نائب رئيس هيئة العلوم والتكنولوجيا والابتكار الدكتور عبدالعزيز الحوري في حوار لـ “المسيرة”: الخارطة البحثية تسعى لردم الفجوة بين الأبحاث النظرية والواقع العملي
المسيرة – حاوره إبراهيم العنسي:
في عامٍ مضى تضعُ هيئةُ العلوم والتكنولوجيا والابتكار بصمةً في ميدان التنمية المستدامة بإنجاز الخارطة البحثية للبلد، حَيثُ ارتباط الجانب البحثي العلمي بالاقتصاد وسوق العمل. ومعه استهدافُ الجيل الناشئ ضمن قاعدة التوجيه للاهتمام بالعلوم واكتساب الأسس العلمية والمعرفية المؤهلة للتعامل مع التكنولوجيا، وتطوير مهارات التفكير الإبداعي وحل المشكلات التكنولوجية بطرق إبداعية وتأهيل الطلاب للمنافسة في المسابقات الإقليمية والعالمية.
عامٌ من العمل الدؤوب في حوار مختصر مع نائب رئيس الهيئة الدكتور عبد العزيز الحوري..
إلى نص الحوار:
– بداية.. كيف كانت حصيلةُ العام 2024 لهيئة العلوم والتكنولوجيا في جانب البحث العلمي، فيما يتعلق بالخارطة البحثية ومتطلبات السوق؟
هيئةُ العلوم والتكنولوجيا -ممثَّلةً بقطاع العلوم والبحوث- قطعت شوطًا مهمًّا في مختلف النشاطات المرتبطة بمجال ونطاق صلاحياته وعمله، حَيثُ تم استكمال التعريف بالخارطة البحثية في (24) جامعة حكومية وأهلية في مختلف المحافظات الحرة، كما تم التنسيق مع عدد من المراكز البحثية وتحديد عدد من الدراسات ذات الجانب الاقتصادي والتنموي التي يمكن العمل عليها، كما أن العمل مُستمرّ في إنجاز المرحلة الأولى من مشروع المكتبة الرقمية للعلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى مشروع إنشاء الحاضنة الأولى للمشروعات التكنولوجية.
– ما الذي تقدّمه الخارطة البحثية من تفاصيل ترتبط بمسار التنمية؟
من الجيد التأكيد على أن الخارطة البحثية تسعى لردم الفجوة بين الأبحاث النظرية والواقع العملي وتعزيز التنسيق والترابـط بيـن المؤسّسات التعليمية والبحثية من جهة والوحدات الاقتصادية والإنتاجية من جهة أُخرى، واليوم وَبفضل هذه الخارطة البحثية يتم توجيه البحوث والدراسات نحو الأولويات الوطنية بما يحقّق التطلعات الهادفة إلى تنمية مستدامة على كافة المستويات التي حدّدتها الخارطة للجمهورية اليمنية في قطاعاتها العشرة.
والخارطة البحثية تتضمن قائمة من الأولويات البحثية التي بلغت قُرابةَ 3 آلاف أولوية تتعلق بالغذاء والماء والبيئة والإنتاج والتصنيع والتكنولوجيا والتخطيط والإنشاء والصحة والدواء وبالمسائل التعليمية والتربوية ومعالجة آثار العدوان وإعادة الإعمار.
