“المسيرة” تنفردُ برواية: رحلة الشهيد الصمّـاد من “شِعب بني معاذ” إلى رئاسة الجمهورية

صحيفة المسيرة: إبراهيم السراجي

“إن مسحَ الغبار من نعال المجاهدين أشرفُ من كُــلّ مناصبِ الدنيا”

الرئيس الشهيد صالح الصمّاد خلال زيارته لجبهة الجوف..

لن يدركَ المرءُ لِــمَ أطلق الرئيس الشهيد صالح الصمّاد تلك العبارة إلا إذَا عرف سيرةَ هذا الرجل الذي عرف بحق وعاش عملياً واقع الجهاد والتضحية وأدرك عظمة المجاهد ومكانته وقدره في الدنيا والآخرة، ولولا هذه السيرة العظيمة لكانت العبارة التي أطلقها مُجَــرّد عبارة بليغة أطلقها رئيسٌ متمكّنٌ من اللغة لرفعِ معنويات مقاتليه، ولولا المحبةُ التي قذفها الله في قلوب الناس لهذا الرجل لكان مصير هذه العبارة النسيان ولم تتحول إلى أيقونة تُردّد كُــلّ يوم كما يُردّد ذكرُ الرئيس الشهيد ويحضر في وجدان وأقلام الناس، كيف لا وهو الرجل الذي كان يردُّ على من يطالبونه بالاهتمام بنفسه إعلامياً بالقول: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا”.

أحبَّ الناسُ الصمّادَ كرئيسٍ وكانت فترتُه القصيرةُ هذه كافيةً لدى الكثيرين ليكنّوا له كُــلَّ هذه المحبة التي لمسها العالَمُ وأحبوه كرئيسٍ للمكتب السياسيّ لأنصار الله ورئيس للمجلس الأعلى وكان ذلك أيضاً كافياً ليحظى بمحبة واسعة يغبطه عليه الكثيرون، وشريحة أقل عرفت الصمّاد وأحبته كمشرف ثقافي عام لأنصار الله؛ ولذلك فكل مرحلة من مراحل حياة الرئيس الشهيد صالح الصمّاد كانت كافية لأَن يرتبط في عقل وذهن وقلب من عرفوه في مرحلة ما من تلك المراحل، ولكن ماذا لو عرف الجميع سيرة هذا الرجل العظيم منذ بداية حياته الجهادية في بداية شبابه إن لم يكن في بداية مراهقته؟ لا شك أنَّ سرد سيرة الصمّاد كاملة ستجعل القارئ لهذه السطور يعرف أن عظمةَ الصمّاد أَكْبَــرُ من التصور وأوسعُ من الحدود وسيكون القارئُ أمام رجل مجاهد ومعلم وقائد استثنائي بالفعل من أرفع طراز الرجال والمعلمين والمجاهدين والقادة.

على الرغم من أنه وُلِدَ في مجتمع يولي اهتماماً كبيراً بالعلوم الدينية وكان الرئيس الشهيد طالباً للعلم ومعلماً له في آن واحد، إلا أن التحول الكبير الذي شهدته مسيرته الجهادية كان عندما استمع لأول مرة محاضرة للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، حينها شعر الصمّاد أنه أمام مدرسة قرآنية وجهادية تهدفُ لاستنهاضِ الأُمَّــة وتحويلِ القُــرْآن إلى واقع عملي يحمي الأُمَّــة من الأخطار التي غفل عنها الكثيرون، ليصبحَ الصمّاد بعد حين أحد أَكْبَــر وأهم وأخلص خريّجي مدرسة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-ما.

وُلِدَ الرئيس الشهيد في 6 يوليو 1979م في ساحة صبر بمنطقة بني معاذ التابعة لمديرية سحار بمحافظة صعدة، وكما يروي أبناءُ منطقته فقد بدت عليه علاماتُ الوجاهة والنباهة منذ طفولته الأولى ويصفه رفاقُه في المدرسة بأنه كان مثالاً للطالب النبيل متحلياً بالأَخْلَاق والأدب وفي مرحلة الصبا كان من حوله يلاحظون قدرته على إقناع أقرانه بالفكرة التي يتبناها أيا كانت بساطتها التي تتناسب مع عمره في ذلك غير أن هذه السمة ظلت مرتبطة به على مدى حياته كلها وعندما تعرّف على المسيرة القُــرْآنية أصبحت تلك السمةُ ميزةً كبيرة، إذ امتلك الحُجَّةَ والبيانَ فأصبحت قدرتُه على الإقناع إحدى أهمّ ما امتلكته المسيرة ليلتفَّ الناسُ حولها ويتعرّفوا عليها وينطلقوا بعدها مجاهدين وداعين إلى نهوض الأُمَّــة في مواجهة الأخطار التي تواجهها.

 

  • الصمّاد الشاب.. معلّماً وطالباً للعلم

في سبيل معرفةِ سيرتِه، دعا كاتب هذه السطور أحدَ تلامذة ورفاق الشهيد الصمّاد للاستماع منه والحصول على معلومات دقيقة حول هذا الهدف ونشرها ضمن هذه المادة لصحيفة المسيرة، وكانت البدايةُ من مرحلة تخرج الصمّاد من الثانوية العامة ليصبحَ -وفقاً لنظام التعليم في ذلك الحين- مدرساً في المدرسة المتواجدة في منطقته، مؤدياً لما كان يسمى بالخدمة بعد الثانوية وفي نفس الوقت كان قد أصبح مُعَلِّماً للعلوم الدينية في الفترة المسائية بعد صلاة العصر لشباب منطقته.

وفي ظل نهمه للعلم واهتمامه بدينه كان يواصلُ يومَه بعد تلك الفترتين كطالبِ علم لدى العلامة عبدالله المؤيد، علاوةً على كَـوْنه رغم حداثة سِنِّه خطيباً للجمعة في مسجد القَرية بساحة صبر.

إذن وقبل أن يتعرَّفَ على المسيرة القُــرْآنية كان واضحاً اهتمامُ الرئيس الشهيد بعلوم الإسْلَام؛ بكونه معلماً لعلوم الدين وطالباً أَيْــضاً وخطيباً وبعد ذلك أيضاً من خلال التحاقه بقسم علوم القُــرْآن بكلية التربية في صعدة وبذلك أصبح معظمُ الشباب من أبناء منطقته من طلابه أَو من زملائه كطلاب لدى العلامة المؤيد.

 

  • التحوّلُ الكبير: اكتشافُ المسيرة القُــرْآنية

في الوقت الذي كان الرئيسُ الشهيد منتظماً في دراسته بالكلية ودراسته وتدريسه للعلم في منطقته ساحة صبر كان أحد أبناء المنطقة قد سبق إلى مَــرَّان، حَيثُ الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي وأول مجاهد منها وفي إحدى المرات عاد هذا الأخير، وهو المجاهد يحيى طالع الذي استشهد في الحرب الأولى، إلى ساحة صبر واختار أن يعطيَ الرئيسَ الشهيد شريطاً يحتوي على محاضر للسيد حسين الحوثي -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-م جميعاً، بعد أن حدث الشهيد الصمّاد بشكل موجز عن مؤسّس المسيرة القُــرْآنية أَو ما كان يعرف حينها “الشباب المؤمن”.

وكما روى الشهيدُ الصمّادُ لرفاقه أنه عاد إلى منزله وقام بتشغيل الشريط واستمع إلى محاضرة السيد حسين الحوثي وكانت تلك المحاضرةُ محوراً للتحول الكبير الذي سيطرأ على حياة ومسيرة وتوجّه الشهيد الصمّاد كما سنعرف في السطور التالية.

