هزيمة البحر الأحمر تطاردُ البحرية الأمريكية: ما بعد انهيار أدوات وتكتيكات “الردع”!
المسيرة | ضرار الطيب:
لا زالت تداعياتُ الهزيمة المدوية والتأريخية أمام جبهة الإسناد اليمنية لغزة تطارد البحرية الأمريكية وتضاعف الضغوط عليها على مختلف المستويات، بما في ذلك التكاليف، حَيثُ اضطرت الولايات المتحدة إلى إجراء تعديلات واسعة ومكلفة لأنظمة السفن الحربية التابعة لها على أمل مواكبة التحديات الكبيرة وغير المسبوقة التي فرضتها الأسلحة والتكتيكات اليمنية في معركة البحر الأحمر، على أن الضغط لا يقف عند هذا الحد، حَيثُ يمتد إلى المستقبل مسبقًا، واضِعًا الأمريكيين أمام صعوبة الانتصار في أية مواجهة بحرية قادمة مع الخصوم والمنافسين.
تعديلاتٌ واسعة ومكلفةٌ لأنظمة القتال البحرية:
مع وقفِ إطلاق النار في غزة وتوقُّف العمليات البحرية اليمنية المساندة لغزة وفقًا للمحدّدات التي أوضحها مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية لشركات الشحن، بدأت البحرية الأمريكية بإجراء تعديلات وتحديثات واسعة ومكلفة للغاية لأنظمة السفن الحربية التابعة لها، على ضوء التحديات التي فرضتها معركة البحر الأحمر والتي كشفت عن نقاط ضعف وعيوب كبيرة في أدوات وقدرات وتكتيكات الجيش الأمريكي، بما في ذلك المدمّـرات وحاملات الطائرات، الأمر الذي مثَّلَ امتدادًا للهزيمة المدوية وتأكيدًا على أنها كانت هزيمة استراتيجية كبرى ناجمة عن تفوق واضح للقوات المسلحة وليس عن “تردّد” من جانب الولايات المتحدة كما تحاول بعضُ وسائل الإعلام الأمريكية تصويرَها.
وفي هذا السياق أعلنت شركة “بي إيه أي سيستمز” العسكرية الأمريكية، الأسبوع الماضي، عن إبرام صفقة مع البحرية الأمريكية بقيمة 70 مليون دولار؛ وذلك فقط لتحديث المدافع الخَاصَّة بالسفن الحربية الأمريكية، والتي تُستخدَمُ عادةً كخَطِّ دفاع أخير بعد فشلِ الدفاعات الصاروخية متعددة الطبقات.
ووفقًا لبيان نشرته الشركة على موقعها الرسمي فَــإنَّ التحديثاتِ ستطالُ أنظمةَ المدافع (إم كيه 45) مقاس خمس بوصات والمعدات المساعدة لهذه الأنظمة؛ مِن أجلِ ترقيتها إلى المستوى الرابع الذي سيتضمن “ماسورة عيار 62 وحامل مدفع معزَّز ميكانيكيًّا، مع نظام تحكم رقمي كامل يدمج بسهولة بيانات الاستهداف والتحكم في إطلاق النار”.
ولم تُخْفِ الشركة الدافع وراء حاجة البحرية الأمريكية إلى هذه التعديلات، حَيثُ قال نائب رئيس أنظمة الأسلحة في الشركة، برنت بوتشر، إن هذه الخطورة تأتي “بعد الأحداث التي شهدها البحر الأحمر العام الماضي والتي أكّـدت على أهميّة وجود أنظمة حديثة للقوة النارية على سفن البحرية الأمريكية” وهو ما يعني أن معركة البحر الأحمر قد كتبت نهاية أنظمة المدافع التي كانت السفن الحربية الأمريكية تعتمد عليها وتعتبرها متطورة ومتقدمة.
ويعتبر هذا نموذجًا لتداعيات واسعة خلقتها معركة البحر الأحمر في هذا السياق، حَيثُ كان موقع المعهد البحري الأمريكي قد نشر مؤخّرًا تقريرًا كَشَفَ عن مشروع جديد لتحديث أنظمة القتال والحرب الإلكترونية للمدمّـرات الأمريكية بتكلفة 17 مليار دولار.