– إلى أي مدى ترتبط فكرة أولمبياد العلوم والتكنولوجيا التي تتبناه الهيئة بالتصورات المستقبلية لبناء الأجيال؟
يمكن القولُ إننا نعيش في عالم تتسارع فيه التغيرات، وأصبحت فيه التكنولوجيا جزءًا من حياتنا الأَسَاسية، ومن أجل مواكبة هذه التغيرات جاءت فكرة المشروع لتستهدف الجيل الناشئ؛ بغرض توجيه الطلاب إلى الاهتمام بالعلوم واكتساب الأسس العلمية والمعرفية التي تؤهلهم للتعامل مع التكنولوجيا بشكل عملي بدلًا عن الاقتصار على الجانب النظري، وتطوير مهارات التفكير الإبداعي وحل المشكلات التكنولوجية بطرق إبداعية وتأهيل الطلاب للمنافسة في المسابقات الإقليمية والعالمية، كما يساعد مشروع الأولمبياد على اكتشاف المبدعين والمبتكرين والمتميزين من طلبة المدارس؛ مِن أجلِ الاهتمام بهم وتهيئتهم لمستقبل يليق بقدراتهم ومواهبهم من خلال الدعم والتوجيه، وهذا يساعدُ على بناء جيل متسلح بالعلم قادرٍ على الابتكار.
– هذا المشروعُ يستهدفُ طلابَ العاصمة فقط؟
نعم، المشروع يُنفَّـذُ حَـاليًّا في نطاق أمانة العاصمة صنعاءَ كبداية تجريبية ومن ثَمَّ سيتم تعميمُه.
– كيف تم تقسيم مراحل منافسات أولمبياد العلوم والتكنولوجيا لطلاب المرحلة الثانوية؟
المشروع ينقسم إلى مسارين:- المسار الأول: يتمثل في الأولمبياد العلمي ويتضمن ثلاث مراحل في مسار التنافس العلمي من خلال الاختبارات على مستوى المدارس في المرحلة الأولى ومن ثم المناطق التعليمية في المرحلة الثانية واختتاما بالمنافسة على مستوى الأمانة لاختيار الفائزين بالأولمبياد في المرحلة الثالثة والنهائية.
المسار الثاني: هو مسار المشاريع الإبداعية وهي نموذجٌ من المسابقة السنوية الكبرى غير أنها ترتبط بطَلَبة المدارس والمبتكرين الصغار فيها ويتم في هذا المسار تقديم المشاريع عبر منصة الأولمبياد الإلكترونية لتقييمها وإعلان نتائج التقييم والمشاريع المتأهلة، ويُختتَمُ المشروع بتكريم المتأهلين في الأولمبياد وكذلك أصحاب المشاريع المتأهلة، بالإضافة إلى إقامة مَعرِضٍ للمشاريع الفائزة.
– هل هناك تمويلٌ وتنفيذٌ لابتكارات الباحثين والتقنيات الحديثة المتعلقة بالجانب الزراعي، الصناعي، مجالات أُخرى؟. وما الصعوبات التي تواجه الهيئة؟
البحث العلمي يمثل أَسَاسَ التقدم والتطور في جميع المجالات؛ فهو المحرك الأَسَاسي للابتكار ومفتاح التغيير الإيجابي في المجتمعات، كما أن الإنفاق على البحث العلمي ليس مُجَـرّد تكلفة، بل هو استثمار على المدى الطويل ويحقّق عوائد كبيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي؛ فالبحث العلمي يفتح الباب أمام اكتشافات واختراعات جديدة تُسهم في تحسين جودة الحياة ويزيد من قدرة الدول على المنافسة في الأسواق العالمية من خلال تطوير منتجات وخدمات مبتكرة، الأمر الذي يؤدي إلى خلق صناعات جديدة وتحقيق نمو اقتصادي للبلد، كما يقدم البحث العلمي حلولًا مستدامة للمشكلات البيئية والاجتماعية التي تواجه العالم، ويُسهم في تطوير المؤسّسات التعليمية وتحسين جودة التعليم، بالإضافة إلى ذلك يمكن للبحث العلمي أن يُسهم في تطوير التكنولوجيا العسكرية والأمنية لضمان حماية الدول ويُقلِّلُ من الاعتماد على التقنيات المستوردة من الخارج؛ مما يعزز الاستقلاليةَ الوطنية.