بحسب رواية الرئيس الشهيد لرفاقه، فقد أذهله منطقُ السيد حسين بدر الدين الحوثي في الوقت الذي كان القمعُ المستمرّ من قبل السلطة قد حوّل مدارس العلوم الدينية إلى مُجَــرّد نصوص للحفظ والتلقين، إلا أن الشهيدَ الصمّاد رأى في محاضرة الشهيد القائد اهتماماً كبيراً بالأُمَّة العربية والإسْلَامية ونظرةً عميقةً واستشعاراً كَبيراً للأخطار التي تواجه الإسْلَام والمسلمين واستنهاض للتحَــرّك ومواجهة كُــلّ ذلك، كما أذهله تناوُلُ الشهيد القائد للآيات في القُــرْآن وتوضيحها وربطها بالواقع والأحداث وكيف أن القُــرْآن قد أوجد الحلول لكل المشاكل في كُــلّ الأزمان ورسم لنا صورةً واضحةً عن مَن هم أعداء الأُمَّــة بعدما كان القُــرْآنُ قد تحوّل لدى معظم الناس إلى مُجَــرّد نصوصٍ لتلاوتها وقراءتها في الصلوات.

مرةً أخرى يعودُ المجاهد يحيى طالع إلى ساحة صبر التي ينتمي إليها وهذه المرة كان واضحاً أنه كان لديه اهتمامٌ خاص بالشهيد الرئيس ورأى فيه رجلاً سيضيف الكثيرَ في إطار المسيرة القُــرْآنية، وهذه المرة أعطى الصمّادَ “كيس دعاية” مكتوب على أحد جنبيه شعار الصرخة في وجه المستكبرين والجانب الآخر كُتِبَ عليه شعار مقاطعة البضاعة الأمريكية والإسرائيلية، ورغم أن السلطة وأعوانها في ذلك الحين كانت قد بدأت حملةَ تشويه مشروع الشهيد القائد وإخافة الناس منه إلا أن دماثة وسعة صدر الصمّاد جعلته يأخُذُ ذلك الكيسَ بل ويضع كتبه وأقلامه بداخله ويذهبُ به إلى المركَزِ العلمي الذي يلقي دروسه لطلاب العلم وبدأ البعضُ بالغمز واللمز كما كان يحدث في ذلك الحين وبدأت التساؤلاتُ حول انضمامه لـ “الشباب المؤمن” بقيادة الشهيد القائد رغم أنه لم يكن قد فعل ذلك لكنه كان يقابِلُ ذلك بالابتسامة ولكن أيضاً كانت المحاضَرةُ قد أحدثت شيئاً كبيراً في وجدان الصمّاد وشغلت حيّزاً كبيراً من تفكيره.

 

  • شدّ الرحال إلى مرّان

فيما كانت محاضرةُ الشهيد القائد التي استمع إليها ما تزال تشغلُ تفكيرَ الرئيس الشهيد بعدما جاءت إليه من المجاهد يحيى طالع إلا أنه هذه المرة ذهب بنفسه إلى الأخير وطلب منه المزيد من الأشرطة لسماع المزيد من المحاضرات فحصل على أشرطة تحتوي على محاضرتين للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي وبعد الاستماع للمحاضرتين نكتشف كيف كانت شخصية الشهيد الصمّاد تواقّةً لمشروع يحَرّك الأُمَّــة وليس فقط يلقّنها النصوصَ فما كان منه إلا أن عزم وقرّر شدَّ الرحال إلى مرّان؛ للاستماع مباشرة إلى محاضرات الشهيد القائد في مجلسِه الكائنِ في منزله والذي ذاع صيتُه في أنحاء متفرقة من محافظة صعدة.

ولأَنّه عُرِفَ عن الرئيس الشهيد موهبتُه وقدرتُه على الإقناع فمكّنه ذلك من إقناع مجموعة من رفاقه يبلغ عددُهم بين خمسة إلى ثمانية أشخاص للذهاب معه إلى مرّان للتعّرف أكثرَ على مشروع الشهيد القائد وتلقّي محاضراته ودروسه ومن هنا بدأت الرحلة الأولى إلى مَــرَّان.

 

  • في حضرة الشهيد القائد: دهشةُ التواضع ودهشةُ المشروع

سافر الشهيدُ الصمّاد ورفاقُه من ساحة صبر في منطقة بني معاذ بمديرية سحار إلى منطقة مرّان بمديرة حيدان، وفي الطريق كانت الرحلةُ مشوّقةً لهم جميعاً، وكُلٌّ منهم يرسُمُ صورةً في خياله عن شكل وهيئة الشهيدِ القائد حسين بدر الدين الحوثي وعن مجلسه الذي ذاع صيتُه وحول طلابه ومُريدي مجلسه وعن مشروعه والشعار الذي أطلقه في وجه المستكبرين.

كان الصمّادُ شاعراً ومحباً للزوامل وله عدةُ مقاطع مصوَّرة يغرد بالزوامل التي كتبها بنفسه؛ ولأنه كان متعارفاً في صعدة أن الوفود التي تذهب إلى العلماء لتلقي الدروس أَو لأي سببٍ آخر يقوم الوفد بتأدية الزامل لدى وصولهم أثناء استقبالهم من قبل من شَدُّوا الرحال إليهم كنوع من التكريم لمكانة العالم، كتب الصمّاد “زامل” وبدأ مع رفاقه بتلحينه في الطريق على أمل أن يقوموا بتأديته لدى وصولهم إلى مَــرَّان ومقابلتهم للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي.

وصل الصمّادُ ورفاقُه إلى مَــرَّان وهناك استقبلهم أحدُ رفاق الشهيد القائد وحين أخبروه أنهم يريدون تأديةَ الزامل الشعبي تكريماً للسيد حسين الحوثي طلب منهم الأولُ بلطف عدمَ القيام بذلك؛ كَـوْن الشهيد القائد لا يحبِّذُ ذلك، وأن بإمكَانهم أن يكتبوا أبياتِ الزامل في ورقة وسيتم تسليمُها له، فكانت تلك أول مفاجآت الوصول إلى مَــرَّان بأن عرفوا أولَ سمات السيد حسين الحوثي بالتواضع خلافاً لمن كانوا يحبُّون هذا النوع من التكريم.

تم إدخالُ الشهيد الرئيس ورفاقه إلى مجلس السيد حسين الحوثي، حَيثُ كان طلابُه بداخله وهناك استغرب القادمون من أن المتواجدين في المجلسِ يجلسون متوجّهين نحو الباب وقد ملأوا رأس المجلس الذي يُفترَضُ أنه مكانُ جلوس السيد حسين الحوثي -رِضْـــوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ-.

بعد دقائقَ وصل السيدُ حسين الحوثي إلى مجلسه فساد الصمتُ في المجلس بعدما كان مَن فيه يتبادلون أطرافَ الحديث كما يحدث في أي مقيل يمني وفيما كان الصمّاد ورفاقه يتوقعون أن يدخلَ الشهيد القائد محاطاً بمرافقين ويشقُّ طريقَه إلى رأس المجلس إلا أنهم فوجئوا بجلوسه عندَ باب المجلس وفوجئوا بهيئته ولباسِه البسيط وغير المتكلف، وهنا اكتشف القادمون صفةً جديدةً من تواضُعِ الشهيد القائد.

