تحالف الشياطين: من صفعة القرن إلى صفقة التهجير

 

د. شعفل علي عمير

يتجلى المشهدُ السياسي في المنطقة اليوم عبرَ شبكة من العلاقات بين السعوديّة والإمارات من جهة، و”إسرائيل” والولايات المتحدة من أُخرى، حَيثُ تبدو هذه التحالفات وكأنها ترسم ملامح جديدة لشرق أوسط مختلف، ابتداءً من “صفقة القرن” وُصُـولًا إلى ما بات يُطلق عليه “صفقة التهجير”، تظهر هذه المخطّطات وكأنَّها تسعى لإعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية للمنطقة بمعزل عن حقوق شعوبها التاريخية، لتصب في نهاية المطاف لصالح أجندات قوى أكبر ذات طموحات توسعية.

يبدو التعاون بين بعض القوى العربية وخصوم الأُمَّــة التقليديين بمثابة تجاهل لمصالح الأُمَّــة، بل وخيانة حقيقية تنعكس في تناقضات صارخة بين الشعارات المعلَنة والنوايا المُبطنة التي لا تخلو من الحسابات الضيِّقة والرؤى قصيرة الأفق وفيما يتعلَّقُ بالدعم الاقتصادي والاستثماري، يتضحُ أن السعوديّة والإمارات تنغمسُ في استثماراتٍ ضخمةٍ تستهدفُ الولايات المتحدة وحلفاؤها، في الوقت الذي يعاني فيه المواطنُ العادي في تلك الدول ظروفًا معيشيةً صعبة.

المملكة، على سبيل المثال، تُنفق مئات المليارات على استثمارات خارجية بينما يعاني الكثير من مواطنيها في الحصول على مسكن خاص أَو حياة كريمة، وهو مؤشر مؤسف على الأولويات الحاكمة التي تغلّب المصالح الخارجية على احتياجات الداخل، على صعيد آخر، يطفو على السطح دور السعوديّة والإمارات والبحرين في ملف تهجير الفلسطينيين، لا سِـيَّـما سكان غزة، هذا الدور يتخذ صفة محورية في إطار محاولات إعادة توزيع السكان الفلسطينيين وتغيير المشهد السكاني لقطاع غزة.

“صفقة التهجير” قد تبدو للكثير محض شائعة أَو مبالغة، ولكن تداعياتها تشير إلى إعادة توازن قوى مخطّط لها بدقة، في فترة حكم ترامب، ظهرت استراتيجيات خارج السياق العسكري التقليدي، يحاول من خلالها أطراف عدة إعادة تشكيل الواقع السياسي لصالحهم، بغض النظر عن التبعات الإنسانية أَو المصلحة الوطنية للأُمَّـة.

إن الخطط تدور حول مشاريع مُغلّفة بذرائع إعادة الإعمار والتنمية، بينما يختبئ خلفها ترتيبات تهدف إلى نقل الفلسطينيين إلى دول مجاورة كالأردن ومصر، في خطوة منهجية لضمان السيطرة الكاملة لـ “إسرائيل” على القطاع وتحقيق حلمها في إقامة دولة “إسرائيل” الكبرى، رغم ذلك فَــإنَّ السعوديّة والإمارات لم تكتفِ بتقديم الدعم المالي فقط، بل أصبحتا شريكًا فاعلًا في مخطّطات سياسية تستهدف تفكيك النسيج الفلسطيني وفرض واقع جديد يخدم الأطماع الإسرائيلية، وكلّ ذلك يجري في ظل تعتيم إعلامي ومحاولة منع الشعوب العربية من إدراك حجم هذه التحَرّكات وتأثيراتها المستقبلية الكارثية ليس على القضية الفلسطينية فحسب، بل على الأُمَّــة العربية أرضًا وإنسانًا وكذلك على طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، ومن الملاحظ أَيْـضًا أن التحالف بين السعوديّة والولايات المتحدة، بعيدًا عن كونه مُجَـرّدَ اتّفاقٍ سياسي أَو اقتصادي، بل يتجلَّى كتحالف يخدُمُ مصالحَ ضيقةً وأيديولوجيات متطرفة، دونَ احترام للحدود الدنيا للمصالح الوطنية أَو للقيم الإنسانية، والصفقات العسكرية التي تُبرَم بمئات المليارات من الدولارات تأتي على حساب حياة الأبرياء في اليمن وفلسطين؛ مما يزيد مأساة الأوضاع الإنسانية، وسط فساد وتجبر النخب الحاكمة في تلك الدول المطبِّعة.

إننا نشهد اليوم واقعًا مأساويًّا، حَيثُ يدفع الأبرياء ثمن هذه التحالفات الظالمة، فيما يتوارى زعماء العالم عن محاسبة أنفسهم على ما اقترفوه من ظلم ضد شعوب بكاملها؛ ففي كُـلّ قنبلة تُلقى على رؤوس الأبرياء، وفي كُـلّ طلقة رصاصة تستهدف الأطفال والنساء، تتجلى ملامحُ هذا التحالف الشيطاني وتتضِحُ نواياه الخبيثة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com