انفجارُ فقاعة “التصنيف”: إدارة ترامب تنضم إلى سابقتها بسرعة في مأزق استحالة ردع اليمن

– إسقاط (إم كيو-9) الخامسة عشرة يترجمُ استمرارَ العجز العملياتي والتكتيكي لواشنطن

– وزير البحرية الأمريكية الجديد يقر باستنزاف الذخائر الدفاعية؛ بسَببِ معركة البحر الأحمر

– قائد أمريكي متقاعد: صواريخ البحرية لا تستطيع التصدي للمسيّرات اليمنية

– مسؤول كبير بالبنتاغون: الترسانة اليمنية لا زالت لغزاً محيراً واليمنيون مبتكرون للغاية ويفاجئوننا

 

المسيرة | خاص:

تزامناً مع عودة إدارة ترامب إلى التصعيد ضد اليمن، من خلال قرار التصنيف الانتقامي الذي جاء حاملاً دلالات فشله في تحقيق أهدافه منذ البداية، عادت حقائقُ ودلالات الهزيمة الأمريكية التاريخية والثابتة أمام اليمن إلى الواجهة، من خلال وقائع وشهادات عسكرية جديدة أكّـدت عدم قدرة الجيش الأمريكي على تجاوز واقع عجزه وفشله في مواجهة القوات المسلحة اليمنية على عدة مستويات؛ الأمر الذي يرسم صورة واضحة عن المأزق المُستمرّ الذي لا يتغير بتغير الإدارات الأمريكية.

أولى الوقائع كانت نجاح القوات المسلحة اليمنية، يوم الثلاثاء، في إسقاط طائرة (إم كيو-9) الخامسة عشرة من نوعها منذ بدء معركة الفتح الموعود، بالتزامن مع إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن دخول قرار التصنيف الانتقامي حيز التنفيذ، حَيثُ نسفت هذه العملية “الصورة الجديدة” التي حاولت إدارة ترامب أن ترسمها من خلال قرار التصنيف لتعزل نفسها عن هزيمة إدارة بايدن، وسَرعانَ ما جاءت الاعترافات الرسمية من مسؤولين دفاعيين أمريكيين بإسقاط الطائرة لتؤكّـد أن مسارات تلك الهزيمة مُستمرّة بنفس الوتيرة ولا تراعي وجود رئيس جديد في البيت الأبيض.

وبعد محاولات التكتم الفاشلة التي كانت إدارة بايدن تعتمد عليها للتخفيف من وقع الفشل من خلال تجاهل بعض عمليات الإسقاط أَو عدم الإفصاح عن أماكن وقوعها أَو عددها، أقر مسؤول دفاعي أمريكي في الإدارة الجديدة لأول مرة بإحصائية لعدد طائرات (إم كيو-9) التي تم إسقاطها في اليمن منذ بدء معركة إسناد غزة، وزعم أنها وصلت إلى 12 طائرة، وهو ما يؤكّـد المأزق الكبير الذي لم تعد الولايات المتحدة تستطيع إخفاءَه، حتى أنها اقتنعت بإنكار إسقاط ثلاث طائرات فقط، لتخفيض الإحصائية الحقيقية، وكأن ذلك سيغيّر شيئًا من حقيقة أن اليمن قد أصبح المقبرة الأكبرَ لهذا السلاح وللتقنية المتطورة التي تقف خلفه تصنيعاً وتشغيلاً.

عملية إسقاط (إم كيو-9) الخامسة عشرة أعادت معها هزيمة البحر الأحمر إلى الواجهة، بشكل يؤكّـد على عجز الجيش الأمريكي عن تجاوزها بغض النظر عن رحيل إدارة بايدن ومجيء ترامب، حَيثُ أقر قائد متقاعد في البحرية الأمريكية بأن “الولايات المتحدة استخدمت في البحر الأحمر من الصواريخ الدفاعية أكثر مما استخدمته خلال ثلاثة عقود”، وَفقًا لما نقل موقع “تاسك آند بربس” العسكري الأمريكي.

وَأَضَـافَ القائد المتقاعد، برايان كلارك، أن البحرية الأمريكية أن “التكلفة كانت هائلة” وأنه “برغم توقف الصراع في الوقت الحالي بفعل وقف إطلاق النار في غزة، فَــإنَّ البحرية ستحتاج إلى سنوات لتجديد إمدَاداتها من الصواريخ، وهذا يضعها في وضع سيء إذَا خاضت حرباً جديدة حالياً”.

وقال: إنه في حال اندلاع حرب مع الصين فَــإنَّ “أسلحة البحرية الأمريكية سوف تنفد في غضون أَيَّـام قليلة من القتال” مشيراً إلى أن هذه الصواريخ “يصعب تصنيعها ويتم إنتاجها بمعدل منخفض”.

ويشير هذا الاعتراف إلى مشكلة أَسَاسية لا تتعلق بسياسة إدارة بايدن أَو إدارة ترامب بل بقدرة البحرية الأمريكية نفسها، وهي أنها غير قادرة على العودة إلى التصعيد بنفس الوتيرة؛ بسَببِ الاستنزاف الهائل الذي تعرضت له في معركة البحر الأحمر؛ الأمر الذي يؤكّـد أن إدارة ترامب لا تستطيع أن تفعل شيئًا مختلفاً عن إدارة بايدن التي أوضح “كلارك” أنها قد واجهت تأثير هذا الاستنزاف قبل توقف القتال بأشهر، واضطرت إلى استعمال مدافع السفن الحربية وذخائر أُخرى أقل ثمناً لمواجهة الصواريخ والطائرات المسيَّرة اليمنية، وهو الأمر الذي ستضطر إليه إدارة ترامب بلا شك إذَا عادت المواجهة البحرية.