ورغم أن الصمتَ الذي أحدثه دخولُ الشهيد القائد يوحي به إلا أن تواضُعَه غيرُ المتوقع جعل الصمّاد ورفاقَه غيرَ مدركين بأنه هو مَن دخل وجلس قُرب باب المجلس وليس في رأسه؛ ولذلك قام الصمّاد بتوجيه سؤال إلى أحد الحاضرين عن هُويَّة الرجل الذي دخل للتوِّ فأخبره أنه هو السيد حسين بدر الدين الحوثي.

في الحلقة القادمة سنعرفُ كيف تلقى الشهيدُ الصمّادُ ورفاقَه أولَ الدروس والمحاضرات في مجلس الشهيد القائد وكيف أثّرت فيه رحلتُه إلى مرّان، وبعد ذلك عودته إلى منطقته ساحة صبر وكيف قاد الصمّادُ أولَ صرخة في وجه المستكبرين تنطلقُ في منطقة بني معاذ وردود الفعل التي أبداها أبناءُ منطقته، وصولاً إلى دوره في الحربين الأولى والثانية وكيف اضطرَّ هو ورفاقه للاختباء فترةً طويلةً بعدما أصبحوا مطاردين من قبل السلطة وأعوانها وكيف تجاوَزَ محنةَ إصابته بالتهاب الدودة الزائدة والترتيبات السرّية التي مكّنته بشكل دراماتيكي من إجراء عملية جراحية فشلت وإجرائه عملية أُخْــرَى في ظل ظروف صعبة كان فيها ملاحقاً ومطارَداً وكيف كانت إرادته القويةُ وإيْمَانه بمشروع المسيرة القُــرْآنية عاملاً رئيسياً في تجاوزه لتلك الصعاب والمحن.

 

الإيمــانُ يقود رئيسَ الشهداء لعبور ظلم السلطة وظلمات الواقع

عندما قرّر الصمّــاد، الذي سيصبحُ بعد عقد ونص عقدٍ تقريباً رئيساً لليمن، الذهاب إلى مَـرَّان للقاء السيد حسين بدر الحوثي بعد أن تأثر الأولُ بمحاضرةٍ استمع إليها بواسطة شريطٍ أهداه إياه أولَ مجاهد في المسيرة القُــرْآنية من ساحة صبر التي ينتمي إليها الشهيدُ الصمّــاد، والذي بدوره اصطحب عَدَداً من رفاقه وشدوا الرحالَ إلى مَـرَّان، وهناك استمعوا لأول محاضرة مباشرة في مجلس الشهيد القائد السيد حسين الحوثي وأثّر فيهم تواضُعُه الكبيرُ وتخليه عن الامتيازات التي كانت تُمنَحُ للعلماء في صعدةَ، وهي امتيازاتٌ معنويةٌ، غير أن الشهيدَ القائد لم يكن يهتمُّ بها بقدر اهتمامه بمشروع إحياء الأُمَّــة وإعادتها إلى القُــرْآن وثقافته.

بعد أن استمع الصمّــادُ ورفاقُه لأول محاضرة في مجلس السيد حسين بدر الدين الحوثي شدَّهم الأمرُ أكثرَ وبدا لهم أن محاضرةً واحدةً لا تكفي فقرّروا في ذلك اليوم البقاءَ إلى المساء وبعد صلاة العشاء استمعوا لمحاضرةٍ أُخْـــرَى أعقبها نقاشٌ اعتاد الشهيدُ القائدُ الإجابةَ عليه، وهنا أراد رفاقُ الصمّــاد أن يسألوا الشهيدَ القائدَ حول تسليم الزكاة للدولة، غير أن الصمّــاد أشار على رفاقه بعدم طرح السؤال، فقد أدرك باكراً أن المشروعَ الذي يقودُه السيدُ حسين الحوثي أكبرُ من تلك الأسئلة بكثيرٍ، فهو مشروعٌ يحملُ نهضةَ الأُمَّــة ويحييها بالقُــرْآن لتواجهَ الأخطارَ الكبرى.

في مساء تلك الليلة وبعد أن انفض المجلسُ نزل الصمّــاد ورفاقُه إلى الملاحيظ على أن يعودوا في اليوم التالي إلى منطقتهم في ساحة صبر بمنطقة بني معاذ، غير أن الصمّــادَ كان يفكّرُ بصمتٍ بالبقاء لوقتٍ أطول، فما تزالُ الأسئلةُ التي تولدت في خاطره أثناء استماعه للشهيد القائد تحرِّضُه على البقاء والعَودة إلى المجلس الذي أحبه قلبُه وارتبط به وجدانياً، وهذا ما حدث، فقد عاد الصمّــادُ ورفاقُه في اليوم التالي إلى مَـرَّان.

هناك في مرّان تكوّنت شخصيةُ الشهيد الصمّاد التي عرفها الناسُ فيما بعدُ وأحبها كُــلُّ اليمنيين، فعلى الرغم من أن الشهيدَ الصمّــادَ كان طالباً للعِلم وشَغُوفاً بعلوم الدين، إلا أن ما تلقاه عن الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي كان محركاً لطاقاته التي تفجرت منذُ ذلك الحين، كما سنعرف في السطور التالية، عندما عاد الصمّادُ ورفاقُه إلى ساحة صبر بمنطقة بني معاذ التي ستشهدُ تحولاً؛ بفعلِ انتقالِ تأثيرِ مشروعِ الشهيد القائد التحرّري والحركي المستنهِض للأُمَّــة والذي يدعوها إلى تحويلِ مفاهيمِ دينِها وتعاليم قُرْآنها إلى دستور عملي ينعكسُ على واقع الناس وتفكيرهم واهتمامهم.

خلال رحلة العودة من مرّان، تحدث الصمّــاد إلى رفاقه عمّا شدَّه واسترعى انتباهَه وهو يستمعُ إلى محاضرات السيد حسين بدر الدين الحوثي، وهو كيف أن الشهيدَ القائدَ يعرضُ الهديَ القُــرْآني بطريقة عملية ومعرفة شاملة بعدَ ما كانت النمطيةُ تسيطر على معظم خطاب المراكز العلمية التي كانت تركِّــزُ على النصوص والأمور الهامشية وتنأى بنفسِها عن وضع الأُمَّــة وتتجاهل الأخطارَ المحدقةَ بها.

وصل الصمّــادُ ورفاقُه إلى منطقتهم ساحة صبر، وعلى الرغم من إدراكه حجمَ التضليلِ الذي كانت السلطةُ وأعوانُها تعملُ عليه في مناطق صعدة؛ لتشويهِ مشروع الشهيد القائد وشعاراته المناهِضة لأمريكا وإسرائيل، ورغم أن المجتمعَ كان يرزحُ تحت الخوف من قمع السلطة وإرهابها، إلا أن الصمّــاد بعد عودته من مرّان كان قد أدرك أنه لا مجالَ للخوف والتردّد وأن كلمة الحق لا بُدَّ أن تصدحَ ولا بُدَّ للأُمَّــة أن تعيَ الأخطارَ التي تحاولُ الأنظمةُ أن تصرفَ أنظارَ شعوبها عنها تحت تأثير سطوة الهيمنة الأمريكية.

في ذلك الحين كان أبناءُ ساحة صبر على موعد مع أول خطبة جمعة للصمّــاد بعد عودته من مَـرَّان وهي التي ستشهدُ هذه المرة تحولاً جذرياً في طبيعة مضامينها ومواضيعها.