خلاصةُ القول أَنَّ الدولَ التي تستثمرُ بشكل كبير في البحث العلمي تتمتع باقتصاديات قوية وقدرة تنافسية عالية؛ لأَنَّ الإنفاق على البحث العلمي ضرورة ملحة لتحقيق النمو الشامل والمستدام فهو لا يُسهم فقط في حَـلّ المشكلات الحالية، بل يُمهِّدُ الطريق لمستقبل أفضل للأجيال القادمة، ولعلنا لا نبالغ إذَا قلنا إن الاستثمار في البحث العلمي هو استثمار في مستقبل البشرية، وفي هذا السياق قامت الهيئة بإعداد مسودَّة قانون لإنشاء صندوق خاص بدعم البحث العلمي والابتكار يُخصَّصُ له مبدئيًّا (0.5 %) من الدخل القومي لليمن لكنه لم يرَ النور حتى الآن.
– ماذا عن توزيع المجفِّفات الشمسية في مناطق الإنتاج الزراعي، حَيثُ أنتجت الهيئة عددًا لا بأس منها؟
لا نزال ننسق مع الجهات المعنية في وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية لإنتاج كميات مناسبة من المجففات بناء على طلبهم أَو طلب الجمعيات الزراعية؛ ولدينا الاستعداد الكامل لتلبية الاحتياج في أي وقت، وهذا المشروع له أهميّة كبيرة ويلبي احتياج شريحة واسعة من المجتمع اليمني وخَاصَّة المزارعين، حَيثُ يتيح لهم هذا المشروع بيع محاصيلهم بأسعار أفضل خَاصَّة إذَا زاد المعروض في موسم الإنتاج كما يفتح المجال أمام توطين الصناعات المحلية وتوفير نسبة من مدخلات الإنتاج في غير الموسم، وتعمل الهيئة حَـاليًّا على تطوير المجفف الشمسي من خلال استكمال عملية البحث العلمي وإجراء التجارب على صنوف متعددة من المحاصيل الزراعية والغذائية المختلفة.
– ما جديد مشروع الأفران الشمسية؟
الفرن الشمسي هو مشروع نوعي ذو أهميّة كبيرة وقد اتجهنا في الهيئة لدعمه منذ كان فكرة على الورق؛ فقدمنا الدعم المادي والتقني والعلمي حتى أصبح جاهِزًا ودشّـنا إنتاج أول فرن يعمل بالطاقة الشمسية في اليمن في العام الماضي، وقد تم مخاطبة عدد من الجهات الرسمية ذات العلاقة بالمشروع سواء في الإنتاج أَو الاستخدام؛ للتعاون معها والمساهمة في تقليل فاتورة التشغيل للأفران العادية وتحويلها إلى أفران شمسية ولا زلنا ننتظر ردودهم إلى الآن، وحَـاليًّا يتم العمل على تطوير الأفران للوصول مستقبلًا إن شاء الله إلى أفران منزلية تعملُ بالطاقة الشمسية.
– المشاريع الزراعية والتنموية التي سيتم تمويلها من وحدة تمويل المشاريع والمبادرات الزراعية والسمكية.. إلى أين وصلت؟
تم توقيع مذكرة تفاهم وَتعاون مع الوحدة وتم تشكيل فريق من الجانبين، على أن يتم ترشيح المشاريع المناسبة من جانبنا والتي تحتاج للدعم بموجب المجالات التي تحدّدها الوحدة، ولدينا في هذا الجانب عدد من المشاريع المرتبطة بالمجال الزراعي وقد قطعت الهيئة شوطًا كَبيرًا في تنفيذ المرحلة الأولى منها، ومنها على سبيل المثال استكمال تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع تصنيع الصوامع البلاستيكية لتخزين الحبوب والبذور والمحاصيل الزراعية، ويحتاج المشروع للتمويل في المرحلة الثانية منه، ولدينا قائمة بعدد من المشاريع التي يمكن تنفيذها بالتعاون مع الوحدة.
