مهلة استئناف الحصار البحري اليمني تعيد إلى الواجهة واقع انعدام خيارات جبهة العدو
مسؤول في شركة غربية للأمن البحري:
– اليمنيون معروفون بتنفيذ تهديداتهم والعمليات ستعود إذَا لم يتم إدخَال المساعدات لغزة
– أي تصعيد “إسرائيلي” أو أمريكي ضد اليمن سيعيد الصراع إلى المنطقة
المسيرة | ضرار الطيب
جاء إعلانُ السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي عن مهلة الأيّام الأربعة (بدءًا من الجمعة) لإدخَال المساعدات إلى غزةَ قبل استئناف الحصار البحري على “إسرائيل”، كتذكير جديد وصادم لجبهة العدوّ الصهيوني الأمريكي بالموقع المتقدم للغاية الذي بات اليمن يمتلكه في الصراع، ليس فقط كجبهة إسناد حاضرة بشكل عنيد في كُـلّ التفاصيل، بل أَيْـضًا كمعضلة استراتيجية بلا حَـلّ، وهو ما يعني عدم إمْكَانية تطبيق أية حسابات واستراتيجيات حتى للتعايش مع الحضور المزعج لهذه الجبهة، فضلا عن ردعها أَو التخلص من تأثيرها تمامًا.
ربما لم يكن تدخل الجبهة اليمنية للرد على منع دخول المساعدات إلى غزة مفاجئًا بالكامل، بالنظر إلى أن السيد القائد قد أكّـد منذ بداية وقف إطلاق النار على استعداد اليمن للتعامل فوريًّا مع أي تطور، وهو تأكيد كشفت تقارير عبرية أن المؤسّسة الأمنية في كيان العدوّ تأخذه على محمل الجِد و”بقلق” لكن المعادلة التي اختارتها القيادة اليمنية للرد على تصعيد العدوّ ضد الشعب الفلسطيني، ربما كانت مفاجئة، فاستئناف العمليات البحرية يحمل الكثير من التأثيرات والدلائل التي تخالف التصور الذي يحاول العدوّ ترويجه عن الجبهة اليمنية تحت مزاعمَ أنها جبهة تسعى بشكل أَسَاسي إلى “كسب” تأييد الرأي العام المحلي والدولي والإقليمي.
اختيار مسار العمليات البحرية أظهر أن خيارات الرد على التصعيد لدى قيادة الجبهة اليمنية ليست عشوائية ومحكومةً باعتبَارات “الدعاية” كما يظن العدوّ، بل مدروسة بعناية وموضوعية، وتهدف إلى مقابلة التصعيد بمثله، وهو ما يعكس بدوره وجود تنوع مميز واستراتيجي في الخيارات الفعالة بالشكل الذي يسمح بإرساء معادلات مثل “الحصار بالحصار”، الأمر الذي يعيد تذكير العدوّ بأنه لا يواجه فقط جبهة عنيدة وحريصة على الانخراط في الصراع، بل جبهة منظمة تمامًا وتدير انخراطها في الصراع بشكل احترافي، وهو ما يشكّل فرقًا كَبيرًا في النظرة والتقييم والتأثير.
على سبيل المثال، وفي تقييمه لإعلان السيد القائد، أوضح رئيس قسم الاستشارات في شركة (إي أو إس ريسك جروب) للأمن البحري، مارتن كيلي، أن اليمنيين “لديهم تأريخ في تنفيذ تهديداتهم، وبالتالي سيستأنفون العمليات بحلول 11 مارس إذَا لم تستأنف “إسرائيل” تسليم المساعدات إلى غزة”، مُشيرًا إلى أن أي “رد انتقامي من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا “وإسرائيل” سيؤدي إلى استئناف الصراع في الشرق الأوسط”.
هذه التقييم يعني الضغط الذي يمثله استئناف العمليات البحرية اليمنية على حركة الملاحة التابعة للعدو الصهيوني، هو موجَّه بشكل أَسَاسي ومركَّزٌ على مسألة إعادة إدخَال المساعدات إلى قطاع غزة، وأن قطاع الشحن يدرك تمامًا أن غرض التدخل اليمني ليس إعادة تفجير الوضع في المنطقة، بل إن هذا الانفجار لن يحدث إلا إذَا قرّرت جبهة العدوّ ذلك من خلال الاعتداء على اليمن، وهذا إدراك يحرم العدوّ حتى من “السردية” المضللة التي قد يلجأ إليها في محاولة التأثير على اليمن من خلال الادِّعاء بأن صنعاء تحاول إعادة الصراع، وبالتالي فَــإنَّ اختيار مسار العمليات البحرية على حركة الملاحة “الإسرائيلية” كرد على منع المساعدات هو ضربة مدروسة بعناية وتشكل مأزقًا للعدو حتى على مستوى التعامل الإعلامي.
