عن مجاهدي حزب النصر.. أتحدَّثُ!!
عبدالإله محمد أبو رأس
إن التاريخ يُعيدُ لنا اليوم ها هنا نفسه؛ للمرةِ الثانيةِ والألف والمليون أَيْـضاً؛ ولكن هذه المرة على اتساع الرقعة العالمية؛ ليعزف -لنا- لحن النصر والختام في سيمفونية خارقة، وبهروب مهين يجرجر أذيال الخيبة، وعلى مشهد من الملأ العالمي، وعلى مسرح بعرض التاريخ.
ولنفس الأسباب -أَيْـضاً- فإسرائيل لم تنتصر في حربها مع مقاتلي حزب الله في جنوب لبنان؛ بل أحاط بها ثعالب الليل، وأبناء آوى، ودارت عليها عقارب المستنقعات، وبما قتلت من أبرياء وأطفال ونساء، وبما أرغت وأزبدت وأرعدت بضرب الجنوب اللبناني، ونسف بنيته التحتية، سوف تدور عليها الدوائر بما أجرمت، والإجرام الجزافي للجموع، سوف ينادى به على صحيفة الأقدار.
ولقد رأينا -جميعاً- كيف أن إسرائيل لم تستطع أن تقامر على وهم أكثر، ولم تستطع -أَيْـضاً- أن تواجه خسارة تراكمية فادحة بقدر ظلمها، وهي خسارتها لجنودها وزهرة شبابها من الجنود والضباط الإسرائيليين.
ولم يستطع -أَيْـضاً– المستوطنون المغتصِبون تحمُّلَ هذه الخسائر الفادحة في الأرواح والعدة والعتاد، ورأينا -جميعاً- كيف اندلعت الاحتجاجات داخل إسرائيل، وارتفعت نسبة المطالبين بالانسحاب من جنوب لبنان إلى أضعاف مضاعفة.
ولأول مرة في تاريخ إسرائيل أن يحدث معها أنها انقسمت على نفسها بين مهرولين راغبين في الانسحاب من الجنوب اللبناني -فورًا وبلا قيدٍ أَو شرط- وهؤلاء يمثلون أغلبية مطلقة من الإسرائيليين، وبين الباقي الذين وافقوا على الانسحاب؛ ولكن بشروطٍ تضمن لهم الأمان.
ولقد جربت إسرائيل -أَيْـضاً- منذ الثمانينيات في صراعها مع لبنان آنذاك!!، بدءًا من رغبة الكيان الصهيوني في الاجتياح الكامل في سنوات ما بين (1982 – 1986) مُرورًا بالقصف الجويّ العنيف في (1996) ومن ثم وُصُـولاً إلى ارتكاب أشنع المجازر، وأبشع المذابح في “قانا” ولم تثمر كُـلّ تلك المحاولات العدائية شيئاً، ولم يبقَ لها إلا خيار التراجع عن الوعود والآمال التي قطعتها بغية تحقيق مرادها وأطماعها، وهو الانسحاب الكلي المنفرد من جنوب لبنان دون قيدٍ أَو شرط؛ طبقاً لقرار مجلس الأمن آنذاك برقم (425).
وها نحن اليوم مع استدارة كاملة للزمانِ وللتاريخِ معًا، وفي خضم معركة بَدْرٍ أُخرى! وشاهدنا -جميعاً- كيف كان لصمود المقاومة اللبنانية -دون خوف- أثر قاسم للجبروت الإسرائيلي، وما جرى على هذه الجبهة الصغيرة حتى الرّمق الأخير يغدو مثالًا وسابقة فريدة، للمجموعة العربية التي آثرت أن تلزم مخابئها، وتتجنب الصراع في كُـلّ مواجهة مع إسرائيل، واختارت الملاينة والمهادنة والمسالمة؛ إيثارًا -منها- للأمان.
ولكن هل تعلم القومية العربية المستأنسة أنها اليوم على مفترق طرق؟!؛ لطلاق نهائي، بلا رجعة أبداً، وأن أَنصافَ الحلول والخضوع، والاستكانة، وتبادل القبلات، والاعتماد على سلّم أمريكا، والتمسك بأهداب تطبيع زائف لن تجدي، ومراوغات أوسلو وكوبنهاجن؛ لم تعد تنفع.
وتزامنًا مع ذلك أعود وأكرّر مرة أُخرى إلى ما فعله مجاهدو حزب الله في جنوب لبنان!! وكيف قد أكّـدوا لنا قطعًا، لا جدلاً، من أن “بلورة الألماس لا تقطعها إلا سكين أشد منها صلابة، والبلاء هو المصنع الإلهي الذي يصنع تلك النفوس الأشد صلابة من المَّاس، والأشد قطعًا من شفرة الصُّلب”.
وقد أثبتت لبنان -أَيْـضاً- أن الرجولة والبطولة لم تمت في أمتنا، ولكن القلوب التي أماتها حب الدنيا، وفقدت روحها وشهامتها، وماتت وشبعت موتًا.
وما يقوله هؤلاء المتفلسفون اليوم، ممن يدعون الواقعية، من أن عصر البطولات قد انتهى، ليس إلا ترويج؛ لزرع الجبن، وتكريس التخاذل، ودعوة عامة؛ للاستسلام، وإلقاء السلاح.
بينما مقاتليّ حزب الله اليوم قد ضربوا لنا مثلاً بليغًا، وللأُمَّـة العربية والإسلامية -جمعاء- من أن إسرائيل تلك التي تخشونها؛ ما هي إلا قطرة في بحر عربي، ولو اجتمع العرب على كلمةٍ سواء، ولو صح عزمهم على رباط واحد، وعلى موقف صُلب؛ لتراجعت إسرائيل -حينئذٍ- إلى حجمها الطبيعي.