(وإن دعتنا البوارج بانخوض المياه)
عبدالسلام عبدالله الطالبي
بهذه اللهجة كان هذا الشطر ضمن الأبيات الشعرية لأول زامل شعبي استهل به المنشد المبدع عيسى الليث، زوامله الجهادية، وذلك بعد ست حروب ظالمة خاضتها السلطة الظالمة بحق أنصار الله المجاهدين آنذاك.
حيثُ سبق هذا الشطر رسائل قوية عبر فيها الشاعر عن جاهزية الناس لخوض ما هو أكبر، ملوحةً بأن عامل الخوف ليس له وجود في قاموسهم قائلًا:-
(عشقنا للشهادة صير المر حالي-ما بقى شيء نخافه في يدين الغزاة)
(بانخوض المعارك سهلها والجبالي- وإن دعتنا البوارج بانخوض المياه)
فكأن ذلك بمثابة مؤشر لحدث متوقع التعاطي معه في المستقبل؛ باعتبَار أهميّة القضية والمشروع القرآني القائم في مناهضته لدول الغرب الكافر ممثلة في أئمة الكفر أمريكا وإسرائيل!
وها هي الكلمات تترجم في الواقع العملي المعاش، حَيثُ بدى اليمانيون أكثر حضورًا وضراوة في معركة فاصلة بين الحق والباطل، معركة عرف فيها المؤمن من المنافق والصادق من الكاذب!
معركة شخصنت أصحاب المواقف المتواطئة والعميلة على حقيقتهم، حَيثُ أكّـدت فضح شعاراتهم الجوفاء وسياساتهم الحمقاء الملطخة بالذلة والخنوع والاستسلام والتشبث العقيم بالسلطة.
نعم، ها هي المعركة اليوم تتمركز في البحر كعامل أَسَاس كان لا بُـدَّ منه لخلاص الأُمَّــة من شبح الطغيان الإسرائيلي والداعم الأمريكي وكلّ من لف لفيفهم.
معركة هي الأشبه بمعركة الفصل الحاسمة التي أنذرت بزوال فرعون الذي ادَّعى نفسَه إلهًا على شعب مصر وكان يزعم ويقول: (أنا ربكم الأعلى).
بل بلغ به العتو إلى ذبح كُـلّ الأبناء المواليد من الذكور بعد أن أخبره أحد المنجمين بأن ملكه سيزول على يد مولود من بني “إسرائيل” فبلغ به الأمر في سابقة ليس لها مثيل في بشاعة جرمها أن يقدم على ذبح كُـلّ الأطفال المواليد سوى ما يحصل اليوم في غزة.
نعم، كان على أم موسى أن تتعاطى مع التوجيهات الربانية لتلقي بمولودها من بعد لحظة ولادته في البحر ليلتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا وحزنًا، وينعم في قصر الظالم فرعون بحياة آمنة وكريمة كحالة استثنائية إرضاء ونزولًا عند طلب زوجة الظالم والمستكبر الجائر فرعون اللعين، والذي كانت نهايته مخزية ومدوية، وهو يلحق بموسى ومن آمن معه من بني “إسرائيل”.
معركة فارقة استدعت حضورًا كَبيرًا من التسليم والصبر والتضحية والفداء والإيمان المطلق لله الغالب على الأمر؛ ليسلم الناس شر سطوة الظلم والظالمين، ودفع خطر العدوّ الإسرائيلي والأمريكي.
وما الدورُ البطولي العظيم الذي يقومُ به ولا زال رجالُ قواتنا البحرية اليمنية اليوم إلا شاهدٌ على ذلك في سابقة لم تتجرأ القيام به أية دولة إسلامية أَو عربية في استهداف السفن الإسرائيلية أَو السفن المتضامنة معها لنجدها تتساقط وتنهار واحدة تلو الأُخرى.
عزيمة وإقدام وتضحية واستبسال ومواجهة صارمة وعنيفة مع العدوّ الإسرائيلي في المنطقة لغرض تحقيق هدف محق وهو أن يتوقف الإسرائيلي عن عدوانه السافر والإجرامي على إخوتنا الفلسطينيين، ويكون لهم الحق في حصولهم على الماء والغذاء والدواء والأمن والأمان، حتى وإن غض الطرف عنهم وعن مناصرتهم والنظر في معاناتهم للأسف غالبية كبرى من زعامات وحكومات الدول العربية والإسلامية، والله المستعان!
وعبر معركة اليوم معركة البحر الأحمر وبالتحديد (باب المندب) ستسقط العروش الكافرة والمتواطئة الذي لن تعفى عن جرمها وصمتها المهين، في الوقت الذي يحتشد اليمن بأكمله متمنيًا حضوره البارز أكثر في المعركة مع العدوّ الإسرائيلي، إضافة إلى ما يحرزه الجيش البحري الصامد والطيران المسيَّر والقوة الصاروخية من حضور قوي ولافت في المعركة.
معركة بحرية أنهكت العدوّ الإسرائيلي اقتصاديًّا، بل أسهمت في لوي ذراعه وكسر هيبته ليعرف حجمه وأن ظلمه وطغيانه مرهون بزواله عاجلًا أم آجلًا.
معركة بحرية جعلت من الأمريكي يقف عاجزًا وحائرًا دون اتِّخاذ أية عقوبات دولية؛ فكل ما كان بإمْكَانه الضغط به على حكومة صنعاء هو ما زال بأيديهم كونه الحليف الاستراتيجي لقوى العدوان السعوديّ الذي ما زال رابضًا ومتعجرفًا حتى يومنا هذا.
معركة بحرية جاءت من رحم المعاناة وضيق الحصار الخانق على شعبنا اليمني الصامد المجاهد الذي رأى على نفسه أن يتحَرّك لزامًا مع القضية الفلسطينية وهو لم يتعاف بعد من محنته وحصاره المفروض عليه منذ تسع سنوات مضت.
معركة بحرية جعلت من حكومة صنعاء اليمن وكلّ اليمانيين الأحرار دولة رائدة ومحط إعجابين عربي ودولي في مواقفها المشرفة واللائقة تجاه ما تقوم به من ضربات مسددة، وفرض سيطرة بحرية بارزة في معركة البحر الأحمر تلوح بإخماد العدوّ الإسرائيلي بإذن الله تعالى.
فلله أنت يا يمن الإيمان والحكمة من شعب عظيم أذهلت العالم بحضورك البطولي، وأرهبت كُـلّ طواغيت الأرض، وأثبت حضورك ومناصرتك للمظلومين والمستضعفين في كُـلّ الأرجاء، والقادم أعظم، وما النصر إلا من عند الله.