معركة الطوفان وآياتُ النصر

زياد الحداء

انتهت جولة من الحرب أخيرًا بانتصار لم يكن أحد يتوقعه حتى المجاهدين بأنفسهم.

بعد كُـلّ ذلك الدمار والإبادة وما امتلكه العدوّ من كُـلّ مقومات القوة المادية والالتفاف من قوى دولية مساندة ومشاركة مباشرة، كان الانتصار الذي تحقّق بأضعاف كُـلّ ذلك الحشد والقتل والإبادة والنفاق والصمت والسكوت.

لقد كانت معركة كبرى بل إنها من أعظم المعارك في تاريخ الصراع بين الإسلام والكفر وفيها تحقّقت للأُمَّـة -بالرغم من التضحيات التي قدمتها- إنجازات ما كانت لتحدث لولا رعاية الله ومعونته ونصره وشدة بأس القيادة وقوتها وثبات المجاهدين المؤمنين الصادقين.

لقد ظهرت قوة الإسلام كدين لا يقهر ولا يمكن لاحد أن يغلبه مهما كانت قوته فهو مؤيد ومنصور من الله إذَا ما وجد الرجال الصادقين والذين شاهدنا جميعًا صدقهم في أول عملية تبادل للأسرى، حَيثُ ظهر أُولئك الأبطال الفلسطينيين ليبددوا كُـلّ ما فعله العدوّ من قتل ودمار -وهو يسعى إلى كسر عزيمة وإرادَة الأُمَّــة بذلك- ليظهر أنه أضعف من أن يكسر بضعة كتائب فعلت به الأفاعيل في صباح ذلك السبت، بضع ساعات قتل قرابة ٣ آلاف من جنوده وأسر قرابة ٢٥٠ أسيراً ظل بعدها طيلة ١5 شهراً يركض وراءهم كمن يدور في صحراء لا نهاية لها ولم يستطع الوصول إليهم بالرغم من كُـلّ ما يملك، في مقابل ضعف إمْكَانات المجاهدين وضيق المساحة الجغرافية وحجم الدعم العسكري والاقتصادي والحماية السياسية وكل ما يسهل له تحقيق ذلك في أقل من أسبوع، وفي هذا وحده هزيمة كبرى منكرة للكيان وإسقاط النظرة المغلوطة عنه في أوساط أُمَّـة الإسلام.

وكما هي هزيمة مدوية للكيان اللقيط فهي هزيمة كبيرة للصهيونية العالمية كمشروع كبير يستهدف البشرية، وخسارة كبرى يعرف الكثير حقيقتها ويتحدث الكثير من خبرائهم عن مدى خطورة بروز قوة مضادة لهم في الشرق الأوسط -كما يقولون- كما يحصل في اليمن.

فهي خسارة كبيرة أن تفقد أمريكا والغرب هيمنتها في منطقة تعتبرها أهم منطقة تعتمد عليها قوتها وترتكز عليها كامل الهيمنة؛ فمنها تحصل على الثروات والإمْكَانيات التي تبني بها إمبراطورية القوة وفيها ومنها تنطلق للعربدة في العالم بكله ومن خلالها تعمل على محاربة الشعوب وخنقها والتأثير عليها وإذلالها لمصالحها، ومن ضمنها وعلى رأسها الأُمَّــة العربية التي تستفيد أمريكا جِـدًّا من ثرواتها ومن قوتها البشرية ومن موقعها، ولكن خلال هذه المعركة وقع الفأس في رأس أمريكا والصهيونية ككل.

فجاء من جنوب شبه الجزيرة يومها الأسود الذي حطم فيه أولو البأس اليماني الشديد والإيمَـان الراسخ هيبة الشيطان الرجيم ورأس الكفر، بل وجعلوها تحت أقدامهم الحافية، وجعلوا من الجيش الأمريكي أضحوكة بعد أن كان عصا القدر التي لا ترد عن أحد متى ما رُفعت عليه، لكن اليمنيين كسروها قبل أن ترفع حتى، وبقي هو يبحث عن جلاكسي ليدر كما بقي الصهاينة في غزة يبحثون عن الأسرى، بل الأكثر بلاء أنه خسر تواجده في البحر الأحمر.

ولم تكن الخسارة كذلك بل الخسارة الاستراتيجية تكمن في التبعات وتحمل الويلات؛ فالخسارة الاقتصادية المتمثلة بخسارة ممر تجاري بحجم باب المندب وإسقاط هيبة السلاح الأمريكي المطلوب عالميًّا وما يمكن أن يحصل من تدهور الاتّفاقيات الاقتصادية تعطي دلالة كبرى لمدى تلك الهزيمة.

كما أن العدوّ بعدما حدث سيفكر ألف مرة في أية خطوة قد يقدم عليها ضد هذه الأُمَّــة فقد كسرت نفسية الغطرسة والاستعلاء التي تجعله يتمادى ويضرب حيثما أراد دون أن يحسب حساباً لأحد فالحالة قد تغيرت بالنسبة للأُمَّـة في وضعيتها إلى حالة التصدي والمواجهة وكسرت حاجز الصمت الذي كان يسيطر عليها.

فما حدث هو نصر كبير للأُمَّـة يعيد لها مكانتها بحكم ما هي عليه من عزة في دينها وتمكّن في موقعها وثراء في مواردها، وهو ضربة كسرت رأس أعداء الإنسانية وأعداء الأُمَّــة بشكل خاص وجعلتهم في حالة من الذهول من المشهد وانهيار وتخبط من حجم الصفعة التي تلقوها وخزي أمام العالم بهزيمة منكرة بعد تلك الغطرسة التي فعلوا ((قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com