ما الذي يحدُثُ اليومَ في المنطقة؟
عبدالرحمن مراد
ثمة متغير حدث بعد شروع الكيان الصهيوني في العدوان على لبنان واغتيال أبرز رموز المقاومة الإسلامية، كما أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض يعني بالمجمل حدوث متغيرات جوهرية.
متغيرات سوف تعكس نفسها على مضمار اللعبة السياسية الدولي والعربي، كما سوف تترك أثرًا مباشرًا عميقًا على محور المقاومة وجبهات الإسناد، فقد شرع بعض القادة اليوم في فتح ملف المفاوضات بشأن غزة مع الكيان الصهيوني إثر اتّفاق وقف النار في لبنان، والتطورات تحتاج إلى قراءة عميقة وفاحصة من حَيثُ المقدمات والنتائج.
فنحن في اليمن –وهي جزء محوري من جبهات الإسناد- أمام حالة فارقة اليوم والمعركة في أوج اشتعالها قد تكون تشهدُ هدوءًا نسبيًّا في الجبهات لكنها في مستوياتها الأُخرى لم تهدأ بل زاد أوارها اشتعالًا، وكل الظواهر التي نلحظ اليوم -وهي خارج النظام العام والطبيعي للمجتمع- دالة على اشتغال الأعداء في بناءات المجتمع، وفي أسسه العامة، وفي قيمه ومبادئه وعلائقه وروابطه، وهو اشتغال دال على استراتيجيات واضحة المعالم تضع المقدمات وهي تعرف النتائج منها؛ ولذلك فعدم اليقظة تجاه هذا الاشتغال يجعلنا في دائرة التيه والضياع وقد يجد العدوّ من خلال الشقوق، ومساحات الفراغ التي يحدثها في البناءات بيئة ملائمة للاشتغال، قد تبدو ضيقة في بدايتها لكنها مع الوقت تتسع حتى يتعذر على الراقع الرتق، ونحن في سياق معركة عدونا فيها ليس واحدًا بل أكثر من واحد وأكثر من توجّـه وأكثر مما نتصور، ولذلك فالمستويات كلها ذات مقاصد وغايات وتوجّـهات متعددة، وذات مصالح متناغمة ومتقاطعة، كما أن تدفق المال في ظل حالة الفقر والعوز التي عليها شعبنا قد تجعل المهام صعبة، فالفقر مطية كُـلّ المصائب التي تحدث في المجتمعات، ولذلك يتركز الخطاب الإعلامي للعدو على هذه الزاوية -أي زاوية الفقر– ويشتغل على فكرة منع المساعدات الإنسانية، والقيود التي تضعها سلطة صنعاء، وبين ثنايا التناولات تحريض واضح ضد صنعاء وسلطاتها، وتكريس مثل هذا الخطاب واضح الدلالة لمن ألقى السمع أَو كان بصيرًا.
إذن نحن أمام حالة جديدة وليست جديدة، جديدة من حَيثُ تكثيف الاشتغال عليها في كُـلّ المستويات وليست جديدة من حَيثُ الاشتغال الجزئي عليها في السنوات الماضية، وقد كانت تأتي في ظل موانع يجد الشعب فيها مندوحة من التبريرات يتركها العدوان في الوجدان الشعبي العام.
ما هو كائن اليوم وما سوف يكون غدا تجاوز كُـلّ مراحل انطلاقه وهو يؤسس لمرحلة جديدة من الصراع، ولا بُـدَّ لنا من إدراك ذلك، والتعامل معه بحرفية ومهنية بالغة الدقة، وقبل كُـلّ ذلك لا بُـدَّ لنا من تحصين الجبهة الداخلية؛ فالعدوّ الذي يفشل قي جبهات المواجهة المباشرة لن يترك استغلال الفرص التي قد نغفل عنها.
المعرفة مفتاح الصناعة لأي مستوى حضاري يريد الإنسان بلوغه في وقتنا الحاضر؛ لذلك يحرص النظام الدولي على تسطيح الوعي من خلال مجموعة من التطبيقات جعل منها بدائل للمعرفة أَو حالة قادرة على السيطرة على الوعي الجمعي، وقد تقوم بوظائف الفنون من التكثيف والخروج من الجزئيات إلى الكليات ومن الفرديات إلى الشعور بعمق التجارب من خلال مشاركة الآخرين حيواتهم وتجاربهم، ونحن نرى اليوم سيطرة التطبيقات على وعي الناس إلى درجة أن تقيل في ديوان فتشعر بالصمت المريب وانكفاء كُـلّ فرد على هاتفه دون الشعور بأحد من حوله وتلك ظاهرة غريبة جاءت على كتف الكتاب الذي أصبح مهجورًا بعد أن كان يشكل مادةً للتثاقُف في الكثير من المقايل.
كما أن التعامل مع الحقائق لم يعد كما كان في السابق؛ فنحن في مرحلة أصبح تدفق المعلومات فيها من سمات المرحلة؛ لذلك يفترض بنا التعامل مع الواقع كما هو لا كما نتخيل حدوثه؛ لأَنَّنا بذلك قد نعيد ترتيب أنفسنا بما يتسق وضرورات المرحلة إن أردنا وجودًا فاعلًا ومؤثرًا.