الحربُ الناعمة والتثقيفُ الخاطئ
حميد رزق
الاتفاقُ السياسيُّ بين المؤتمر وأَنْصَـار الله وبقية القوى الوطنية جاء تتويجاً لصمود اليمنيين وثباتهم وتضحياتهم وصبرهم ونتيجة لإيمانهم ووعيهم بأهمية كسر العُـدْوَان وإفشال أَهْـدَافه الاستعمارية الخطيرة والقذرة..
ولم يكن ذهابُ السعودية وأَمريكا نحو الخيار العسكري الكبير والواسع إلّا بعد أن فشلوا في أَسَـاليبِهم الناعمة فسقطت مُخَطّـطاتُهم التي أمضوا عشراتِ السنين في العمل على تحقيقِها؛ ونتيجةَ ثورة الشعب المباركة في 21 سبتمبر انكشفت أَوْرَاقُ أُولئك وَأزلامهم، الذين اضطروا للهُرُوب أَمَـام صرخات الشعب اليمني الثائر، فكان الردُّ الاستعماري السعودي الأَمريكي شَنَّ العُـدْوَانِ العسكري بشكل مباشر، الذي جَمَعوا له جيوشَ حوالي خمسَ عشرةَ دولةً مدعومة بكل أَنْـوَاع المَدَد والاسناد من أَمريكا وبريطانيا وإسرائيل وبقية المنظومة العالمية التي تدور في الفلك الأَمريكي..
الحربُ الناعمةُ والتثقيفُ الخاطئ عمليةٌ خطيرةٌ، وما نعانيه اليوم من بروز ظاهرة النفاق أَوْ المرتزِقة تعودُ إلَـى نجاح العُـدْوَان في خداع واستقطاب فئةٍ من أَبْنَاء الشعب، إمّا من خلال المال الحرام أَوْ عن طريق التعبئة والتثقيفِ الخاطئ خلالَ عقود من نشاط أُولئك تحت عباءة الدين والحزبية والجمعيات وغيرها..
لذلك نحن معنيون بالوعي لهذه الأَسَـاليب والعمل على مواجهتها وإفشالها.. كانوا يأتوننا باسم الدين. يأتي أحدهم لبناء مسجد أَوْ مدرسةٍ أَوْ يأتي بمدرسين للفكر الوهابي التكفيري باسم التوحيد والسنة وتحفيظ القرآن.. وأحياناً أُخْــرَى يأتون باسم المصلحة، أنه يريد لنا المصلحة. ومرات عن طريق شراء الذمم وتوزيع المال والمساعدات.. يحرّضون أَبْنَاءَ المجتمع أَوْ الحي أَوْ القرية ضد بعضِهم، ويعملون على تكريس القطيعة والكراهية فيما بين الأهل والجيران والإخوة.. يقسّمون الناس إلَـى جوامعَ وأحزاب وشيع يكره بعضُهم بعضاً..
والأمر ببُعدِه الحقيقي ليس له هدفٌ غير الاستقطاب وتجنيد المغفلين لاستخدامهم ضد شعبهم وبلدهم ودينهم وأمتهم، كما هو حاصل اليوم في العُـدْوَان على اليمن، بأدوات محلية خطورتها أَكْثَر من العدو الخارجي..
إن الدعمَ الذي يُقَدَّمُ لأطراف حزبية وباسم جمعيات خيرية تتحركُ تحت شعاراتٍ دينية وتستغل فقر المجتمع ومشاكله الاجْتمَاعية ليس سوى جزء من حربٍ ناعمة ثقافية وتربوية؛ لطمس مفاهيم الدين الإسْلَامي السمح والقضاء على قيم التعاون والإخاء بين أَبْنَاء البلد الواحد، والعمل على تنشئة جيلٍ مصابٍ بالفصام يحمل النقمة على أَبْنَاء دينه وعلى أهله ومجتمعه..
لو لم يكن أُولئك وثقافتُهم ومدرّسوهم في خانة مشروع أَمريكا لإخضاع العالم الإسْلَامي من الداخل وتفخيخه بالثقافة الداعشية التي تقبَلُ بالأَمريكي وتتصالح مع الصهيوني وتقتل وتفجّر المسلم.. لو لم يكونوا كذلك لَمَا كان لهم الدعمُ والرعاية والتسهيلات.. مقابل التضييق والملاحَقة والسجون والاقصاء للفكر الإسْلَامي الأصيل..
هذه هي الحربُ الخفية، وأي نجاح يحقّقه العُـدْوَان السعودي الأَمريكي عسكرياً فإن في مقدمة أسباب ذلك ما حقّقه مسبقاً من نجاح في التأثير الثقافي، في التحريف والتضليل لنسبة ليست قليلةً من أَبْنَاء المجتمع، فأَصْبَحوا أدَوَاته حتى من دون أن يشعر بعضهم..
وعليه فإن الجميعَ معنيٌّ بالتصدّي للفكر التكفيري الذي يتحرّكُ بالمال ويستغلُّ حاجة أَوْ جهلَ نسبة من أَبْنَاء المجتمع لتخريج الدواعش ورفد جبهاتِ العُـدْوَان بالمزيد من الضحايا والمغفَّلين.