حين يسكت العالم عن غزة.. يتكلم اليمن ويرسم المعادلات الإقليمية
عبدالحكيم عامر
في خطوة استراتيجية مفاجئة، أعلنت اليمن عن فتح جبهة إسناد جديدة لدعم الفلسطينيين، وهو ما يمثل تحديًا غير مسبوق للعدو الإسرائيلي في ظل واقع إقليمي متوتر، وهذه الخطوة كموقف ديني بما يتناسب مع الدعم الإنساني وهي رسالة سياسية وعسكرية واضحة، تديرها اليمن بدقة تعكس رؤيتها الاستراتيجية المتكاملة، ففي وقتٍ تتردّد فيه القوى العربية والدولية بين الوعود والتصريحات، تأتي هذه المبادرة اليمنية لترسم مشهدًا جديدًا في غزة، يفرض تساؤلات عميقة حول الالتزامات الدولية ومدى قدرة العدوّ الإسرائيلي على الاستمرار في سياساتها دون ردود فعل رادعة.
وتزامن التحَرّك اليمني مع استمرار العدوّ الإسرائيلي في عرقلة إدخَال المساعدات الإنسانية إلى غزة، في تنصل واضح من التزاماتها بالاتّفاقيات، كانت تهدف إلى تخفيف الحصار، إلا أن المماطلة الإسرائيلية دفعت اليمن إلى تبني نهج أكثر حسمًا، فإعلان “الحصار مقابل الحصار”، الذي أطلقه السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وفي ظهور استثنائي، ألقى السيد القائد كلمة مقتضبة لم تتجاوز ربع ساعة، لكنها حملت رسائل استراتيجية مكثّـفة، هذه الكلمة لم تكن مُجَـرّد خطاب سياسي، بل هو بإعلان موقف عسكري وسياسي حاسم، حَيثُ حدّد فيها معالم المواجهة القادمة إذَا لم يتم رفع الحصار عن غزة، وفي لحظة فارقة، فرضت اليمن واقعًا جديدًا تجاوز مخرجات القمم العربية والإسلامية التي ظلت محصورة في نطاق الإدانات والاستجداءات الدولية.
المهلة التي منحها السيد القائد للعدو الإسرائيلي 4 أَيَّـام، خطوة استراتيجية لها أبعاد متعددة
فهي اختبار للمجتمع الدولي، هل ستلتزم القوى الكبرى بوعودها تجاه الوضع الإنساني في غزة، أم ستبقى عاجزة أمام التعنت الإسرائيلي؟
وهي في نفس الوقت تصعيد استراتيجي، إذَا لم يستجب العدوّ الإسرائيلي فَــإنَّ الخيار العسكري سيعود إلى الواجهة، مما سيؤدي إلى مزيد من الضغوط العسكرية والاقتصادية عليها.
ولها بعد في إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية، فبدلًا من ترك القضية الفلسطينية تتراجع على سلم الاهتمامات الدولية، فرضت صنعاء القضية من جديد في مركز المشهد السياسي والعسكري.
فصنعاء تُعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، مع انشغال العالم بالأزمات الإقليمية والتوترات في مناطق أُخرى، كانت القضية الفلسطينية تمر بمرحلة تراجع في الاهتمام الدولي، إلا أن صنعاء، من خلال تهديدها المباشر للعدو الإسرائيلي، قلبت هذه المعادلة، وأعادت فرض غزة كقضية رئيسية على الطاولة الإقليمية والدولية، وهذا التحَرّك كوقف حاسم لدعم المقاومة الفلسطينية، هو في نفس الوقت إعادة تعريف لدور اليمن كلاعب إقليمي قادر على قلب موازين القوى.
وفي زمن تتواطأ فيه الأنظمة العربية والإسلامية وتتخاذل فيه القوى الكبرى، يُعيد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي “حفظه الله” بعزمه وخطاباته الصارمة تعريف معادلات الصراع، مُظهرًا أن الأُمَّــة القوية لا تقبل التخاذل أَو التسامح مع جرائم العدوّ الإسرائيلي، وإن المهلة الممنوحة له إنذار، ورسالة واضحة تُذكر العالم بأن فلسطين ليست وحدها، وأن اليمن لا تُساوم، وهي دعوة للمجتمع الدولي والوسطاء العرب لتحمل مسؤولياتهم أمام عدوًّا لا يرحم، وأمام دماء الأبرياء وأصوات أبناء غزة المقهورة.
فالأيّام القادمة ستكون الفصل الحاسم؛ فمن يملك الإرادَة للتدخل ولوقف التجويع والحصار والإبادة، ومن يختار أن يظل شاهدًا صامتًا على جرائم العدوّ الإسرائيلي في فلسطين؟
ويبقى السؤال معلّقًا، بينما يُثبت صوت اليمن، بقيادة السيد القائد، أن دماء المظلومين لن تُهدر دون حساب، وأن العدالة قادمة مهما طال الانتظار.