محطَّاتٌ خالدةٌ من حياة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (ح3)

المسيرة- محسن الشامي:

في ولاية جورجيا الأمريكية يُعقَدُ اجتماعٌ يضُمُّ الدولَ الثمانيَ الصناعيةَ وخلافُ المعتاد يحضُرُ هذا الاجتماعَ الرئيسُ اليمني دونَ أن يعرفَ أحدٌ المغزى والهدفَ من هذا الحضور إلا الله وزعماء تلك الدول ومن يسير في فلكهم في المنطقة، ولم تكن التسريبات التي تحدث عنها الإعلامُ واللقاءات المشبوهة من قبل المخابرات الأمريكية بكل أنواعها ومسؤولي مكافحة الإرهاب حول السيد حسين والمسيرة القرآنية بالشكل الذي يكشفُ حقيقةَ هذا الحضور المشبوه للزعيم اليمني، حَيثُ لم يكن بالحسبان أن يرتكبَ الرئيسُ اليمني مثلَ هذه الحماقة بهذه السهولة ولكنه حدث ما لم يكن يتوقعُه أيُّ محلل سياسي، حَيثُ عاد علي صالح بقرارِ الحرب الظالمة.

 

دورُ علماء البلاط:

وكما هي عادةُ علماء البلاط والتكفيريين فقد أفتوا بكفرِ السيد حسين ووجوب قتاله والوقوف إلى جانب السلطة الظالمة.

 

رسائلُ التهديد والوعيد:

بدأت رسائلُ التهديد والوعيد تتوالى على السيد حسين من جهة الطاغية علي عبدالله صالح، وكلها كانت تتوعَّد السيد حسين بأنه لا بد أن يتخلى عن شعار [الموت لأمريكا الموت لإسرائيل] وما ترافق معه من التربية القرآنية أَو سوف يسلِّط عليه من لا يرحم ويقصد بذلك المجرم الدموي علي محسن الأحمر المعروفِ بولائه لأمريكا وإدارة بعض حروبها الدموية، إلا أن السيد حسين كان أكبرَ من تهديداتهم وثقته الكبيرة بالله جعلته قويًّا في مواجهةِ التحديات؛ فلم تهزه التهديدات ولم يثنِه الوعيد بل ازداد إيمانًا ويقينًا وثباتًا على مبدئه، ومع ذلك كان السيد حسين حريصًا كُـلَّ الحرص على أن يفهمَ الجميعُ صحةَ موقفِه وأن هذا العمل هو العمل الوحيد الذي سينقذُ البلدَ من مؤامرات الأمريكيين، وكان يؤكّـد للرئيس أنه ليس في صالحه أن يقدم نفسه عبارةً عن مدير قسم شرطة لدى الأمريكيين، وأكّـد له بأنه إن فعل ذلك فلن يكون مصيره أقلَّ من مصير شاه إيران وعرفات وصدام حسين وغيرهم من الزعماء الذين ضحّوا بشعوبهم إرضاءً لأمريكا فجازتهم بالتنكر لكل أعمالهم وتخلت عنهم وضربتهم في الوقت الذي قد كرهتهم شعوبهم.

 

محوريةُ القضية الفلسطينية في ملازم الشهيد القائد:

أولى الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) القضية الفلسطينية اهتمامًا بالغًا ولا نبالغُ إن قلنا إنها أخذت حَيِّزًا كَبيرًا في مشروعه القرآني الإحيائي، انطلاقًا من محورية القضية ومركَزيتها وأهميتها في كونها قضيةَ الأُمَّــة الأولى والرئيسية، وَما يمثِّلُه المسجدُ الأقصى من مكانة إسلامية مقدَّسة كثالث الحرمين الشريفين، إضافةً إلى مظلومية الشعب الفلسطيني العربي المسلم التي تعد الأكبرَ والأطول، بل إن الاهتمامَ بالقضية الفلسطينية كما قدَّمَها الشهيدُ القائدُ تُعتبَرُ المِحَكَّ والمعيار الأَسَاسي في النضوج الثقافي والفكري والوعي الديني.