ألقى الصمّــادُ خطبةَ الجُمُعة في مسجد ساحة صبر، كما كان يفعل كُــلّ مرة، ولكن هذه المرة، وفيما كان مخبرو السلطة يتخذون أماكنَهم في المسجد كان الصمّــاد يفاجِئُ الحضورَ بخطبته التي غلبت عليها الثقافةُ القُــرْآنيةُ متأثراً بالمحاضرات التي استمع إليها من الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوانُ الله عليهما، فسادُ التوجُّس؛ كَون أبناء المنطقة يدركون أن السلطةَ لن تتركَ الأمرَ يمر بسلام، خصوصاً أن الصرخةَ في وجه المستكبرين تردّد صداها لأول مرة في ذلك المسجد بساحة صبر ولأول مرة في منطقة بني معاذ برمتها.

 

  • جامعُ الصمّــاد لبنةُ المسيرة الأولى في بني معاذ

بعد تلك الجمعة آثر الصمّــادُ عدمَ التصادم مع المجتمع الذي كان واقعاً تحت تأثير الخوف من قمع السلطة وأعوانها وتحت تأثير الشائعات التي نشرتها السلطةُ بمختلف الطرق؛ لتشويه مشروع الشهيد القائد؛ ولذلك قرّرَ الصمّــاد ورفاقُه اختيار ساحة وتحويلها إلى مصلى لصلاة الجمعة تاركاً الخيارَ لأبناء المنطقة في اختيار الاستماع للخطبة التي يريدون الاستماعَ إليها سواء في المسجد الذي ينوي إقامتَه أو في المسجد المعروف بالمنطقة.

كان الصمّــادُ يحتاجُ لأعمدة لاستخدامها في الساحة التي اختارها كمصلى للجمعة لتوضع عليها “الطرابيل”، وهناك لجأ إلى عَمِّه “عبدالله الصمّــاد” وطلب منه أن يمنحَه عَدَداً من “مواصير المياه” التي كانت تُستخدَمُ كأعمدة للخيام وهناك بدأ يسرُدُ أمام عمه كيف أن على الجميع أن يضحّوا من أجل الإسْلَام ونُصرة الأُمَّــة، غير أنه وفي ذلك الحين لم تكن المواعظُ هي الدافعَ الرئيسي التي أقنعت عمَّ الصمّــاد بل المحبة التي كان يتمتعُ بها الشهيدُ الصمّــادُ في منطقته والتي كانت تجعلُ الآخرين لا يرفضون له طلباً، ناهيك عن عمه الذي وافق سريعاً على طلبه وقال جُملةً طريفةً: “إذا قد انتصر إسْلَامُكم رجّع لي المواصير”.

 

  • الثقافة القــرآنية تلفتُ الأنظار

شارك الشهيدُ الصمّــادُ في تثبيت أعمدة الجامع وتجهيز أرضية الساحة لتكونَ مناسبةً للصلاة، وبعد ذلك أقيمت أولُ صلاة للجمعة في ذلك الجامع وارتقى الصمّــادُ منبرَه المفترَضَ وألقى خطبةَ الجمعة مشبعاً إيّاها بما تعلَّمه وسمعه من محاضرات الشهيد القائد، وفي أول جمعة ارتاد ذلك المسجد رفاقُ الصمّــاد وعددٌ من محبيه، لكن ومع مضي الأيام والأسابيع شهد ذلك الجامعُ تحولاً كبيراً لم يكن يتوقعُه الصمّــاد.

أصبح مرتادو جامع الصمّــاد أكثرَ من أي جامع آخر، حتى أن المصلين تزاحموا خارجَ الخيمة التي أقامها الصمّــاد كمصلى وكانت السيارات بأعدادٍ كبيرة تجلب المصلين الذين شدَّ الصمّــادُ انتباهَهم إلى خُطُبِه القُــرْآنية، فيما كانت الصرخةُ تدوي دون أن تصدم بالمجتمع الذي آثر الصمّــادُ عدمَ الدخول في صراع معه تاركاً البابَ مفتوحاً لمن يريدُ الدخول ورافضاً أن يفرضَ قناعته ورؤاه على أبناء مجتمعه الذين اقتنعوا اختياراً فيما بعدُ وأقنعتهم الحُجَّةُ القوية التي كان يمتلكُها الصمّــادُ في خطبه المتشبعة بالثقافة القُــرْآنية.

استمر الصمّــادُ كمدرِّسٍ في المدرسة ومعلِّمٍ لعلوم الدين، ولكن حركتَه في إطار المجتمع توسّعت ودعوتَه للتنبه من الأخطار التي تواجهُ الأُمَّــةَ، منطلقاً في ذلك من الثقافة القُــرْآنية في التحذيرِ من مغبة الهيمنة الأمريكية عبر توعية المجتمع بتأثير الحركة الثقافية والتوعوية لمواجَهة الهيمنة الأمريكية والكيان الصهيوني وتأثير الشعار في وجه المستكبرين في إبقاء حالة العِداء لأعداء الأُمَّــة في ظل الأنظمة العربية التي كانت تعملُ على تدجين الشعوب لقبولِ الهيمنة الأمريكية والمشروع الأمريكي في المنطقة، خصوصاً أن المستجداتِ على المستويَّين الدولي والإقليمي كانت تشهدُ بصوابية المشروع القُــرْآني النهضوي في مقابل تصاعد الهجمة الأمريكية على العرب والمسلمين.

 

  • الحرب الأولى: محاصرون خارج مرّان

مع ارتفاعِ مستوى تحَــرّكاتِ السلطة وأعوانها لمحاربة مشروع الشهيد القائد، كان الصمّــادُ أكثرَ إصراراً على التضحية، وكلما زاد قمعُ السلطة كلما وسّع من تحَــرّكاته في أوساط المجتمع وشدَّ إلى مشروع المسيرة القُــرْآنية العديدَ من الشباب، غير أن السلطة في ذلك الحين كانت تعد للحرب، خصوصاً أن حركةَ السفير الأمريكي في صنعاءَ في ذلك قد بدأت تتضحُ للكثير، وخصوصاً أنه بعد 11 سبتمبر 2001 أصبح السفراءُ الأمريكيون حكاماً على الحكام العرب، وهذا الأمر ينطبق على حاكم اليمن في ذلك الحين.

لم تحتملِ السلطةُ الضغوطَ الأمريكية وانصاعت لها في 18 يونيو 2004م فشنت حربَها الأولى على صعدةَ والمسيرة القُــرْآنية، تحَــرّكت الطائراتُ في الأجواء وحشدت السلطةُ الألويةَ العسكرية والتكفيريين إلى مرّان، وفي ذلك الحين لم يكن السيد حسين بدر الدين الحوثي يتوقعُ مثلَ هذه الحرب وبهذا الحجم، فلم يكن لديه مشروعٌ مسلحٌ سوى أنه ورفاقه وتلامذته يمتلكون أسلحتَهم الشخصية، حالُهم ككل اليمنيين، لكن هذه الأسلحة تحوّلت إلى سلاح دفاع في وجه الطائرات والدبابات وكل أنواع الأسلحة وعشرات الآلاف من الجنود والتكفيريين الذين حشدتهم السلطةُ لحصار مرّان.

