مفارقاتٌ غريبة ومعاييرُ مزدوجة
أسماء الجرادي
مع استمرار الهجمة الصهيونية الشرسة على الأُمَّــة الإسلامية، نجد أن هناك مفارقات غريبة تتعلق بكيفية تعامل قوى العالم مع الجماعات المسلحة؛ فقد أصبح من الواضح وجود ازدواجية ملحوظة في المعايير المستخدمة لتصنيف المقاومة والإرهاب في حين واحد؛ ففي الوقت الذي تدعم فيه أمريكا جماعات مسلحة في دول مثل أفغانستان والعراق وسوريا واليمن تحت مزاعم متعددة، نجدها تصف من يدافع عن أرضه ووطنه بالإرهاب، يستدعي منا هذا الوضع وقفة للتفكير في عواقب هذه السياسات وضرورة إعادة النظر في فهمنا للمقاومة؛ فلنتفكر ولنعيد تقييم الأوضاع بالشكل الصحيح، لعلنا نستعيد حريتنا وأوطاننا المسلوبة.
ها هو الوضع في سوريا يبرز كيف يتم دعم مجموعات مسلحة متعددة الجنسيات والاتّجاهات بالعتاد والأسلحة المتطورة والطائرات المسيّرة لمواجهة الحكومة السورية الشرعية والمعترف بها دوليًّا، وفي الوقت نفسه، يتم تشكيل تحالف دولي للاعتداء على اليمن، ودعم مسلحين فيه بحجّـة استعادة الشرعية لرئيس منتهية ولايته هارب مع حكومته المفككة خارج البلاد، وهكذا، يرتبط الأمر بمرتزِقة اليمن الذين يدعمون اليوم المسلحين في سوريا لمواجهة النظام السوري الشرعي والثابت على أرضه وعاصمته، وفي اليمن، يتحدثون عن شرعية أفراد عملاء باعوا وطنهم وتشردوا في البلدان، وهكذا هي وسائل الإعلام التي تتجاهل إنجازات المقاومة الفلسطينية أمام العدوّ الصهيوني، بل وتصفها بالإرهاب، في حين تقوم اليوم بتسليط الضوء على الجماعات المسلحة في سوريا وتعتبر أفعالهم الإجرامية إنجازات كبيرة، رغم أن الدم هنا هو دم مسلم.
في فلسطين، هناك اعتداء من الصهاينة على المسلمين، والأرض تُحتل وتُسفك الدماء، ونجد وسائل الإعلام والسياسيين يحذرون من مواجهة الصهاينة والدفاع عن النفس، بينما يحرصون على الفتنة والتحريض على القتل في الدول العربية والإسلامية.
لقد أصبحت سياسة الدول ووسائل الإعلام تتماشى مع مصالح الغرب لضرب وتفكيك الدول الإسلامية، حَيثُ يتم توجيه الاتّهامات بالإرهاب لمن يكافح الاحتلال، بينما تُبنى التحالفات مع الجماعات المسلحة التي تمارس أنشطة إرهابية.
في ضوء هذه المفارقات، تطرح التساؤلات حول كيفية استيعاب العقل البشري لهذه السياسات المتناقضة؛ فيتساءل المرء: كيف يمكن لمجموعة من الدول أن تدعم الجماعات المسلحة في وقت تدين فيه إرادَة الشعوب في الدفاع عن أنفسهم؟ وما هي المعايير التي تحدّد من يُعتبر إرهابيًّا ومن يُعتبر مقاومًا؟
وهنا، نستنتج من هذا أن هناك مؤامرة كبيرة تستهدف الإسلام والمسلمين الحقيقيين، ليفسحوا المجال لليهود ليحتلوا الوطن العربي بلا مقاومة من أية جهة؛ فقد فرَّقوا الأُمَّــة إلى دويلات، وقسّموا الدين إلى مذاهب متعددة، وحرضوا بينهم، واليوم، يقسمون الدول والجماعات إلى فرق صغيرة، ويزرعون العداء ليقتتلوا فيما بينهم، مما يجنب اليهود الحرب المباشرة مع المؤمنين، بينما يتيح لهم الفرصة لتوسيع الأراضي المحتلّة والاستمتاع بالدماء المسلمة التي تسفك.
هذه هي الثورات التي يقودها الأعداء في أوطاننا اليوم؛ في سوريا، نعلم أن المسلحين تحَرّكهم دول أُخرى، فتتوقف الحرب وتشتعل حسب مصالح تلك الدول، وهؤلاء هم معسكرات لدول متعددة دفعوا بهم إلى سوريا لعدة أهداف، منها قطع إمدَادات السلاح إلى المقاومة الإسلامية، إذلال الرئيس السوري الذي وقف شامخًا رافضًا التصالح مع تركيا حتى تنسحب من الأراضي السورية، ومنها أَيْـضًا قطع يد روسيا من المنطقة، وبالتأكيد، فالأهم هو توسيع الأراضي التابعة للعدو الصهيوني واستنزاف مقاتلي المقاومة، وإشغالهم بجبهات أُخرى لتجنب مواجهتهم بشكل مباشر.
إن هذه السياسات تتبنى مفهوم التحالفات غير المتوازنة التي تتحكم فيها المصالح السياسية والاقتصادية، وبذلك تتضح الصورة أمامنا: حرب تُشعل بلا رحمة بينما تُصنف الأعمال البطولية لمن يدافعون عن أوطانهم وأعراضهم بالإرهاب، في حين تُعتبر الأعمال التي تخدم مصالح القوى الكبرى تدبيرًا سياسيًّا.
هنا يبقى التساؤل قائمًا: كيف يمكن للدول والشعوب أن تتكاتف لتغيير هذا الواقع المرير؟ نحتاج إلى وحدة الصف بين أبناء الأُمَّــة، وإعادة تعريف ما يتعين علينا اعتباره إرهابًا أَو مقاومة مشروعة؛ فنحن في أمس الحاجة إلى بناء أفكار واقعية تتجاوز الخطاب الإعلامي المضلل، لتصل إلى جوهر القضايا التي تمس الوجود الإسلامي.
في الختام، علينا أن نكون حذرين وواعين لخطط الأعداء، ونعلم أن تحالف القوى الكبرى لا يعني إلا مزيدًا من السيطرة والاستغلال في وطننا العربي، وأن تعاضدنا كأمة واحدة يكون بداية الطريق نحو التحرّر واستعادة الهوية، حَيثُ تكون حرية الأرض والإنسان ممارسة حقيقية وليست مُجَـرّد شعارات ترفع؛ فالإسلام كفيل بأن يجمعنا كأفراد وشعوب تحت مظلة واحدة لمواجهة خطر التفرق.