رئيس قسم الصيدلة الصناعية بجامعة صنعاء الدكتور عبدالملك أبو دنيا في حوار لـ “المسيرة”: ارتفع عدد الأصناف الدوائية المصنَّعة محليًّا إلى 1910 وهناك خططٌ لإدخَال 3 مصانع جديدة هذا العام تحقيق الأمن الدوائي يتطلب إرادَة قوية ومزيداً من التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص
رغم التقدم الذي تحقّق إلا أن الإنتاج المحلي لا يزال يغطِّي ما بين 10 – 15 % فقط من احتياجات السوق اليمني
الحصار يعرقل استيراد المواد الخام والمعدات اللازمة وتأثيرات العدوان تحول دون توسيع الاستثمارات الأجنبية
من الضروري التركيز على تدريب الكوادر الطبية والصناعية وتعزيز البحث العلمي
صناعة الدواء في اليمن تمتلك مقومات كبيرة للنمو ولكنها تحتاج إلى تكاتف الجهود بين الحكومة والقطاع الخاص
اعتبر رئيس قسم الصيدلة الصناعية بجامعة صنعاء الدكتور عبدالملك أبو دنيا، وصولَ عدد الأصناف الدوائية المصنعة محليًّا إلى 1910 أصناف، تقدمًا كَبيرًا، في ظل التحديات التي تواجه القطاع، مؤكّـدًا أن الخطوة الرئاسية بمنح الإعفاءات الجمركية لمدخلات الإنتاج الدوائي أسهمت في تشجيع الإنتاج المحلي، وزيادة عدد الأصناف الدوائية المنتجة محليًّا، وساعدت في جذب المستثمرين لتوسيع أنشطتهم؛ ما أَدَّى إلى تراجع نسبي في أسعار بعض الأدوية المحلية مقارنة بالمستوردة.
وفي حوار مع صحيفة “المسيرة”، أشار الدكتور عبدالملك أبو دنيا إلى أن اليمن تمتلك تنوعًا بيئيًّا ومناخيًّا فريدًا يوفر بيئة مناسبة لزراعة العديد من النباتات الطبية والعطرية والأعشاب المختلفة، التي يمكن استخدامها في صناعة الأدوية والمكملات الغذائية، لكنها تحتاج إلى توجّـه حكومي واسع.
ولفت إلى أن هناك تحسناً ملحوظاً في القوانين والتشريعات التي تدعم الاستثمار الدوائي، لافتًا إلى وجود خطط لإدخَال 3 مصانع أدوية جديدة إلى الخدمة خلال العام الجاري لتضاف إلى الـ11 مصنعًا التي تعمل في الوقت الحالي.
وتطرق الدكتور عبدالملك أبو دنيا إلى جملة من التوصيات والمواضيع ذات الصلة، تستعرضها صحيفة “المسيرة” في نص الحوار تاليًا:
حاوره / إبراهيم العنسي
– كيف تنظر إلى مستوى نشاط توطين صناعة الدواء في اليمن اليوم؟
شهد قطاع الأدوية في اليمن تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خَاصَّة في ظل الجهود المبذولة لتوسيع الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
ويعتبر وصول عدد الأصناف الدوائية المصنَّعة محليًّا إلى 1910 أصناف، تقدمًا كَبيرًا، لا سِـيَّـما في ظل التحديات التي تواجه القطاع.
ومع ذلك، لا يزال السوق بحاجة إلى مزيد من التطوير والاستثمارات لتحقيق الاكتفاء الذاتي الفعلي.