على الرغم من حجمِ الهجمة العسكرية إلا أن السيدَ حسين الحوثي ورفاقه صمدوا وما أن تداعَى إلى مسامع أهلِ صعدةَ أخبارُ الحرب حتى قامت السلطة عبر أجهزتها المتعددة بنصب فخ ماكر لمنع محبي ومريدي السيد حسين الحوثي من التداعي إلى مَـرَّان لمساندته، فقامت السلطةُ بوسائلَ متعددةٍ ببث أنباء مزيَّفة تفيدُ بأن السيدَ حسين الحوثي ورفاقَه يبلون بلاءً حسناً في الحرب وأنهم استولوا على دبابات الجيش وسيطروا على المواقع وأن قواتِ السلطة وأعوانَها في وضعٍ مُزْرٍ في الحرب، كُــلُّ هذا بهَدفِ طمأنة محبِّي السيد حسين الحوثي ومشروعه وإثنائهم عن نجدته طالما والأمورُ جيدةٌ بالنسبة لهم، بالإضافة إلى أن السلطةَ وقواتِها فرضت حصاراً مطبقاً على مَـرَّان، بحيث أن مَن لم يقتنعْ بقدرةِ الشهيد القائد على المجابهة وحيداً، لا يتمكنْ من الوصول إلى مَـرَّان؛ للدفاع عن الشهيد القائد ومشروعه، وبذلك نجحتِ السلطةُ في تحقيق أهدافها.

في ذلك الحين توجّـهَ الصمّــادُ وإخوتُه ورفاقُه من ساحة صبر إلى منطقة نشور بالرزامات، حَيْــثُ كان هناك السيدُ العلامة بدر الدين الحوثي رحمه الله والشيخ المجاهد عبدالله عيضة الرزامي ومجاميعُه، بالإضافة إلى عدد من القادة الذين نعرفهم اليوم مثل اللواء يوسف المداني ويوسف الفيشي وغيرهما قبل أن يلتحقَ بهم السيدُ عبدالملك الحوثي الذي استطاع قبلَ نهاية الحرب بأيامٍ قليلةٍ من الخروج من ميسرة مَـرَّان التي فصلتها السلطةُ عن الميمنة، حَيْــثُ كان جرفُ سلمان الذي شهد استشهادَ السيد حسين الحوثي وعددٍ من رفاقه وأفراد أسرته.

ظل المجاهدون وبينهم الصمّــادُ عاجزين عن فعل شيء للدخول إلى مَـرَّان المحاصَرة، فلجأوا إلى تنفيذِ عملياتٍ هجومية متفرقة، في محاولةٍ لتخفيف الضغط العسكري عن الشهيد القائد ورفاقه، وبالفعل نجحوا في تحقيق بعضِ النتائج مثل الهجمات التي قاموا بها في منطقة آل الصيفي والرزامات، غير أن هذه العمليات لم تؤدِّ في نهاية المطاف لفكِّ الحصار عن مَـرَّان أو تخفيفِ الضغط العسكري؛ نظراً للفارق المهول في القدرات البشرية والعسكرية بين الطرفين.

 

  • المكيدةُ الثانية: الشهيدُ الملصي يحاصِرُ الشهيدَ الصمّــاد

انتهت الحربُ الأولى باستشهادِ السيد حسين بدر الدين الحوثي بتلك الطريقة الغادرة التي يعرفُها الجميعُ اليومَ، وكانت السلطةُ تعي في ذلك الوقت أنه ما يزالُ هناك ما يقلقُها بوجود مجاهدين لم يتمكنوا من الاشتراك في الحرب الأولى؛ ولذلك كانت عينُها على القضاء عليهم في منطقة نشور، بالتزامن مع قيامها بتنفيذ عددٍ من الحِيَلِ؛ للإيقاع بالمجاهدين وتجميعهم إلى نشور للقضاء عليهم بضربة واحدة.

وعلى الرغم من أن ما حدث في الحرب الأولى يمثلُ ضربةً قاصمةً للمجاهدين، بينهم الصمّــاد، الذي نحن في هذه السطور نتتبعُ مسارَه، وبالتالي ليست تفاصيلَ تلك الحروب ما يعنينا في هذه المادة، إلا أن إيْمَــانَ المجاهدين بسلامة المشروع الذي يدافعون عنه وقوة ثقتهم بالله هي ما جعلتهم يشعرون أنهم قادرون على فعلِ شيء في مواجهة السلطة وأعوانها، ولقد كان للصمّــادِ دورٌ كبيرٌ في تذكير المجاهدين بعدالة قضيتهم منطلقاً في ذلك مما تعلّمه ووعاه من دروس ومحاضرات الشهيد القائد، ولم يكن في ذهن المجاهدين أن تكونَ المواجهة عسكرية بل كان همُّهم هو المضيَّ في نشر الثقافة القُــرْآنية في أوساط المجتمع على النحو الذي قام به الشهيدُ القائدُ حسين الحوثي.

كانت خُطَّـــةُ السلطة في ذلك الحين هي العملَ على تجميع المجاهدين من كُــلِّ المناطق إلى منطقة نشور للقضاء عليهم وتحَــرّكت بشكلٍ موازٍ في مسار الوساطات لطمأنة المجاهدين؛ بهَدفِ خداعهم والإيقاع بهم، لكن المؤشراتِ كانت واضحةً على عدم سلامة نية السلطة، وفي ذلك الحين تمكنَ السيدُ العلامةُ بدر الدين الحوثي من الإفلات من قبضة السلطة في صنعاءَ بعدما نكثت بوعودها بتنفيذ الاتّفاقات التي من بينها إطلاقُ المعتقلين من المكبِّرين والذين اعتُقلوا على ذمة الحرب الأولى، وكذلك عدم ملاحقة أتباع السيد حسين بدر الدين الحوثي ومنعته من حضور حفل زفاف ابنة السيد حسين بدر الدين الحوثي التي هي حفيدته، فعاد إلى منطقة نشور، وهو ما اتخذته السلطةُ ذريعةً لشن الحرب؛ باعتبَار ه مطلوباً.

بدأت الحربُ بإرسالِ السلطة فرقةَ كوماندوز للقبض على السيد العلامة بدر الدين الحوثي، لكن تحَــرّكاتها على الأرض وحشدها للجنود كانت تشي بنيّة السلطة شنَّ حربٍ شاملة للقضاء على كُــلّ من تبقى من أتباع الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، وحوصرت نشور التي كانت تضُمُّ الصمّــاد ومَن تبقى من المجاهدين ومعهم السيد العلامة بدر الدين، وللمصادفة كان من بين قادة القوات التابعة للسلطة الشهيد العميد حسن الملصي الذي استشهد بعد ذلك أثناء مواجهته للعدوان في نجران، وقد روى رفاقُ الملصي في الفيلم الوثائقي من إنتاج الإعلام الحربي “رفاقُ الخلود” كيف أن الملصي زار مقبرةَ شهداء الحرب الثانية، وبكى هناك نادماً على مشاركته السلطة في الحرب على أبناء صعدة بعدما ضللت الجنودَ وشوّهت أمامهم مشروعَ الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي.

وبالفعل لم تكُنْ حربُ السلطة لمُجَـرّدِ القبضِ على العلامة السيد بدر الدين، بل كانت حرباً شاملةً، مارست فيها السلطةُ أبشعَ أنواع الجرائم، وقامت قواتُها بدهس المواطنين بالدبابات؛ بحجة أنهم من أتباعِ المسيرةِ القُــرْآنية، ويتحَــرّكون في المشروع المناهِض للهيمنة الأمريكية، لكن المجاهدين أبلوا بلاءً حسناً في مواجَهة الهجمةِ، مدافعين عن أنفسهم على النحو الذي استطاعوا به أن يقاموا، وما تزالُ مقابرُ الشهداء شاهدةً إلى اليوم على حجم إجرام السلطة في ذلك الحين.

