الحرية على الطريقة الأمريكية: عبوديةٌ من نوع آخر
رهيب التبعي
في عالمنا المعاصر، تروّج الولايات المتحدة الأمريكية لمفهوم “الحرية” كأحد أعظم المبادئ التي تدافع عنها في سياستها الداخلية والخارجية. ولكن ما يظهر في الواقع هو أن هذه الحرية التي تحتفي بها أمريكا هي في الحقيقة عبودية من نوع آخر، تحاول إخفاء سجونها الفكرية والسياسية التي تفرضها على شعوب العالم.
الحرية الأمريكية ليست سوى قناع تخفي وراءه سيطرة غير مرئية تتخذ أشكالًا متعددة، منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فمنذ أن نُسبت إليها فكرة “الحرية والديمقراطية”، بدأت أمريكا تتبنى استراتيجيات تؤكّـد حرصها على نشر هذه القيم حول العالم، ولكن ما أن يتعمق المرء في فهم هذه السياسات حتى يدرك أنها مُجَـرّد أدوات لفرض الهيمنة على الدول والشعوب.
على صعيد السياسة الخارجية، تظهر الولايات المتحدة في صورة المدافع عن حرية الشعوب والداعمة لاستقلال الدول، بينما الحقيقة أن تدخلاتها العسكرية في الشرق الأوسط وأفريقيا، على سبيل المثال، ما هي إلا سعي لفرض السيطرة السياسية والاقتصادية على هذه المناطق. فالديمقراطية الأمريكية، التي تسعى الولايات المتحدة لتصديرها، لا تأتي إلا بعد تدمير مقدرات الدول وإسقاط أنظمتها السياسية التي لا تخدم المصالح الأمريكية. من العراق إلى أفغانستان، ومن ليبيا إلى سوريا، أصبحت الحرية الأمريكية تُستخدم كذريعة لتنفيذ خطط استعمارية جديدة.
أما في الداخل الأمريكي، فالمشهد لا يختلف كَثيرًا. على الرغم من شعار “الحرية للجميع”، نجد أن فئات واسعة من الشعب الأمريكي تعيش تحت عبودية اقتصادية، حَيثُ تزداد الهوة بين الأغنياء والفقراء. تركز الثروات في يد قلة من الشركات الكبرى التي تتحكم في مجالات حيوية مثل الإعلام، الصحة، والتعليم، مما يجعل الأفراد مُجَـرّد أدوات للاستهلاك. فالحرية في النظام الرأسمالي الأمريكي لا تعني بالضرورة الاستقلالية، بل إنها تعني أن الفرد يعيش في نظام لا يملك فيه القدرة على اتِّخاذ قراراته بحرية بعيدًا عن مصالح الشركات الكبرى التي تتحكم في كُـلّ شيء.
كما أن الولايات المتحدة تُمارس “عبودية فكرية” على مواطنيها من خلال وسائل الإعلام التي تروج لروايات موحدة وموجهة، مما يحد من التفكير النقدي ويعزز الأفكار التي تخدم المصالح السياسية والاقتصادية للحكومة. في الوقت نفسه، تسعى الأجهزة الأمنية إلى فرض الرقابة على الأنشطة الإلكترونية، بحجّـة مكافحة الإرهاب، مما يؤدي إلى انتهاك حق الخصوصية والحرية الشخصية لمواطنيها.
الحرية الحقيقية لا تكمن في تكديس الثروات أَو فرض النظم السياسية على الآخرين، بل في تمكين الأفراد والشعوب من اتِّخاذ قراراتهم بأنفسهم بعيدًا عن أي نوع من الضغط أَو الهيمنة. الحرية يجب أن تكون حالة من الاستقلالية الفعلية، لا أن تكون مُجَـرّد شعار يُستخدم لخدمة مصالح القوى العظمى.
أمريكا قد تكون قد نجحت في تسويق “الحرية” كمنتج عالمي، ولكن الحقيقة أن هذه الحرية ليست سوى عبودية مغلفة بحزمة من الوعود الكاذبة. لا بُـدَّ من أن تتوقف الشعوب عن تصديق هذه الوعود، وأن تسعى إلى تحقيق حرية حقيقية تنبع من العدل والمساواة، لا من الاستغلال والهيمنة.