الفهمُ المغلوطُ لآيات القرآن كـقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}
وضَّحَ الشهيدُ القائدُ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- في محاضرة ـ ملزمة ـ [معرفة الله ــ عظمة الله ــ الدرس السادس] الفهم المغلوط لدى كثير من الناس لكثير من آيات القرآن الكريم، فيقومون بشرحها شرحا ناقصا، لا يتوافق بأي شكل من الأشكال مع عظمة الله سبحانه وتعالى، حيث قال: [{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} نأتي إلى الحديث عن كلمة: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} بالمعنى الذي يقول الآخرون، أي: هناك عرش استوى عليه استواءً يليق بجلاله! انظر كيف ستهبط الآية إلى أحط مستوى؟].
لافتا إلى أنه ليس هناك أيَّة قيمة أَوْ فائدة لكلام كهذا، بمعنى أن الله بدأ الآية بقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)، ثم هل يعقل أن يأتي ويقول لنا: أنه بعد ذلك جلس على كرسي (عرش)، فما قيمة هذا في مجال إني أعرف الله، وأعظمه لأنه مالك السماوات والأرض وخالقها، وهذا ما أشار إليه الشهيد القائد بقوله: [ما قيمة أن يقول الله لنا الله سبحانه وتعالى بأن هناك عرشاً هو يستوي عليه؟. ما قيمته بالنسبة لنا في مقام الدلالة على قدرته سبحانه وتعالى، على تدبيره، على حكمته، على عظمته وجلاله!. هل يمكن لأي شخص منا أن يتحدث بأن له سرير نوم [يرقد] عليه في بيته ما قيمة هذا؟ أن أقول: فلان عظيم وهو من أولياء الله وهو كذا وهو كذا ومعه أَيْضاً سرير في غرفته ينام عليه. هل لهذا الكلام قيمة؟. أَوْ له كرسي في صالته يستوي عليه!.].
مذكراً -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- بأن القرآن الكريم هو من عند الله، وكل آية لازم يكون لها معنى موافق لسياق الكلام الذي تتحدث فيه، فقال: [القرآن الكريم كُلّ مفردة داخله لها أهميتها {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} يتحدث عن خلق السماوات والأرض ويقول: ولـه أَيْضاً عرش يجلس عليه! ما قيمة هذه في مجال حكمته؟ في مجال قدرته؟ في مجال ماذا؟ بل قد تستوحي منها على هذا النحو: بأنه [ثم تعب ورجع يرتاح قليل على الكرسي حقه] هذا في منطقنا نحن نقول هذا: [عملتُ إلى بعد العصر وعدت إلى البيت لأستريح فألقيت بنفسي على الكرسي] ألسنا نقول هكذا؟ حينئذٍ يكون كلامك على الكرسي في مكانه صحيح؟ لكن في الدلالة على ماذا؟ على التعب، أنك قد تعبت].
(استواءٌ يليق بعظمته).. جملة يحاولون الخروج بها من المأزق الذي وقعوا فيه: ــ
وفي ذات السياق تحدث الشهيد القائد عن المأزق الذي وقع فيه (المُشَبِّهَة والمُجَسِّمَة) وكل من يعتقد هذا الاعتقاد الباطل، فحاولوا أن يخرجوا من هذا المأزق بجملة (استواءٌ يليق بعظمته) ولكنهم لم يفلحوا، حيث حاججهم الشهيد القائد بقوله: [{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} عندما يقولون: هناك عرش، يعني: سرير أَوْ كرسي، فالله استوى عليه. ولكن قالوا: كيف استوى عليه؟ هل جلس كذا أَوْ كذا؟ قالوا: استواء يليق به، لكن ما الذي قد ثبت في الصورة؟. هو أن هناك عرش، والله جاء فوقه، [لكن ما درينا كيف يكون استواؤه فوقه؟]. أليس هذا الذي يحصل في الذهنية؟. هناك عرش وهناك جلس فوقه، على حد عبارة من يقولون استواء يليق به].
المعنى الصحيح للآية: ــ
شرح الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- معنى الآية الكريمة هذه بقوله: [كلمة: استوى على العرش تبين لك أن الله من حيث المبدأ خلق السماوات والأرض، كوّنها، لكن السماوات والأرض شؤونها واسعة، مملكة عظيمة، مملكة واسعة، شؤونها كثيرة جداً {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} شؤون مملكته في اليوم الواحد ينجز فيها ما لا ينجز إلا في ألف سنة مما نعد، فهذا الكون الذي خلقه لم يخلقه ثم يرمي به هناك.. خلقه ثم اتجه إلى تدبيره، إلى تدبير شئونه، تدبير شؤون هذا العالم الفسيح، وهذا هو ما يعبر عنه [بالعرش] الذي يعني: السلطان والمملكة].
واستدل الشهيد القائد على صحة كلامه بالآتي: ــ
الاستدلال الأول: ــ
استدل -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَــيْهِ- على كلامه بما جاء في أول سورة يونس، حيث قال: [الاستواء على العرش معناه: ثم اتجه نحو تدبير شؤونه، هو خلقه ثم دبره، وجاء صريحاً هذا في أول [سورة يونس]، ومعظم ما تأتي عبارة: [استوى على العرش] تأتي في مقام عرض لمظاهر قدرته سبحانه وتعالى ففي أول [سورة يونس] يقول تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} يدبر الأمر.. وهم يقولون: [استواء يليق به، وفي الأثر: استواء يليق به!!] وأينما وصلنا عند: [استوى على العرش]: استواء يليق به! فهم مغلوط للقرآن، بل حط، حط لعظمة القرآن وحكمته].
الاستدلال الثاني: ــ
ومستدلا أَيْضاً باللغة العربية، وكلام العرب، حيث أن القرآن الكريم جاء بلسان عربي، فقال: [وهذا ما يعني في اللغة العربية، العرب يسمّون المُلك والسلطان ولاية الأمر يسموها العرش، عرش المملكة، هو أساساً مأخوذ – في لغة العرب، وفيما هو معروف – من الأشياء عند الملوك هو أن يكون للملك عرش يجلس عليه، لا يجلس عليه إلا الملك، حتى ولي العهد يكون له مقام آخر، هذا العرش الذي هو أصله كرسي، كرسي مزخرف كبير مفخم، يضفي على الْمَلِك هيبة أيضاً. عرش، عرش تكرر في الذهنية استخدام [عرش.. عرش..] ثم أَصْبَـحت العبارة تعني: المملكة والملك. والقرآن الكريم هو قرآن عربي، هو قرآن عربي، بلسان العرب، وبأَسَاليب العرب يتحدث، فقال: هو خلق هذا العالم السماوات والأرض، ثم اتجه نحو تدبير شؤونها؛ لأنه ملكها، عبر عن المسألة بالعبارة المعروفة لدى العرب [الاستواء على العرش].
مُضيفاً أيضاً: [ألسنا نقول: أن المسؤول همه الكرسي، ماذا تعني هذه، عبارة [كرسي]؟ المنصب، المقام، الرتبة التي هو فيها، لا تزال الكلمة معروفة لدينا إلى الآن تستعمل، التعبير عن الملك، عن المنصب، عن المقام بما هو عادة يكون متوفراً لدى الملوك ولدى المسؤولين، فنقول: الرئيس ما همه إلا الكرسي، رئيس الوزراء همه الكرسي، وزير الخارجية همه الكرسي، ألسنا نحن نقول هكذا؟.