 

  • الصمّاد ورفاقُه يخترقون أسوارَ مدينة صعدة

لم يكن هناك أيُّ تكافؤ بين طرفَي الحرب، وكما نعرف أن المجاهدين لم يكونوا يعدُّون للحرب بل لنشر المشروع ثقافياً، ولذلك وفيما كانت قواتُ السلطة وأعوانُها يحاصِرون السيد العلامة بدر الدين الحوثي ومعه الشيخ الرزامي والمجاهدين في نشور، كان لابد من التفكير بعملية من خارج التوقعات تحتاجُ إلى مجاهدين عميقي الإيمان بقضيتهم ويتحلون بالشجاعة لتنفيذ مهمةٍ مستحيلة وهي اقتحام مدينة صعدة.

كانت مدينةُ صعدة في ذلك الوقت محصَّنةً بعدة ألوية من قواتِ السلطة، وفي منطقة نشور فكّر المجاهدون بتنفيذ عمليات في مدينة صعدةَ؛ لتشتيت قوات السلطة، على أملِ إنهاء الحصار على نشور ومَن فيها، ووقع الاختيار على عدة مجموعات مكونة كلها من قرابة 30 مجاهداً وكان الصمّادُ ورفاقُه قرابة السبعة اختيروا كمجموعة لتنفيذ هذه المهمة المستحيلة.

ينقل رفاقُ الصماد روايتَه لما حدث، عندما قرّر الصمّادُ ورفاقُه دخول مدينة صعدةَ بداخل براميل على متن سيارة “هايلوكس”، وكانت هذه الفكرةُ مغامرةً محفوفةً بالمخاطر وفرص نجاحها ضئيلة، لكنها بعناية الله نجحت في الدخول إلى المدينة متجاوزةً أعينَ ألوية السلطة، ونجحت المجموعاتُ الأخرى أيضاً في الدخول بطرق مختلفة، كان بينهم اللواء يحيى بن عبدالله عيضة الرزامي الذي هو حالياً قائد أركان محور همدان.

داخل المدينة استبسل الصمّادُ ورفاقُه ونفّذوا عملياتٍ فاجأت السلطة وأربكتها فاستخدمت كلَّ أنواع الأسلحة وحشدت الآلافَ من جنودها لمواجهة 30 مجاهداً تقريباً وخاضوا معهم معاركَ تأريخيةً استشهد خلالها عددٌ كبيرٌ من المجاهدين نسبة إلى عددهم، والكثير يعرف كيف قامت السلطة بالتنكيل بجثث المجاهدين عندما قامت بربطها إلى الأطقم وسحبها في شوارع المدينة وقام جنودُ السلطة بقتل الجرحى الذين وقعوا في الأسر بعد نفاد ذخائرِهم القليلة أصلاً، لكن المهمةَ نجحت في تحقيقِ جزءٍ من أهدافها، فيما لم ينجُ من مجموعة الصمّاد سوى الصماد نفسه وأحدِ رفاقه وعادا إلى ساحةِ صبر في مديرية بني معاذ بعد أن حطّت الحربُ أوزارَها.

في الحلقة القادمة سنتعرفُ على ميادين الصمّــاد منذ أصبحَ مطارَداً من قبل السلطة بعد الحرب الثانية، وصولاً إلى بروزِه كقائدٍ في الحرب الرابعة، وسنعرضُ ما كنا قد وعدنا به في هذه الحلقة؛ لعدمِ اتساعِ المساحة فيما يتعلقُ بكيف تجاوز الصمّــادُ محنةَ إصابتِه بالتهاب الدودة الزائدة والترتيبات السرّية التي مكّنته بشكلٍ دراماتيكي من إجراءِ عمليةٍ جراحية فشلت وإجرائه عمليةً أُخْـــرَى في ظل ظروفٍ صعبة كان فيها ملاحَقاً ومطارَداً، وكيف كانت إرادتُه القويةُ وإيْمَــانُه بمشروع المسيرة القُــرْآنية عاملاً رئيسياً في تجاوُزِه لتلك الصعابِ والمِحَــن.

 

رجلٌ مطارَدٌ في رحلة مليئة بالمعاناة في سبيل الله:

إن تتبُّعَ سيرةِ الرئيس الشهيد صالح الصمّاد أشبهُ بالارتقاء على سلّم القيم والأَخْــلَاق والتضحية والإقدام، والتعمقُ فيها يقودُنا إلى النموذج المثالي للرجل والداعية والمعلم والمجاهد الذي يجب أن يكونَ عليه من يتخرج من مدرسة الثقافة القُـــرْآنية التي أسّسها الشهيدُ القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، غير أن الشهيد الصمّــاد كان نموذجاً استثنائياً، وصدق والدُه المرحومُ الحاج علي الصمّــاد الذي تحدث في تسجيل مصور عُرِضَ في الفيلم الوثائقي لقناة المسيرة “الصمّــاد” عندما قال بلُغة عفوية وفطرية إنه لا يوجد من قبل رجل مثل الصمّــاد، متمنياً أن يكون هناك من بعده من هو مثلُه أو حتى أعظم، وما استعرضناه نحن في صحيفة المسيرة خلال الحلقتين الأُوليين من تتبعنا لسيرة الشهيد الصمّــاد، وصولاً إلى نهاية الحرب الثانية، يؤكّـــد استثنائية ابن المسيرة القُـــرْآنية، فمن يقرأ تلك السطور وما تضمنته من أحداث جسام وتضحيات كبيرة قد لا يتصور أن الصمّــاد إلى ذلك الحِين لم يكن قد تجاوز الخامسة والعشرين من عمره.

عندما عاد الصمّــاد ورفيقُه الوحيدُ بعد نجاتهما من العملية الاستثنائية في مدينة صعدة تزامناً مع حرب السلطة الثانية على أبناء المحافظة، إلى منطقة نشور بالرزامات اطّلع عن قرب على حجم الإجرام الذي مارسته السلطةُ التي تركزت حربُها بشكل رئيسي على تلك المنطقة التي كانت تحتضن السيد العلامة بدر الدين الحوثي رحمه الله وثلةً من أوائل القادة والمجاهدين، لم تخفت عزيمةُ الصمّــاد بل راح يفكر بالمرحلة القادمة ليس على سبيل الحرب، وإنما مضياً في نشر الثقافة القُـــرْآنية والعمل على إيقاظ الأُمَّـــة وتنبيهها بالأخطار التي تتعرض لها والواجبات التي عليها انطلاقاً مما تعلمه من الشهيد القائد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ-ما، غير أن ذلك الوقت كان صعباً للغاية، فالسلطةُ منتشيةٌ بالجرائم التي ارتكبتها، معتبرة إياها نصراً يرضي أمريكا عنها، فراحت توزع المخبرين والجنود لملاحقة المجاهدين، وهنا أصبح الصمّــاد مطارَداً يتحَــرّك في أوساط مجتمع سيطر على نسبة كبيرة منه الخوف من السلطة وإرهابها، وهو ما ضاعف معاناة المجاهدين.

