّ الإسرائيلي، مُستمرّة، وفي هذا الأسبوع كان هناك عمليات بالقصف إلى عسقلان، واستهداف للقاعدة الجوية العسكرية الإسرائيلية في النقب، قاعدة [نيفاتيم]، وكذلك إلى أم الرشراش.
عملياتنا مُستمرّة، ونسعى دومًا إلى التطوير أكثر؛ لفعل ما هو أقوى. لسنا راضين ولا مكتفين بما نفعله حَـاليًّا، مع أنه المستطاع والممكن، فليس هناك سقف لا سياسي، ولا لأية اعتبارات أُخرى، يَحُدّ أَو يُؤثِّر على مستوى ما نفعل، ولكن هي الإمْكَانات، هي بعد المسافة، هذه العوامل المؤثرة، ولكننا نسعى بشكلٍ مُستمرّ لفعل ما هو أقوى، وما هو أعظم، وما نفعله حَـاليًّا له تأثيره، تأثيره على العدوّ الإسرائيلي، وتأثيره على شركائه: على الأمريكي الذي شن على بلدنا عدوانًا عسكريًّا، ونحن على مقربةٍ من اكتمال عام، لذلك العدوان الذي إسناد للعدو الإسرائيلي، إسناد للعدو الإسرائيلي، بشراكة مع البريطاني، هو أَيْـضًا تأثر، الأمريكي تأثر نتيجة لذلك، ولذلك يسعى الأمريكي بكل جهده إلى التأثير على موقف اليمن، وإلى إيقاف هذه العمليات، لا سِـيَّـما في البحر، ويحاول أن يضغط لإيقافها، واستخدم وسائل كثيرة:
- تحَرّك على المستوى العسكري، وفي عدوانه أتى بحاملات الطائرات، التي يُرهِب بها الدول الأُخرى، ويرهب بها مناوئيه وخصومه على المستوى الدولي، أتى بها لِيُرْهِب بلدنا، فكانت النتيجة معاكسة لذلك تمامًا، واستهدفت حاملة الطائرات، فيما لا يجرؤ أي طرف آخر على مثله وفعله، وهربت حاملة الطائرات [أيزنهاور] من البحر الأحمر، ثم هربت حاملة الطائرات [إبراهام لينكولين] من بحر العرب، وهربت حاملة طائرات أُخرى ثالثة أَيْـضًا، كانت أتت وغادرت، وهكذا خرجت عن معادلة الضغط، ولأول مرة في تاريخ البحرية الأمريكية، منذ أن استخدمت حاملة الطائرات كسلاح، يمثل سلاح ردع، وسلاحًا فعَّالًا جِـدًّا في الاستهداف للآخرين، أَو الضغط للآخرين.
في بعض الحالات لا تحتاج أمريكا إلى أن تخوض حربًا، أَو مواجهةً مباشرة مع بعض الأطراف؛ لأن مُجَـرّد تحَرّك حاملة الطائرات إلى بحرٍ قريبٍ من بعض الدول يكفي في أن تخاف تلك الدولة، وأن تتخذ قرارات وفق الإملاءات الأمريكية.
- استخدمت أمريكا أَيْـضًا في ضغطها على بلدنا على المستوى العسكري طائرات الشبح، التي هي آخر ما لدى أمريكا في الطيران الحربي، وأتت بها من أمريكا؛ لتنفيذ عمليات قصف في بلدنا، ولكن دون جدوى، هذا لم يرهبنا، ولم يؤثِّر نهائيًّا على موقفنا.
- أتتبطائرات هي قاذفات القنابل، من أحدث ما بحوزتها، الـ (B52)، ولا زالت متواجدة في بعض البلدان العربية، نفَّذت بها عمليات قصف، وكذلك لم يؤثِّر هذا على موقفنا نهائيًّا، ولا على توجّـهنا، ولا على قرارنا.
- نفذت (ثمانمِئة وأربعًا وأربعين غارة وقصفًا بحريًا)، دون أي جدوى، ودون أي تأثير على موقفنا وتوجّـهنا.