– ما حجم الإمْكَانات التي تمتلكها اليمن لضمان صناعة الدواء محليًّا من حَيثُ النباتات والموارد الطبيعية؟
تمتلك اليمن تنوعًا بيئيًّا ومناخيًّا فريدًا يوفر بيئة مناسبة لزراعة العديد من النباتات الطبية والعطرية، مثل الصبار، المر، اللبان، الزعتر، وغيرها من الأعشاب التي يمكن استخدامها في صناعة الأدوية والمكملات الغذائية. ولكن للأسف، لم يتم استغلال هذه الموارد بالشكل المطلوب بعد؛ بسَببِ نقص الأبحاث العلمية والاستثمار في استخلاص المواد الفعالة منها محليًّا.
– هل تبدو البنى التحتية والتسهيلات مشجعة للاستثمار في مجال صناعة الدواء؟
هناك تحسن ملحوظ في القوانين والتشريعات التي تدعم الاستثمار الدوائي، مثل الإعفاءات الجمركية والضريبية لمدخلات الإنتاج، إضافة إلى إنشاء مناطق صناعية دوائية جديدة.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تتعلق بتوفير الطاقة المستقرة، تحسين المرافق اللوجستية، وتسهيل نقل المواد الخام والمنتجات النهائية.
– هل هناك تصنيع للمواد الخام الدوائية في اليمن؟
حتى الآن، يتم استيراد معظم المواد الخام اللازمة لصناعة الأدوية، رغم توفر الموارد الطبيعية التي يمكن استخدامها.
ولا يوجد حتى الآن إنتاج فعلي للمواد الخام الفعالة للأدوية على نطاق تجاري، وهو ما يمثل تحديًا كَبيرًا تجب معالجته ضمن خطط التوطين المستقبلية.
– إلى أين وصل إنتاج المحاليل الوريدية والأمبولات؟
شهدت السنوات الأخيرة تحسنًا في إنتاج المحاليل الوريدية؛ إذ تمكّنت بعض المصانع المحلية من توفير جزء من الاحتياجات، خَاصَّة محاليل الغسيل الكلوي والمحاليل الطبية الأَسَاسية.
ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار والتطوير لتغطية الطلب المحلي بالكامل.
– ماذا عن إنشاء مصانعَ جديدة للأدوية في اليمن؟
إضافة إلى 11 مصنعًا موجودًا مسبقًا، هناك خطط لإدخَال 3 مصانع جديدة إلى الخدمة هذا العام، إلى جانب تقديم طلبات لإنشاء 24 مصنعًا جديدًا.
وإذا تم تنفيذ هذه الخطط بنجاح، فسيؤدي ذلك إلى رفع القدرة الإنتاجية بشكل كبير، وتحقيق طفرة في الاكتفاء الذاتي الدوائي.
– ما الذي تمخض عن الاستراتيجية الوطنية لإعفاء مدخلات صناعة الأدوية من الضرائب والرسوم الجمركية؟
أسهمت هذه الخطوة في تشجيع الإنتاج المحلي، وزيادة عدد الأصناف الدوائية المنتجة محليًّا.
كما ساعدت في جذب المستثمرين لتوسيع أنشطتهم؛ ما أَدَّى إلى تراجع نسبي في أسعار بعض الأدوية المحلية مقارنة بالمستوردة.
– هل أثمرت سياسة التصنيع التعاقدي في استقطاب الشركات العالمية للإنتاج في اليمن؟
رغم أن هذه السياسة فتحت المجال أمام الشراكات مع بعض الشركات الإقليمية، إلا أن الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة أعاقت تنفيذها بشكل كامل.
ومع ذلك، فَــإنَّها تظل خطوة إيجابية يجب تعزيزها عبر توفير بيئة استثمارية أكثر استقراراً.
– ما مدى تقدم تنفيذ خارطة الفرص الاستثمارية في المجال الدوائي والطبي؟
خارطة الفرص الاستثمارية التي تضمنت 290 مشروعًا ما زالت في طور التنفيذ، وقد تم إحراز بعض التقدم في إنشاء مراكز طبية وصناعية، إلا أن العديد من المشاريع تواجه صعوبات؛ بسَببِ نقص التمويل والبنية التحتية المناسبة.