هذا ما يؤكّـده أَيْـضًا اعتراف وزير البحرية الأمريكية الجديد جون فيلان بأن “البحرية تواجه نقصاً في الذخائر”، وأنها “في مستوى خطير فيما يتعلق بالمخزون وَأَيْـضًا عملية التجديد”، وَفقًا لما نقل الموقع الأمريكي.

وإلى جانب القدرة المستنزفة، لفت القائد الأمريكي المتقاعد “كلارك” إلى مشكلة أُخرى تتجاوز سياسة البيت الأبيض، وهي أن الصواريخ الدفاعية الأمريكية قد أثبتت فشلها في التصدي للطائرات المسيَّرة اليمنية، “لأن هذه الطائرات غالبًا ما تحلق على ارتفاع منخفض للغاية أَو قريبة للغاية من السفينة بحيث لا يمكن ضربها بالصواريخ” حسب قوله، مُشيرًا إلى أن “الصواريخ لا تستطيع الاشتباك مع هذه الطائرات في الوقت المناسب” وبالتالي فهذا تحدٍّ ستواجهه إدارة ترامب بنفس العجز الذي واجهته به إدارة بايدن؛ لأَنَّه لا يتعلق بقرار سياسي بل بالفشل التقني والعملياتي للقدرات نفسها، وحتى إن توجّـهت الإدارة الجديدة لمعالجة هذه الجوانب فسيحتاج إلى وقت طويل للغاية ستتطور خلاله أَيْـضًا القدرات اليمنية بالشكل الذي يضاعف التحديات على القوات الأمريكية.

وبالإضافة إلى هذه التحديات المتعلقة بقصور القدرات الأمريكية، والتي من الواضح قائمة برغم تغير الإدارة الحاكمة، أقر مسؤول دفاعي أمريكي، الخميس، بأن التحدي الاستخباراتي الذي واجهته الولايات المتحدة في عهد إدارة بايدن فيما يتعلق باليمن، لا يزال قائماً هو الآخر، حَيثُ أكّـد مسؤول كبير بالبنتاغون، يوم الخميس، أن واشنطن “لا تزال في حيرة” بشأن الترسانة العسكرية التي تمتلكها صنعاء، وهو أمر كان قادة البحرية الأمريكية قد وصفوه أثناء معركة البحر الأحمر بأنه “ثقب أسود” كنايةً عن غموضه الشديد، وكان مسؤولون أمريكيون في عهد إدارة بايدن قد أكّـدوا أكثر من مرة على أن هذا التحدي الاستخباراتي يمثل حجر أَسَاس في فشل التحَرّك العسكري ضد اليمن؛ لأَنَّه يعيق حتى عملية تقييم تأثير الضربات الجوية.

ووفقاً للمسؤول الأمريكي الكبير الذي تحدث لموقع “ذا وور زون” العسكري، فَــإنَّ “عمق ونطاق” الترسانة اليمنية “لا يزال لغزاً إلى حَــدٍّ كبير” وبالتالي فَــإنَّ قدوم إدارة ترامب إلى البيت الأبيض لا يغيّر شيئًا.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد أَيْـضًا، حَيثُ أقر المسؤول الأمريكي بأن اليمنيين “مبتكرون للغاية” فيما يتعلق بترسانتهم العسكرية، معبراً عن احترامه -على مضض- للقوات المسلحة اليمنية على هذا الجهد.

وأضاف: “لقد فوجئنا في بعض الأحيان ببعض الأشياء التي نراهم يفعلونها، وهذا يجعلنا نخدش رؤوسنا قليلًا” وهذه مشكلة أُخرى تتجاوز اختلاف الإدارات الحاكمة في البيت الأبيض، فكما لم يملك بايدن أية وسيلة لوقف تطور الترسانة العسكرية اليمنية، من خلال القصف والضغوط السياسية والاقتصادية، فَــإنَّ إدارة ترامب لن تستطيع بقرار التصنيف والتهديدات الدعائية ونفس الضغوط السياسية والاقتصادية أن تفعل ذلك.

هذا أَيْـضًا ما يؤكّـده المسؤول الأمريكي الذي أكّـد أَيْـضًا أن اليمن “ينتج الكثير من ترسانته داخل البلاد”، وَفقًا لما نقل موقع “ذا وور زون” وهو ما يعني أن مسألة “قطع الإمدَادات الخارجية” التي تتركز حولها الكثير من جهود إدارة ترامب ضد اليمن، بما في ذلك قرار التصنيف، لا تعني أي شيء، والحقيقة أن الإدارات الأمريكية السابقة قد اصطدمت جميعها بحقيقة خواء عناوين الدعم الخارجي، حَيثُ استمرت القدرات العسكرية اليمنية بالتطور بشكل متسارع رغم كُـلّ إجراءات الحصار والتصنيفات المختلفة.

ووفقاً لكل ما سبق، يبدو بوضوح أن إدارة ترامب لا تملك في الواقع أي مخرج حقيقي من المأزق الذي وقعت فيه إدارة بايدن في مواجهة اليمن، وأن الهزيمة المدوية التي تعرضت لها الولايات المتحدة خلال 15 شهراً أمام جبهة الإسناد اليمنية لغزة لم تحدث؛ بسَببِ “تردّد” الإدارة السابقة كما يتم ترويجه، بل وقعت؛ بسَببِ تفوق اليمن على وسائل وأدوات الردع والضغوط الأمريكية بشكل مدهش وبمعادلات ذات تأثيرات واسعة النطاق وبعيدة الأمد يصعب على الإدارة الجديدة تغييرها.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com