مأساة غزة بين ظلم العدوّ وخذلان الصديق

أم المختار مهدي

لأكثر من عام والجرائم تتوالى في غزة: قتلٌ وحشي، أطراف مقطعة، جثث مفحمة، مبانٍ مدمّـرة، خيام محرَّقة، أطفال جوعى، نساء ثكلى، في غزة لا حلم ولا حياة ولا ضحكة، لا فرقَ هناك إن كان المقصوف رجلًا أَو امرأة أَو حتى طفلاً، تستخدم فيهم أفتك الأسلحة وأحدثها ما لم تُجرب إلا فيهم فقط.

وصل الإجرام إلى ذروته، بما لا تحيطه الكلمات ولا تدركه الأوصاف، وكلّ هذا يحدث في ظل شعارات براقة كاذبة هي للظلم أقرب منها للعدل، بل ما هي إلا غطاء للجرائم لا مُدين لها: مثل مجلس الأمن والمحكمة الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة، تكون حَيثُ يريد لها الصهيوني أن تكون متنكرة لما تحمل من أسماء مُجَـرّدة عن الصدق في الواقع.

على طوال أكثر من 100 عام على الاحتلال البريطاني والإسرائيلي لم يحدث وأدان مجلس الأمن أَو المحكمة الدولية أَو أية منظمة ما يرتكبه الاحتلال من جرائم تشريد، تعذيب، واغتيالات، واليوم تشهد غزة ما لم تشهده مدينة من الأسى والجراح والكُلم.

وما هو أشد من جرم وظلم وطغيان العدوّ هو خذلان الصديق العربي المسلم؛ العدوّ واضح، وكيف ما وصل في إجرامه فهو متوقع منه وليس بجديد أَو غريب، ولكن كيف بمن يدعي الإسلام وينطق الشهادتين أن يسكت؟! هذا هو الألم الحقيقي.

أهل غزة يربطهم بنا الدين والعروبة واللغة والرسل والأنبياء والموقع الجغرافي، ولكن يتنكر المسلمون لكل هذه الروابط ولم يحركهم دين ولا ضمير إلا القليل منهم، يعجز الفكر عن فهم كُـلّ هذا التغاضي واللامبالاة، وكأن من يقصفون أحجارًا لا بشرًا، وكأنه لا حق لهم بالحياة كغيرهم، في الوقت الذي كان على المسلمين عامة والعرب خَاصَّة النجدة لتلبية غزة ومناصرتها يرقصون ويغنون ويحتفلون ويسرفون بالتغاضي متجاهلين أوامر الدين بالجهاد ضد الظالمين، ومتجاهلين أَيْـضًا عداوة عدوهم وشدة كرهه وحقده عليهم، تنطبق عليهم الآية الكريمة: {إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}، والله لحالهم يُؤسف له أكثر مما هي عليه غزة؛ لأَنَّ غزة تقاوم وتصبر ونهاية صبرها الجنة، محتفظة بكرامتها، متمسكة بدينها، أما العالم المنافق الجبان فعاقبة أمره الخزي والذل في الدنيا والعذاب الأليم والمهين والعظيم في الآخرة، مع نتنياهو وبايدن وترامب وساء أُولئك رفيقًا.

على الصعيد الآخر أثبت المحور المقاوم أنه هو مَن ما يزال متمسكًا بدينه، ناصرًا لإخوته، وهو وحده من يحق له رفع رأسه والاعتزاز بدينه وهُويته، وقف مع غزة منذ بداية الطوفان وهو اليوم يردّد “معكم حتى النصر”، وهذه القضية قضية دين وشرف هيهات التخلي عنها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com