- يقوم الأمريكيمع شركائه الآخرين بتنفيذ عمليات رصد دائمة جوية في الليل والنهار، بالأقمار الصناعية، وطائرات التجسس، وطائرات المسح الإلكتروني، ومع ذلك كله لم يتمكّن من إيقاف عملياتنا العسكرية.
- يحرِّك الجبهة الإعلامية من أبواقه والموالين له، تحت مظلة التحالف وغيره، ليلَ نهارَ، يكذبون، ويفترون، ويشوِّهون، ويشتمون، ويسبون، لا يتوقفون، على مدى أربعة وعشرين ساعة، ولكن دون نتيجة؛ لأنشعبنا العزيز ارتقى في وعيه، وبصيرته، وإيمانه، وفهمه، وأصبح محصنًا إلى حَــدّ كبير من التأثير للحملات الإعلامية الدعائية الكاذبة، التي هي جزءٌ من المواجهة بيننا وبين العدوّ.
- يضغط الأمريكي على المستوى السياسي بشكلٍ مُستمرّ، ومعروف ما عمله لمنع الاتّفاق على وقف العدوان مع الطرف السعوديّ، وتأجيله للتوقيع على الاتّفاق، واستمراره في الضغط السياسي والاقتصادي كذلك، ولكن لم يتمكّن أبدًا من التأثير على موقفنا.
- على المستوى الإنساني ضغط كَثيرًا، ويستمر في الضغط، حتى على مستوى ما تقدِّمه الأمم المتحدة والمنظمات من مساعدات تحت العنوان الإنساني، ضغط على ذلك كَثيرًا، ولكن دون أن يتأثر.
الخروج الشعبي المليوني أسبوعيًا، والفعاليات الشعبيّة التي لا مثيل لها، جزءٌ عظيمٌ ومهمٌ من جهاد شعبنا، وموقفه المناصر للشعب الفلسطيني، ومحبطٌ للعدو، محبطٌ جِـدًّا للعدو؛ لأن العدوّ في مقابل ما يعمل هو يقيس مدى التأثير على الحالة الشعبيّة، ينفِّذ الحملات السياسية، الإعلامية، العسكرية، الضغط العسكري، يُرهب، يُخِيف، يُرجِف، أبواقه تشتغل بذلك، ثم يعمل على قياس مستوى التأثير في الحالة الشعبيّة؛ ولــذلك فالخروج الشعبي الأسبوعي، والفعاليات الشعبيّة، هي تُعبِّر بشكلٍ واضحٍ ومهمٍ وقوي عن الثبات على الموقف، عن الصمود، عن الاستمرارية، هذا جزءٌ متكاملٌ له أهميته القصوى مع العمليات العسكرية في البحار، والنصرة للشعب الفلسطيني أَيْـضًا بكل الوسائل.
شعبنا العزيز بهويته الإيمانية، وتاريخه المشرِّف، يأمَّل فيه الأمل الكبير بما هو أكثر مما هو قائم إن شاء الله، هذا الشعب هو أحفاد الأنصار، هو الامتداد للفاتحين في التاريخ الإسلامي، هو أمل المستضعفين، هو شعب المدد والنُصْرَة إن شاء الله.
الثلاثين من نوفمبر -مطلع الأسبوع القادم- هو محطة من محطات التاريخ المشرِّف لشعبنا، في عيد الجلاء، ودحر البريطاني عن احتلال بلدنا، وهذه المحطة تُذكِّر شعبنا العزيز بأهميّة التحَرّك، وحتمية الموقف، وحتمية الانتصار، وفيه الكثير من الدروس المهمة:
- ما كانيعمله البريطاني في احتلاله لجزءٍ من البلد، من أساليب المخادعة، والاستقطاب، والتجنيد للبعض ليقاتلوا معه، وما كان يمارسه من ممارسات إجرامية رهيبة جِـدًّا، هذا فيه الكثير من التفاصيل التي ينبغي على إعلامنا، وعلى مناهجنا الدراسية، أن تُقدِّمها كتفاصيل ومعلومات واضحة للشعب؛ لأن فيها الكثير من الدروس المهمة.