ونقل الموقع عن ضابط في البحرية الأمريكية قوله: إن هذا المشروع سيتضمن استبدال رادارات المدمّـرات من طراز (سباي-1) بأُخرى من طراز (سباي-6) وترقية نظام (ايجيس) القتالي الرئيسي الذي تعتمد عليه المدمّـرات الأمريكية، بالإضافة تعديلات أُخرى، وهو ما يعني بوضوح أن القدرات الرئيسية التي كانت البحرية الأمريكية تعتبرها متطورةً وحاسمةً قد تحوَّلت إلى “تقليدية” وقديمة وقليلة الجدوى بشكلٍ مفاجئ؛ بسَببِ الواقعِ الجديدِ الذي صنعته العملياتُ البحرية اليمنية على مستوى الأدوات والتكتيكات.
وفي سياق متصل، ذكر موقع “قيادة الأنظمة البحرية” التابع للبحرية الأمريكية مؤخّرًا أن الأخيرة تعمل على مشروع آخر لإجراء تعديلات في أنظمة القتال التابعة للسفن القتال السطحية من فئة (فريدوم)، وذلك من خلال إدخَال منظومة صواريخ “هيلفاير” الموجهة بالرادار للتصدي لتهديدات الطائرات بدون طيار.
وقد نقل الموقع عن مدير برنامج هذا المشروع الكابتن ماثيو ليمان قوله: إنَّ “الأحداث الأخيرة في منطقة مسؤولية الأسطول الخامس للولايات المتحدة تؤكّـد على أهميّة تجهيز سفننا الحربية بالأنظمة الحديثة لإبقاء التهديدات الناشئة تحت السيطرة” في إشارة واضحة إلى معركة البحر الأحمر.
وأشَارَت مواقع أمريكية مختصة بالشؤون الدفاعية والعسكرية إلى أن هذا التحديث يأتي أَيْـضًا بدافع البحث عن بدائل أرخص لمنظومات الصواريخ الدفاعية المكلفة التي استنزفتها معركة البحر الأحمر، مشيرة إلى أن تكلفة الصاروخ الواحد من طراز “هيلفاير” أقل من تكلفة صواريخ (إس إم – 2، و3، و6) التي تتراوح تكاليفها بين 2.3 مليون دولار إلى حوالي 30 مليون دولار للصاروخ الواحد، حسب النوع.
وذكر موقع “ذا وور زون” العسكري أَن هذا الخطوة جاءت “كاستجابة مباشرة للمخاوف بشأن تهديدات الطائرات بدون طيار الحوثية على السفن الحربية الأمريكية العاملة في البحر الأحمر وحوله” مُشيرًا إلى أن شركة (لوكهيد مارتن) الأمريكية العملاقة لصناعة الأسلحة، عرضت مؤخّرًا نماذج لمدمّـرات من فئة (آرلي بيرك) مجهزة بقاذفات صواريخ “هيلفاير” أَيْـضًا وهو ما يعني أن هذا المشروع قد يطال المدمّـرات أَيْـضًا.
تداعيات الهزيمة تطارد أمريكا إلى المستقبل:
وإلى جانب ما تحمله هذه التعديلات والتحديثات الواسعة والمكلفة من دلائلَ واضحةٍ على هزيمة البحرية الأمريكية، وقدرة القوات المسلحة اليمنية على تجاوز الأنظمة القتالية المتطورة للسفن الحربية الأمريكية إلى حَــدّ إجبارها على التخلي عن تلك الأنظمة بسرعة والبحث عن بدائل، فَــإنَّها تشير أَيْـضًا إلى أن خيارات الولايات المتحدة للتعافي من تلك الهزيمة محدودة وغير مضمونة، فبحسب بيان شركة (بي إيه أي سيستمر) الأمريكية فَــإنَّ تحديث أنظمة مدافع السفن الحربية لن يكتمل قبل نهاية عام 2028، فيما تشير التقارير الأُخرى إلى أن المدمّـرات الحربية ستحصل على التعديلات الجديدة لأنظمة القتال الخَاصَّة بها على عدة مراحلَ، وبالإضافةِ إلى التكاليفِ الكبيرةِ فَــإنَّ الوقتَ الطويلَ اللازمَ للتحديثات يعني عدمَ القدرة على مواكبة التحدياتِ المتصاعدة التي فتحت معركَةُ البحر الأحمر أبوابَها بشكل مفاجئ؛ فحتى اكتمالُ التعديلات سيكون أعداء الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم القوات المسلحة قد توصلوا على الأرجح إلى تقنياتٍ وأساليبَ ربما تجعل تلك التعديلات بلا فائدة.