التقى الصمّــاد في مرحلة ما بعد الحرب الثانية بثلة قليلة من رفاقه معظمُهم من أبناء منطقته ساحة صبر في بني معاذ لا يتجاوزون عددَ الأصابع، باحثين عن مخبأ لا تصل إليه عيونُ السلطة ومخبروها إلى أن يقضيَ اللهُ أمراً كان مفعولاً، فوقع الاختيار على منزل مهجور في ساحة صبر مسقط رأسه، وهو المنزل الذي -وفقاً لرواية رفاقه- كان وما يزال شاهداً على عظمة الشهيد الصمّــاد ورسوخ القيم التي كان يحملها وجعلته لا يشعر باليأس رغم كُــلّ ما حصل، بل إنها جعلته واثقاً من أن الله سينصرُ الحق الذي يحملونه على عواتقهم، مدركاً حجمَ العدوّ الذي يتكونُ من المشروع الكوني الصهيوأمريكي وعملائه، لكنه ورغم أنه ومن حوله لا يتجاوزون عدد الأصابع وأمثالهم المطاردون في مناطقَ متفرقة من محافظة صعدة، إلا أن ذلك كله لم يوهن عزيمته ولم يضعف إيْمَانه بصوابية المشروع الذي يمضي فيه.

خلف ذلك البيت المهجور في ساحة صبر كانت شقيقةُ الصمّــاد توافيه بالطعام له ولرفاقه وهي وهم يعلمون أن ذلك العمل الذي يجري بسرية يعدُّ مخاطرةً كبيرةً، خصوصاً أن السلطة كانت لا تتوانى عن ارتكاب أية جريمة أو عيب بحق رجل أو امرأة طفلاً أو شيخاً كبيراً، وهكذا كان الصمّــاد ورفاقه يتناولون طعامَهم على قلته ومن ثَم يعودون إلى ذلك المنزل الذي كان ملاذَهم من عيون السلطة ومخبريها والخائفين منها والباحثين عن مصالحَ مادية منها من وراء الإبلاغ عن أماكن المجاهدين.

 

  • قصةُ الهروب من فاطمة

استمرَّ الصمّــادُ ورفاقُه في التخفي داخل البيت المهجور لمدة طويلة ولم تخفُتْ عزيمتهم أو يصِبْها الوهن، لكن هذه المرحلة لم تخلُ من المواقف الطريفة التي رواها الصمّــاد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ- عدة مرات لمن رافقوه في المراحل التالية، أحدُ تلك المواقف كانت حينما بدأ الصمّــاد ورفاقُه يعتادون على التخفّي، وفي مرة استرخوا بعد تناولهم الغداءَ خلف البيت المهجور فطالت مدة استرخائهم حتى بدأ الناس يخرجون من بيوتهم وفي تلك اللحظة وفيما الصمّــاد ورفاقه يتبادلون الحديثَ، وفي تلك اللحظة ظهرت طفلة تُدعى فاطمة اكتشفت مكانَهم فما كان من الصمّــاد ورفاقه أن نهضوا من أماكنهم مسرعين إلى داخل البيت المهجور هاربين من “عيون فاطمة الطفلة”.

عاد الصمّــادُ ورفاقه إلى ذلك المنزل بعد أن تناولوا غداءهم وهربوا من “الطفلة فاطمة”، وكالعادة بدأ الصمّــادُ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ- يذكّر رفاقَه المجاهدين بالله ويحثهم على التمسك بمبادئهم وخطهم الجهادي، مستعيناً بقدراته المعروفة في الخطابة وغزارة ثقافته الإيْمَانية وقوة ارتباطه بالثقافة القُـــرْآنية، وبدأ أيضاً يؤكّـــد لرفاقه صحّةَ الخط الذي يمشون فيه وأن عاقبة الصبر والجهاد هي النصر على المعتدين وأعداء الأُمَّـــة الإسْلَامية كافة، وهنا وعلى سبيل التندر قال أحدُ رفاق الصمّــاد: “كيف سننتصر واحنا بنهرب من فاطمة؟”، فضحك الجميع وظل الصمّــاد يروي هذا الموقف الطريف كلما عادت به الذاكرةُ إلى الوراء، وكلما كان هناك مناسبةٌ لرواية الأحداث التي مر بها منذ انطلاقه في المسيرة وظل هذا الموقف من أكثر المواقف الطريفة التي ترسم البسمة وتجعل الصمّــاد يضحك أثناء روايته لهذا الموقف.

على الرغم من التضييق على مجتمع المجاهدين من قبل السلطة وأعوانها وتشتت المجاهدين الذين تحوّلوا إلى مطاردين، علاوةً على المصاعب المادية والصحية وغيرها من الظروف التي رافقت حروب السلطة على صعدة، إلا أن المجاهدين وبينهم الشهيد الصمّــاد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ- لم يجعلهم ذلك ولو للحظة يشعرون بالإحباط، فالوقود الذي كان يحركهم أقوى من كُــلّ تلك المصاعب وهنا نقصُدُ وقودَ الثقافة القُـــرْآنية التي جعلت الصمّــاد ورفاقه يتعاملون مع واقعهم بثقة بالله وكأنهم يرون ما بعد ثورة 21 سبتمبر رأيَ العين.

 

  • خضوعُ الصمّــاد المطارَد لعمليات جراحية

ثمة مصاعبُ عارضة كانت تواجه المجاهدين في فترة ما بعد الحرب الثانية وما قبل الحرب الثالثة، أحد تلك المصاعب حدثت عندما أصيب الصمّــاد بالتهاب “الدودة الزائدة” لم يكن هذا المرض وهذه المعاناة بحد ذاتها هي المشكلة بل كانت المشكلة تكمن في كيف يمكن إسعافه وإخراجه من البيت المهجور إلى أي مستشفى وكل عيون المخبرين والعسس وأعوان السلطة تطارد المجاهدين وتترصدهم؟

كانت عملية إسعاف الصمّــاد تعني القبض عليه من قبل السلطة والقبض على مسعفيه من رفاقه وفي الوقت ذاته كان ترك الصمّــاد يعاني الآلام تعني انتظار أن تنفجر “الدودة الزائدة”، وهذا ما كان سيؤدي إلى وفاته فما كان من رفاقه إلا أن قرّروا خوض ما يمكن وصفُها بالمغامرة عندما قاموا بالتحَــرّك لإيجاد طبيبٍ يمكنُ التنسيقُ معه لإجراء عملية جراحية للصمّــاد وأن يستجيب هذا الطبيب للدواعي الإنْسَانية رغم ما قد ينجم عن ذلك من ضرر عليه فالسلطة كانت لا تتسامح مع هذه المواقف ولم تكن الإنْسَانية موجودة في قاموسها.

توجه رفاق الصمّــاد نحو المستشفى الجمهوري بمدينة صعدةَ رغم ما كان يمثله ذلك من خطر وكان قسمٌ آخر منهم قد نجح في إيجاد طبيب وافق على إجراء العملية للصمّــاد على أن يكونَ ذلك في الليل الذي يشهد تراجعاً للحركة داخل المستشفيات، وكان على الصمّــاد في حينها مكابدةُ الآلام التي كانت تتصاعدُ في كُــلّ لحظة، ومن المعلوم أن الآلام التي يتسبب بها التهاب الدودة الزائدة لا تُحتملُ ولا تهدأ.

بعد تجاوز الصعوبات، خضع الصمّــاد للعملية الجراحية وكونه مطارداً من السلطة وأعوانها لم يكن بمقدوره أن يبقى في سرير المستشفى بعد إجراء العملية ولا بمقدوره العودة كباقي المرضى لإجراء جراحات ما بعد العملية، فقرّر ورفاقه التوكل على الله ومغادرة المستشفى مباشرة فيما كانت سيارة أحد المجاهدين تنتظر لتعيده ورفاقه إلى ذلك البيت المهجور الذي اتخذوا منه مسكناً يبعدهم عن أعين المخبرين.