 

أبعادُ الثورة القرآنية:

السيد حسين -رضوان الله عليه- بثورتِه الفكرية الثقافية الشاملة قاد أعظمَ ثورة على الثقافات المغلوطة والعقائد الباطلة التي تؤسس وتشرِّعُ للطغيان والظلم ثار على الثقافات المنحرفة التي أوصلت المئات من الطواغيت إلى سدة الحكم وهَيَّأت لهم الساحة ليحكموا الأُمَّــةَ بالقهر والغلبة، هذه الثورة هي الثورة الحقيقية الثورة الناجحة والمحصَّنة من أية اختراقات؛ فلا أمريكا ولا غيرها قادرة أن تخترق مثل هذه الثورة، ثورة اتجهت إلى بناء أُمَّـة لا تقبَلُ بالطواغيت ولا تنخدع بهم ثورة تجعل الأُمَّــة تعرف من يحكمها وفق معايير قرآنية، ثورة لا مكان فيها لتلك الأفكار المنحرفة التي أوصلت المجرمين إلى سدة الحكم ليتحكموا على رقاب الأُمَّــة الإسلامية عبر تاريخها الطويل مهَّدت الطريقَ أمامهم ليصعدوا على أكتافها ويسوموها سوءَ العذاب حتى وصل بهم الأمرُ في هذه المرحلة إلى أن يبيعوا كرامةَ وعزةَ وشرفَ وحرية وثروات شعوبهم من أعداء هذه الأُمَّــة أمريكا و”إسرائيل” وأن يتآمروا على شعوبهم وأن يسخروا أنفسهم ليكونوا أدوات قذرة لخدمة أعداء هذه الأُمَّــة في ضرب شعوبهم وإذلالها وقهرها.

 

المشروع القرآني للشهيد القائد.. رؤيةٌ نهضوية ومشروعٌ عالمي شامل:

حَدَّدَ المشروعُ القرآني للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي مساراتٍ واضحةً للنهضة بالأُمَّةِ وإنقاذها من الأفكار الخاطئة والعقائد الباطلة، ووضع أُسُسًا حكيمةً على ضوء القرآن الكريم؛ لتفعيل الجانب العملي على مختلف المجالات. ويعتبر المشروع القرآني واسع الأفق وعالمي النظرة، ورؤيته وخلفيته الثقافية الشيء الأَسَاسي فيه؛ لذلك نجد هذا المشروع يتوافق مع من وصفهم الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- بأهل الإيمَـان والحكمة، وقد التفوا حول هذا المشروع العظيم؛ كونه يتلاءم مع فطرتهم وهُــوِيَّتهم الإيمَـانية.

لقد استطاع الشهيدُ القائدُ أن يقدِّمَ قراءةً شاملة نموذجيةً للواقع من خلال المشروع القرآني كمنهجٍ للحياة ينهض بالأمة، ويعيد بناءَها ويحصِّنُها ضدَّ الأخطار المحدقة بها ويستعيدُ رؤيتها لذاتها وللآخر واستنهاضها لمسؤولياتها ليس في مواجهة عدوها وحسب بل ولدورها الرسالي والحضاري الحقيقي والمُغيَّب في هذه الحياة.

 

مأساة جرف سلمان:

واصل الطواغيت والمجرمون زحفَهم على جبل مران وبعد عناء شديد وتضحيات جسيمة قدَّمتها السلطة قربانًا للمعبد الأمريكي، وصل المجرمون إلى معقل السيد حسين بعد حرب دامت أكثر من ثمانين يومًا دفعت فيها أثمانًا باهظة فضاعت هيبتُها وكُسرت شوكتُها وهيَّأت لسقوطِها وزوالها ولو بعد حين. لقد تصوّر الظالمون بأنهم كسبوا المعركةَ بسيطرتهم على معقل السيد حسين في جبل مران وأنهم قد قضوا على المسيرة القرآنية بوحشيتهم التي أعادت إلى الأذهان كربلاءَ الطَّف مرة أُخرى عندما حاولوا إحراقَ السيد حسين وأفراد عائلته ومجموعة من الجرحى بالنار وهم في جرف سلمان من خلال قنابل كبيرة جِـدًّا وضعوها في فتحةِ الجرف من الأعلى وصبّ البترول إلى الجرف وإشعاله في وحشية لم يسمع عنها أحدٌ في تاريخنا الحديث.

 

معراج الشهادة:

وهكذا ودَّع سيدُ المجاهدين قرينُ القرآن وسليلُ بيت النبوة القائد والمؤسِّس للمسيرة القرآنية السيد حسين بدر الدين الحوثي -سلام الله عليه- هذه الحياة وقد عمل ما عليه وأسّس لبناء أُمَّـة القرآن أُمَّـة الإسلام وقلبُه مليءٌ بالثقة بنصر الله لهذه المسيرة الإلهية مهما كانت التضحيات، لقد كان يقسم بأنه واثقٌ من نصر الله حتى لو وصل جنودُ السلطة الظالمة إلى باب الجرفِ الذي كان فيه، وهكذا ختَمَ حياتَه الدنيا كما ذكر مَن كان معه وهو يردّد هذا الدعاء: (اللهم ثبِّتْني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة).

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com