بالإضافة إلى ذلك فَــإنَّ استئناف العمليات البحرية ضد العدوّ الصهيوني، يعيده إلى مأزق صعب للغاية لم يستطع التعامل معه خلال معركة “طوفان الأقصى”، فيما يتعلق بخيارات “الردع” أَو “احتواء التأثيرات” فالعدوّ لا يملك سوى استراتيجيتين: الأولى هي محاولة “تدويل” أزمته الملاحية، وتخويف شركات الشحن من عبور البحر الأحمر؛ مِن أجلِ الضغط على دول العالم والمنطقة وتحشيدها ضد صنعاء، وهو مسعى حرص السيد القائد على قطع طريقه من خلال التأكيد المتكرّر على أن التدخل سيكون ضد العدوّ الصهيوني فقط، كما أن العدوّ قد جرَّبَ هذا المسعى خلال المرحلة السابقة وكانت النتيجة عكسية، فالتأثير الذي تسبب به من خلال ترهيب وابتزاز شركات الشحن لتجنب البحر الأحمر، أَدَّى إلى تعزيز الالتفاف الإقليمي والدولي (حتى من جانب أطراف مثل السعوديّة) حول مطلب وقف إطلاق النار في غزة؛ باعتبَاره الحل الأَسَاسي والضروري للمشكلة، وبالتالي فَــإنَّ محاولة تدويل الأزمة مجدّدًا لن تحقّق أية نتيجة.
ولا يختلف الأمر بالنسبة للاستراتيجية الثانية لدى العدوّ هي الاعتداء على اليمن وعسكرة البحر الأحمر، وهي استراتيجية كانت نتائجها عكسية بل وصادمة لجبهة العدوّ خلال المرحلة الماضية، حَيثُ تعرضت البحرية الأمريكية لهزيمة غير مسبوقة لا زالت آثارها وتداعياتها مُستمرّة حتى الآن، فيما كشفت الاعتداءات الجوية عن عجز فاضح لدى جميع أطراف العدوّ على المستوى الاستخباراتي والعملياتي فيما يتعلق باليمن.
وإلى جانب ذلك، فَــإنَّ التقييمات الحالية بأن الاعتداء على اليمن سيعيد تجديد الصراع في المنطقة تشير إلى أن جبهة العدوّ ستواجه ضغوطًا معاكسة بشأن مسؤوليتها عن زعزعة أمن المنطقة والبحر الأحمر، خُصُوصًا بعد أن برهنت القوات المسلحة اليمنية على مصداقية التزامِها بمحدّدات وقف إطلاق النار من خلال وقف العمليات البحرية خلال الأسابيع الماضية.
وفوق كُـلّ ذلك، فَــإنَّ عودة تأثيرات الحصار البحري اليمني على اقتصاد العدوّ لن تكون هامشية وقابلة للتجاهل، فقد تم إغلاق ميناء “إيلات” لأكثر من عام بشكل كامل، وكسرت التأثيرات الأُخرى على حركة الواردات والصادرات والاستثمارات في المرحلة الماضية حواجزَ الرقابة والتكتم وأجبرت مسؤولي العدوّ ومراكز أبحاثه ووسائل إعلامه على الاعتراف بخسائرَ “جسيمة”، وقد ينطوي استئنافُ العمليات البحرية هذه المرة على مفاجآت جديدة تجعل هذه التأثيرات أشدَّ وأكثر وضوحًا.
وفي ظل انسداد كُـلّ آفاق العدوّ للتعامل مع الحصار البحري اليمني، فَــإنَّ إعادة تفعيل هذا الحصار للرد على منع دخول المساعدات إلى غزة سيساهم في المزيد من تثبيت فعالية هذا المسار العملياتي الاستثنائي وغير المسبوق في حسابات الصراع الحالية والمستقبلية، وسيعني ذلك أن على الصهاينة أن يفكروا دائمًا بالجبهة البحرية اليمنية قبل الإقدام على أية خطوة تصعيدية في أية ساحة، وهو أمر سيكون وقعه ثقيلًا على العدوّ الذي بذل جهودًا كبيرة طيلةَ الفترة الماضية لمحاولة فصل العمليات البحرية اليمنية عن مجريات الصراع.
وبعد الهزيمة المدوية للبحرية الأمريكية أمام جبهة الإسناد اليمنية لغزة خلال 15 شهرا، ستواجه إدارةُ ترامب مأزقًا كَبيرًا وثقيلًا في حال مخاطرتها بالعودة إلى الاشتباك مع القوات المسلحة اليمنية لإعاقة عمليات الإسناد الجديدة، فالبحرية الأمريكية منهكة باعتراف وزيرها الجديد به فيما يتعلق بالقدرات الدفاعية نتيجة الاستنزاف الكبير الذي سببه الاشتباك السابق، كما أن التطور المُستمرّ للترسانة اليمنية “الغامضة” يجعل الإقدام على التصعيد ضد اليمن مغامرة غير محسوبة.
وهكذا، فَــإنَّ خيارَ عودة إدخَال المساعدات إلى غزةَ يبدو في النهاية هو الخيارُ السليمُ الوحيد أمام جبهة العدوّ، وهذا ما ستؤكّـده بلا شك تداعياتُ رفض هذا الخيار، بالنظر إلى تجربة الجولة الماضية، والتقييمات الحالية للوضع لدى جميع الجهات، بما في ذلك قطاع الشحن.