– عَلَامَ يمكن أن تقوم سياسة التوطين الدوائي في ظل استمرار استيراد عدد كبير من الأدوية؟
يجب أن تستند سياسة التوطين إلى دعم الصناعات الدوائية القائمة، وتحفيز الإنتاج المحلي للأدوية الأَسَاسية، خَاصَّة أدوية الأمراض المزمنة والمضادات الحيوية.
كما يجب تشجيع الأبحاث العلمية لاستخلاص المواد الفعالة من الموارد الطبيعية المحلية، وإنشاء شراكات استراتيجية مع شركات دوائية عالمية لنقل التكنولوجيا.
– هل لا تزال نسبة تغطية الأدوية المحلية لحاجة السوق تتراوح بين 10-15 %؟
نعم، رغم التقدم الذي تحقّق، إلا أن الإنتاج المحلي لا يزال يغطي ما بين 10-15 % فقط من احتياجات السوق اليمني.
والهدف المعلن سابقًا بالوصول إلى 50 % لم يتحقّق بعد، ويتطلب الأمر مزيدًا من الاستثمارات والبنية التحتية لتحقيق هذا الهدف.
– كيف تقرأ أهداف إنشاء مناطق صناعية دوائية في صنعاء وذمار في ظل الحصار؟
إنشاء مناطق صناعية دوائية خطوة إيجابية جِـدًّا، ولكنها تتطلب بيئة اقتصادية مستقرة وتوفير الخدمات الأَسَاسية مثل الكهرباء والمياه والطرق.
والحصار المفروض على اليمن يشكل تحديًا رئيسيًّا أمام استيراد المعدات والمواد الخام؛ مما قد يعيق تنفيذ هذه المشاريع بالكفاءة المطلوبة.
– ما الإمْكَانات المتاحة حَـاليًّا للاستثمار في الصناعة الدوائية؟
الفرص متاحة في مجالات مثل إنتاج المستلزمات الطبية، التصنيع التعاقدي للأدوية، استخلاص المواد الفعالة من النباتات الطبية، وتوسيع إنتاج المحاليل الوريدية.
ومع ذلك، يبقى الحصار وتحديات التمويل أكبر العوائق أمام استقطاب الاستثمارات الخارجية.
– بمعنى كلامك أن العدوان والحصار لا يزالان يعيقان توطين صناعة الدواء وجذب الاستثمارات؟
نعم، الحصار يعرقل استيراد المواد الخام والمعدات اللازمة، كما أن الوضع الاقتصادي العام يجعل من الصعب جذب الاستثمارات الأجنبية، ومع ذلك، يمكن تجاوز بعض هذه العقبات عبر تعزيز الإنتاج المحلي، وتشجيع الاستثمارات الداخلية، وتطوير تقنيات تصنيع تعتمد على الموارد المتاحة محليًّا.
– من واقع خبرتك وعلمك بالمتطلبات اللازمة للارتقاء بقطاع الصيدلة في اليمن، هل يمكن الإشارة إليها؟
من الضروري أن يتم التركيز على تدريب الكوادر الطبية والصناعية، وتعزيز البحث العلمي، وإقامة شراكات مع الجامعات والمراكز البحثية.
كما أن تطوير سياسات دعم الأدوية الوطنية عبر إعطائها الأولوية في المناقصات الحكومية سيسهم في تحفيز الإنتاج المحلي.
– وفي ختام الحوار.. هل من كلمة أخيرة تودّون قولها؟
صناعة الدواء في اليمن تمتلك مقومات كبيرة للنمو، ولكنها تحتاج إلى تكاتف الجهود بين الحكومة، والقطاع الخاص، والجامعات.
ورغم التحديات، فَــإنَّ تحقيق الأمن الدوائي ليس مستحيلًا، بل يتطلب رؤية واضحة، وإرادَة قوية، واستغلالًا أمثلَ للموارد المحلية.