– دراسة إنشاء معمل تحضير الأسمدة والمبيدات للإصلاح الزراعي، هل تم إنجازها؟
تم الاتّفاق مع وحدة تمويل والمبادرات الزراعية والسمكية بالأمانة على تمويل إنشاء معمل أَو مختبر لتحضير المدخلات الزراعية مثل الأسمدة والمبيدات، وقد تم استكمال الدراسة وسيتم تقديم الدراسة إلى الوحدة خلال الأيّام القادمة بإذن الله، ونرجو من الوحدة استكمال إنشاء المعمل بحسب محضر الاجتماع ونحن على استعداد لتوفير الدعم الفني والعلمي اللازم.
– التحضير للمسابقات السنوية للعام السابع على التوالي.. ما إمْكَانيات إقامة مسابقة هذا العام تلفزيونية؟
لا يزال التحضيرُ جاريًا لإقامة المسابقة بدعم رسمي وقد التقى الأخ رئيس الهيئة مع الأخ رئيس الوزراء بعد التغييرات التي تم بموجبها نقل الهيئةُ من رئاسة الجمهورية إلى وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي، وأبدى دعمًا كَبيرًا للمسابقة وإن شاء الله سنكمل هذا الموسم في الموعد المحدّد، وقد استكملنا إلى الآن مرحلة التسجيل وستبدأ لجانُ التقييم عملها خلال الأيّام القادمة بإذن الله.
– فيما يتعلق بتحديد التقنيات القابلة للنقل والتوطين.. إلى أين وصلتم؟
لدينا مشروع في هذا الجانب يقوم بدراسة وتحديد التقنيات القابلة للتوطين في مجالات ذات أولوية كالطاقة والميكنة وتكنولوجيا الاتصالات والصناعات الكيميائية، من خلال دراسة جدوى التوطين وتوفر المواد الخام وأهميّة التوطين وغيرها من الجوانب التي نستطيع من خلالها تحديدَ أهم التقنيات التي نحتاج إلى توطينها في اليمن، وبعد اكتمال تحديدها سيتم التنسيقُ لبدء تنفيذها بحسب الأولوية مع الجهات ذات العلاقة.
– ما هي الأولويات الوطنية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة؟
بدأنا في الهيئة بتحديد الأولويات الوطنية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة بشكل عام، بمشاركة مجموعة جهات ومن ضمنها وزارةُ الاتصالات وتقنية المعلومات وشركاتُ الأدوية والوحدات الإنتاجية والصناعية، وكل جهة حدّدت أولوياتها وحدّدنا المجالاتِ وتضمنت مجموعةً في الطب والكهرباء والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والكيمياء المدَنية والسموم (المبيدات) والأدوية والأشعة، وقامت كُـلُّ جهة بتحديد أولوياتها وتقسيمها إلى فئات عاجلة وتحتاجُها المرحلة، وعاجلة ولا تحتاجها المرحلة، وغير عاجلة، وبعد ذلك تم تفريغ البيانات إلى جداول خَاصَّة وتحليلها واقتراح التوصيات اللازمة بناء على تحديد الجهات.
كما تم تحديدُ الاستراتيجية الخَاصَّة بالإدارة العامة للتكنولوجيا المتقدمة بحيث تضم خطة مرحلية ومتوسطة وتحديد المشاريع التي ستقوم الإدارة بتنفيذها، واقتراح بنك للمشاريع الخَاصَّة بالإدارة على المديَّين المتوسط والبعيد.
أيضًا تم البدءُ في مشروع الأطراف الصناعية وإمْكَانية إدخَال التكنولوجيا المتقدمة إليها والعمل جارٍ على استكمال المشروع.
– أخيرًا ما جديد الأسبوع العلمي المرتبط بطلاب اليمن؟
الاستعداد جاهز للأسبوع العلمي والذي سيتضمن مئات الأنشطة والفعاليات في مختلف المدارس والمعاهد والكليات والجامعات في كافة محافظات اليمن، وننتظر قرارًا رسميًّا لإطلاقه؛ كونه سيكون حدثًا سنويًّا على مستوى اليمن.