عاملُ المبادرة وثمراتُه

د. محمد عبدالله يحيى شرف الدين

المبادرة عامل، وليس هو الناصر؛ وما النصر إلا من عند الله تعالى؛ لكنه عامل فعال وقوي، بل يغيّر مجرى ما رسمته خطط العدوّ، ولذا طالما علمنا الله تعالى الاستثمار لعنصر المبادرة في القرآن الكريم، فقال سبحانه: (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا، فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا، فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)، [سُورَةُ النَّازِعَاتِ، ٣- ٥]؛ لأَنَّ دخول العدوّ إلى عقر الدار فيه إفساد وإذلال نبهنا عليه الله تعالى: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً، وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ)، [سُورَةُ النَّملِ، ٣٤]، وكذلك ديدنهم باستمرار.

لقد بادر النبيُّ، وهو المعلّم، في يوم بدر وخيبر وتبوك، وحث الإمام عليُّ- عليه السلام- أمته قائلًا: “اغزوهم قبل أن يغزوكم”.

وهنا يتراءى على مستوى واقعنا المعاصر فاعلية وقوة وتأثير دعوة قائد الثورة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- قواتنا المسلحة اليمنية إلى المبادرة بتوجيه ضربات استباقية ضد العدوّ الأمريكي والإسرائيلي.

كان العدوُّ الإسرائيلي والأمريكي يحضّر لضربات شاملة ومكثّـفة على اليمن على غرار الضربات التي وجّهها لحزب الله في لبنان، وعلى غرار اكتساحه وأدواته الاستخباراتية في سورية، مع نشوته التي أثملته في سورية.

لقد استقدم العدوّ الأمريكي بوارجه الحربية إلى أقرب نقطة في البحر، ولا يقترب العقربُ إلا ليلدغَ، فبادرت القوات المسلحة اليمنية بالاشتباك مع العدوّ الأمريكي، واستمرت بعضُ الاشتباكات لما يقارب تسع ساعات جهنمية على العدوّ، وبعضها الآخر حدث فينة العدوان على اليمن.

فيا ترى ما نتائجُ استثمار القوات المسلحة اليمنية لعنصر المبادرة ضد العدوّ الأمريكي والإسرائيلي؟

من المقطوع به ابتداءً كسنة إلهية لأهل الحق أن عنصر المبادرة يجني ثمرات، وما (طوفان الأقصى) منا ببعيد.

أما على مستوى مبادرة القوات المسلحة اليمنية بشن ضربات ضد العدوّ الإسرائيلي والأمريكي؛ فقد حقّقت ثمرات انتصارية، ودفعت مخاطرَ محدقة، وثبّتت الأمن والاستقرار، هذا إجمالًا، وتفصيلُه:

لم يكن عنصر مبادرة اليمانيين قيادة وشعبًا وليدَ لحظة عدوان العدوّ الإسرائيلي والأمريكي على اليمن؛ إنما هي مبادرة امتدت في العُمق الزمني إلى فينة تبئيرِ الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- للقضية الفلسطينية بوصفها القضيةَ المركَزية للأُمَّـة وتفعيل شعار الصرخة بما يواكبه من توعية جماهيرية، وثمرة هذه المبادرة اكتسابُ الشعب اليمني الوعيَ الناضج تجاه القضية، مع الإعداد المُستمرّ للمواجهة، وأصبح ذلك أرضيةً قوية للمراحل المستقبلية.

فعند انطلاق عملية (طوفان الأقصى) كان السيد القائد يوجّه عن كثب الخروج الجماهيري لمساندة العملية، مع التحَرّك العسكري ضد العدوّ الإسرائيلي، فلم يكن في حسبان العدوّ دخولُ اليمن بشكل قوي وسريع في خط المواجهة؛ إذ كان يريد أن يستفردَ بغزة، فاختلطت أوراق العدوّ التخطيطية، فتجاوز اليمن عقبة ما افتعله العدوُّ من صراعات داخلية يمنية، هذا التجاوز الذي كان سيحقّقه النظام السوري فيما لو كان بادر، كمبادرات اليمانيين، فالله يقول: {وَليَنصُرَنَّ الَلَّه مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، [سُورَةُ الحَجِّ، ٤٠].

وفي معركة البحر أعد العدوّ الأمريكي والإسرائيلي عدته، وعند العد التنازلي لساعة الصفر، تفاجأ العدوّ باشتباك استمر لساعات؛ مما أفشل تمامًا شن الضربات الشاملة والمكثّـفة على اليمن، وفي فترة متراخية عاود العدوّ المحاولة، وفي لحظة ابتداء العدوّ شنَّ العدوان؛ باغتته القوات المسلحة اليمنية باشتباك حال دون استمرار العدوان، كما خطط له، ومع كُـلّ محاولة عدوان العدوّ الأمريكي والإسرائيلي على اليمن؛ يجد العدوُّ عنصرَ المبادرة اليمانية محبِطًا لمخطّطاته العدوانية.

وفي بَرِّ التربة اليمنية، شكّل القبضُ على خلايا تجسسية تخدمُ العدوَّ خيبة أمل؛ إذ عوّل العدوّ كَثيرًا عليها في المعركة.

إن أهمَّ ثمرة يجنيها اليمانيون هي رضا الله تعالى، بنصر دينه، ثم تتوالى الانتصارات، منها إخفاقُ العدوّ في اليمن من تحقيق أدنى مستوى مما قد حقّقه ضد بقية محور القدس والجهاد والمقاومة، بل تحقّق تنامي القدرات اليمنية في شتى المجالات.

وفي الأخير؛ قال دان كواليك، أُستاذ بجامعة بيتسبرغ الأمريكية: “أعتقد أننا بحاجة إلى المزيد من اليمنيين في العالم! قيل: إن العالم قد تخلَّى عن غزة، نعم؛ أنا أوافق! كلهم إلا اليمن!

اليمنيون سوف يذهبون إلى الجنة.. والبقية منا سوف نحرقُ في الجحيم؛ لأَنَّنا لم نفعل ما يكفي لأجل غزة!”.

وقال لاري ويلكرسون، عقيد في الجيش الأمريكي: “اليمنيون سيغرقون حاملاتِ الطائرات الأمريكية”.

والحق ما شهدت به الأعداء.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com