هذا ما تؤكّـده أَيْـضًا تقارير أمريكية نشرت خلال الأيّام الماضية وتحدثت عن تداعيات معركة البحر الأحمر على مستقبل أية مواجهة بحرية ستخوضها الولايات المتحدة ضد خصوم آخرين، مثل الصين، حَيثُ ذكر مركَـــزُ “الأمن البحري الدولي” للأبحاث، والذي تم تأسيسُه في الولايات المتحدة، أن الكميةَ الكبيرةَ من البيانات والمعلومات التي وفَّرتها معركةُ البحر الأحمر حول قدرات وعيوب السفن الحربية الأمريكية وأنظمتها الصاروخية والقتالية “الحاسمة” من شأنها أن تساعد خصوم الولايات المتحدة، وعلى رأسهم الصين، في تطوير قدراتهم وتحسين أساليبهم للتفوق على البحرية الأمريكية في أية مواجهة قادمة.
وفي سياق متصل أَيْـضًا نقل موقع “ذا وور زون” العسكري الأمريكي عن ضُبَّاطٍ نشطين ومتقاعدين في البحرية الأمريكية قولهم إن معركةَ البحر الأحمر “كانت بمثابة اختبار ضغط رئيسي لأسطول يستعد للحرب مع الصين” مُشيرًا إلى أنها كشفت عن مشاكل في “استنزاف الذخائر المحدودة” وأظهرت “المزيد من أوجه القصور في القاعدة الصناعية الدفاعية”.
ونقل الموقع عن جان فان تول، وهو قائدُ سفينة حربية متقاعد قوله: “إن صواريخ أرض-جو باهظة الثمن، والتي تستغرق وقتًا طويلًا لشرائها وبنائها، استخدمت بانتظام ضد طائرات بدون طيار هجومية رخيصة نسبيًّا تابعة للحوثيين” مُشيرًا إلى أن “معدلاتِ الإنفاق على الذخائر الموجهة سوف تكونُ أسوأ كَثيرًا في القتال ضد الصين”.
وأضاف: “إن كثافةَ الغارات التي سيشُنُّها جيشُ التحرير الشعبي الصيني ستكونُ أعلى بكثير؛ لذلك سوف ينفد مخزون صواريخ السفن البحرية بسرعة” مُضيفًا أن “السفنَ الحربية الأمريكية سوف تضطر إلى الانسحاب إلى مواقع إعادة التسليح بعيدًا عن القتال”.
وقال إنه “في حربٍ شديدةِ الشدة مع الصين، سوف يتم استنفاد صواريخ أرض-جو والأسلحة الأُخرى بسرعة، وقاعدة الصناعة الدفاعية الأمريكية لديها قدرة إنتاجية ضئيلة نسبيًّا مقارنة بالاحتياجات”.
ونقل الموقع أَيْـضًا عن برادلي مارتن ضابط الحرب السطحية المتقاعد قوله إن من بين الدروس التي يمكن للبحرية أن تتعلمها من البحر الأحمر، هي المخاطر المرتبطة بتواجد حاملات الطائرات في منطقة نيران أسلحة الخصم، مُشيرًا إلى أن “هذه المخاطر ظهرت بوضوح الشهر الماضي، عندما أسقط الطراد (يو إس إس جيتيسبيرج) عن طريق الخطأ طائرة (إف/إيه-18 سوبر هورنت) أثناء هجوم حوثي مُستمرّ على حاملة الطائرات (يو إس إس هاري إس ترومان)”.
وأكّـد أنه مهما كانت الدروسُ التي وفَّرتها معركةُ البحر الأحمر، فَــإنَّها “جاهزيةُ” البحرية الأمريكية تُستنزَفُ بلا شك.