مرت أيامٌ قليلة قضى فيها الصمّــاد ورفاقه المطاردون روتينهم اليومي وتطبيق البرنامج المعروف لدى المجاهدين والمتمثل بقراءة القُـــرْآن وتدارس ملازم السيد حسين بدر الدين الحوثي، وكان الصمّــاد على رغم من آلامه بعد العملية يواصلُ دورَه الثقافي والجهادي ولو على مستوى الدائرة الضيقة من رفاقه في ذلك الوقت، لكن حدث أمرٌ لم يكن متوقعاً فقد عاودت الآلامُ وظهر أن العملية الجراحية التي أجريت للصمّــاد لم تنجح وربما بسببِ الظروف الأمنية والمخاوف لم يتمكّن الطبيب الجراح من استئصال الدودة الزائدة بالكامل والآن بات على الصمّــاد ورفاقه أن يكرّروا المغامرة والبحث مجدداً عن طريقة لإجراء عملية جراحية أُخْرَى وكان على الصمّــاد أيضاً أن يحتمل ما لا يطاق من الآلام المبرحة.

بعد عناء نجح رفاق الصمّــاد مجدداً في إيجاد طبيب جراح قَبِلَ بهذه المهمة الإنْسَانية على الرغم من مخاطرها، فسُمعةُ السلطة كانت سيئةً جداً فيما يتعلق بتعاملها مع المجاهدين أو من يتعامل معهم أو يقدم لهم أي نوع من العون ولو كان عوناً إنْسَانياً، ووقع الاختيار هذه المرة على مستشفى السلام بصعدة لإجراء العملية الثانية، ولنا أن نتخيلَ صعوبة الرحلة من بني معاذ إلى المستشفى والطريق المليء بنقاط التفتيش؛ ولذلك كانت كُــلّ خطوة محفوفةً بكل أنواع المخاطر إلا أن رعايةَ الله كانت حاضرةً وتمكّن رفاق الصمّــاد من إسعافه إلى المستشفى ليلاً بحسب الموعد المتفق عليه مع الطبيب الجراح.

كانت العملية الجراحية هذه المرة أخطر؛ لأَنَّها ستتم على أثر عملية لم تنجح ولأن الصمّــاد لم يخضع لأي نوع من الرعاية الطبية أو الراحة بعد العملية الأولى الفاشلة.

في تلك الليلة أجريت العملية للصمّــاد بنجاح؛ ولأَنها العملية الثانية كان الطبيب يؤكّـــد ضرورةَ أن يحظى المريضُ براحة طويلة ورعاية طبية مركزة، غير أن ذلك لم يكن ممكناً ولم يكن متاحاً من الوقت سوى من آخر الليل أي بعد إجراء العملية وحتى بداية الصباح قبل أن يبدأَ الدوام الرسمي، فقضى الصمّــاد سويعات قليلة في سرير المستشفى ومع شروق الشمس كانت سيارة المجاهدين تنتظرُ لتقل الصمّــاد وتعيده إلى البيت المهجور في ساحة صبر بمنطقة بني معاذ، وفي تلك اللحظة بدا أن أحدَ المخبرين التابعين للسلطة قد عَلِمَ بأمر تواجد الصمّــاد في مستشفى السلام وأبلغ مشغليه الذين شعروا بالسعادة، معتقدين أنهم حصلوا على صيد ثمين سيجنون منه مصالحَ كثيرة ويحصلون على مكافآت وترقيات من قبل السلطة على صنيعهم، غير أن عنايةَ الله كانت حاضرةً دائماً فقد أدرك رفاق الصمّــاد أن ثمة شيئاً غريباً يحدث فتحَــرّكوا بسرعة جداً، وهنا يؤكّـــدُ كثيرون مما عايشوا الواقعة، أنه وفيما كان الصمّــاد يستقلُّ السيارة بمعاونة رفاقه كانت أجهزةُ السلطة قد وصلت إلى المستشفى، لكن الصمّــاد غادر وابتعد عن الخطر وخابت آمالُ السلطة التي كانت تُمَنِّي نفسَها بالقبض على الصمّــاد ورفاقه دفعةً واحدةً وتحقّق نجاحاً مجانياً.

 

  • الصمّــادُ يبادلُ الوفاءَ بالوفاء

كانت صفةُ الوفاء من أبرز سمات شخصية الشهيد صالح الصمّــاد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ-، ويروي رفاقُه أنه على سبيل المثال لم ينسَ الصمّــادُ إلى حين استشهاده عدداً من الأشخاص الذين آزروه في فترات الشدائد بينهم الطبيب الجراح الذي أجرى له العملية وظل يسأل عنه ويزوره حتى بعد أن أصبح رئيساً لليمن، وظل يروي لرفاقه حجم امتنانه لهذا الطبيب.

شخصٌ آخر من بين أشخاص كُثْرٍ لم ينسَ الصمّــادُ جميلَهم، وهو ابن عمه عبدالله الصمّــاد. هذا الأخير أصيب بمرض في فترة رئاسة الصمّــاد الذي علم بمرضه ورقوده في المستشفى السعودي الألماني بصنعاء فلطلب من مرافقيه الذهابَ معه إلى المستشفى لزيارة هذا المريض وفي الطريق روى لمرافقيه أن ابنَ عمه المريض الذي هم ذاهبون لزيارته كان يرعى أسرتَه ويتلمس احتياجاتها في الفترة التي كان فيها الصمّــاد مطارَداً من قبل السلطة خلال الحروب الست على صعدة.

بالعَودة إلى البيت المهجور بعد نجاح العملية الجراحية، يؤكّـــدُ رفاق الصمّــاد أن الأخير على الرغم من آلامه والمشاق التي ترافق مسيرته إلا أنه ظل مهموماً بالقضية التي غيّرت مجرى حياته، فالسلطة كانت قد أظهرت بعضَ المؤشرات على نيتها شنَّ حرب ثالثة على صعدة بعدما تنامى إلى مسامعها أن الحربَ الثانية لم تجتث كُــلَّ المجاهدين وأن مشروع الثقافة القُـــرْآنية الذي أرساه السيدُ حسين الحوثي -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ- ما يزال يتوسعُ في أوساط المجتمع، فكان الصمّــادُ بموازاة ذلك يشُدُّ من أزر رفاقه ويحثُّهم على التمسك بمشروع الثقافة القُـــرْآنية وعدم جعل المصاعب تحُدُّ من اندفاعهم وثقتهم بالله ونصره.

في الحلقات القادمة سنواصل تتبع سيرة رئيس الشهداء صالح الصمّــاد -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَيْــهِ- وسنتعرف خلال الحلقة الرابعة القادمة على الدور الذي اضطلع به الصمّــاد خلال الحربين الثالثة والرابعة والجهود التي قام بها خلال الحربين وما بينهما، ومعاً سنواصل اكتشاف الكثير من الجوانب في حياة شهيدنا الصمّــاد الذي أحبه كُــلّ اليمنيين كرئيس لليمن وأحبه مع عرفوه قبل أن يكون رئيساً، فسيرتُه مليئةٌ بالجهاد والإخلاص والصدق والتقوى، وهي السيرة التي أكسبته محبةَ الناس ورضا الله، فقد كان الصمّــادُ خلال رئاسته يرد على الملاحظات التي تنتقدُه على عدم اهتمامه بالظهور الإعلامي بترديد هذه الآية “إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا” (صدق الله العظيم). وهنا سندركُ خلالِ تتبعنا لسيرة الصمّــاد عمق ارتباطه بالله وثقته به وبوعده.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com