- وكذلك حتمية التحَرّك، وإمْكَانية الانتصار، مهما كان العدوّ يمتلك من إمْكَانات، بريطانيا التي كانت آنذاك بوصف [إمبراطورية]، هُزمت، ودُحرت.
- والدرس المستخلص المهم:أن تكون الشعوب في منعة، وعزة، وقوة، بحيث لا تسمح أصلًا للعدو أن يحتلها، وأن يسومها سوء العذاب، أن يهتك الأعراض، ويمتهن الكرامات، ويصادر الحُرِّيَّة والاستقلال.
وشعبنا العزيز فيما هو عليه الآن، وفي مساره الإيماني التحرّري الجهادي، هو يسلك المسلك الصحيح: سبيل العزة، سبيل الله هو سبيل العزة، سبيل التمكين، سبيل القوة، المَنَعَة، النصر، الوعي، البصيرة، أن يكون وضعًا محبطًا للأعداء ولمؤامراتهم.
الخروج في الأسبوع الماضي لا سِـيَّـما في صنعاء كان مع المطر، وكان المشهد مبهجًا، وعظيمًا، وإيجابيًا، ورائعًا جِـدًّا، يعبِّر عن التصميم، عن الحرص، عن الاهتمام، عن الوعي، عن الشعور بالمسؤولية، وهذا شيءٌ مهمٌ جِـدًّا، والخروج كان كَبيرًا ومشرِّفًا كما هي عادة شعبنا العزيز، لا يمكن إخلاء الساحات وإفراد غزة لوحدها، الإسرائيلي يقول أنه: [يريد أن يستفرد بغزة]، نحن نقول له: لن نترك لك ذلك، لن نمكِّنك من الاستفراد بغزة، حاضرون ومُستمرّون في كُـلّ المجالات، وفي كُـلّ ميادين هذه المعركة:
- في العمليات العسكرية.
- والحضور الشعبي.
ولــذلك يعتبر الخروج الشعبي المليوني يوم الغد -إن شاء الله- له أهميّة كبيرة جِـدًّا، يعتبر مهمًا جِـدًّا، ينبغي أن يكون كَبيرًا، مليونيًا:
- تأكيدًاعلى الموقف.
- نصرةًللشعب الفلسطيني.
- مباركةًللبنان.
- ووصلًالأمجاد التاريخ.
أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج يوم الغد، اخرجوا بشكلٍ مليوني، بارك الله فيكم، وكتب الله أجركم، وكتب لكم هذا الخروج، جهادًا في سبيله، يرضى به عنكم، ويوفِّقكم به، إنه سميع الدعاء.
أسأل الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أن يوفِّق شعبنا العزيز لمواصلة هذا الجهاد العظيم، والاستمرار فيه كما ينبغي، فأملنا -إن شاء الله- أن نُتمَّ هذه المرحلة من التصعيد في مواجهة العدوّ للارتقاء بما هو أكبر وأعظم، بما يرضي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وبما فيه العزة لشعبنا، إن شاء الله يكون الخروج كَبيرًا في صنعاء، وفي بقية المحافظات والمديريات، وحسب الإجراءات المعتمدة.
نَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِيّ المَظْلُوم، وَأَنْ يُتِمَّ النَّصْر لِلشَّعْبِ اللُبْنَانِيّ وَمُجَاهِدِيه، وَأَنْ يُمِدَّ إِخْوَتَنَا الأَعِزَّاء المُجَاهِدِين فِي قِطَاعِ غَزَّة وَسَائِر فِلَسْطِين بِالعَوْنِ، وَالتَّأيِيدِ، وَالتَّسْدِيدِ، وَالتَّثْبِيت، أَنْ يُفْرِغَ عَلَيْهِمُ الصَّبْر، وَأَنْ يُسَدِّدَ رَمْيَهُم، وَأَنْ يُعِيْنَهُم، وَأَنْ يُوَفِّقَهُم، وَأَنْ يَكْتُبَ لَهُم النَّصْرَ الكَبِير، وَالفَتْحَ المُبِيْن، إِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِير.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.