ضغط عودة العمليات اليمنية يحاصرُ جبهة العدو: طرق “التعنت” كلها مسدودة

المخاوف واعترافاتُ العجز تتصدَّرُ واجهة المشهد:

– المسيّرات اليمنية أصبحت أكثرَ قدرة على التخفّي وقطع مسافات أطول

– استئناف التدخل اليمني يكشفُ فشل استراتيجيات “الردع” الأمريكية و “الإسرائيلية”

– تأثيراتُ الحصار البحري على “إسرائيل” لم تتوقف وتسببت بأضرار اقتصادية كبيرة

– التهديد اليمني كان له تأثير في مفاوضات تبادل الأسرى

 

المسيرة | خاص:

مع عودة الحصار البحري اليمني على كيان العدوّ ردًّا على جريمة تجويع الفلسطينيين في غزة، وإعلان السيد القائد أن حظر السفن “الإسرائيلية” سيكون خطوة أولى في مسار تصعيد مفتوح على كُـلّ الخيارات، عادت إلى الواجهة دلائل المأزق المُستمرّ الذي تواجهه جبهة العدوّ الصهيوني الأمريكي في مواجهة اليمن، سواء فيما يتعلق بتأثيرات الحصار البحري، أَو بالتهديد الاستراتيجي المتمثل في تطور القدرات العسكرية اليمنية والعجز عن إيجاد حلول للتصدي لها، بالإضافة إلى الضغط الكبير الذي تشكله العمليات اليمنية على طاولة التفاوض لصالح الشعب الفلسطيني؛ الأمر الذي يؤكّـد بوضوح أن قرار استئناف العمليات اليمنية يشكل عقبة رئيسية أمام مخطّطات جبهة العدوّ للالتفاف على انتصار المقاومة الفلسطينية.

 

مجدّدًا.. لا أفق لـ “ردع” اليمن:

بمُجَـرّد دخول قرار استئناف العمليات البحرية اليمنية ضد العدوّ الإسرائيلي حيز التنفيذ، وعلى عكس كُـلّ ما روج له العدوّ الصهيوني من “استعدادات” كانت الاعترافات بالعجز والفشل والقلق من تأثير الجبهة اليمنية هي ما تصدر واجهة المشهد بشكل واضح، حَيثُ تجاهل معهد أبحاث الأمن القومي التابع للعدو الصهيوني، كُـلّ الدعايات بشأن “الجاهزية والتأهب” وأكّـد بوضوح أن عودة العمليات اليمنية تشكل دليلًا على “عدم جدوى جهود الردع” التي بذلها كيان العدوّ والولايات المتحدة وشركاءهما الدوليين خلال العام الماضي ضد اليمن.

وكتب الباحث البارز في المعهد داني سيترينوفيتش، وهو مسؤول سابق في الاستخبارات العسكرية للعدو أن: “إجراءات إسرائيل والتحالف الدولي خلال العام الماضي في إرساء توازن ردع يُجبر القوات اليمنية على وقف عملياتها الهجومية في مضيق باب المندب وضد إسرائيل، ويقطع ارتباطها الراسخ بالصراع في غزة، وبدلًا عن أن يتراجع الحوثيون بأي شكل من الأشكال، فقد خرجوا أقوى بعد من مواجهتهم الأخيرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وينظرون إلى أنفسهم الآن على أنهم قادة محور المقاومة، وملتزمون بمساعدة حماس في غزة، وربما في المستقبل، مساعدة أي طرف آخر في محور المقاومة يجد نفسه في صراع مباشر مع إسرائيل” حسب تعبيره.

ولم يكن هذا الاستحضار للفشل الذريع في ردع اليمن خلال الجولة السابقة بلا مغزى، بل جاء؛ بهَدفِ التأكيد على أن جبهة العدوّ لا تملك في الحقيقة حتى الآن أية استراتيجية فعالة لتغيير واقع ذلك الفشل حتى في ظل بعض التحَرّكات الجديدة مثل قرار التصنيف الأخير الذي اتخذته إدارة ترامب والخطوات الاقتصادية التي تنطوي عليه، والتي أكّـد المسؤول الصهيوني السابق أنه “من المشكوك فيه أن يكون لها أي تأثير فعلي”.

وقد جاءت اقتراحات المسؤول الصهيوني السابق لتغيير استراتيجية التعامل مع اليمن مؤكّـدة في مضمونها على سوء موقف جبهة العدوّ؛ لأَنَّ تلك الاقتراحات التي تضمنت “إسقاط النظام في صنعاء” و”التعاون مع السعوديّة حتى من وراء الكواليس” حسب تعبيره، ليست حلولًا جاهزة بل عناوينَ لآمالٍ ومسارات عمل تواجه الكثير من التعقيدات وتحتاج إلى وقت لا يملكه العدوّ، في ظل التصاعد المُستمرّ للتهديد اليمني على كُـلّ المستويات.

ولم يكن الصدى مختلفًا في وسائل الإعلام الأمريكية، حَيثُ نقل موقع أخبار المعهد البحري الأمريكي عن خبراءَ قولهم: إن قرار استئناف العمليات اليمنية يكشف فشل الولايات المتحدة وشركائها في التأثير على قدرات وقرارات صنعاء خلال العام الماضي.

 

اليمن يحتفظُ بتأثير حضوره في المعركة:

وترافقت الاعترافات الواضحة بالفشل (المُستمرّ) في ردع اليمن، مع اعترافات أُخرى بالتأثيرات الكبيرة للعمليات اليمنية، بما في ذلك العمليات البحرية التي تم استئنافها الآن، حَيثُ نقلت القناة العبرية الثانية عشرة عن مسؤول أمني كبير في كيان العدوّ قوله إن: “إسرائيل عانت اقتصاديًّا بشكل كبير من الحصار البحري الذي فرضه الحوثيون” مُشيرًا إلى أن ذلك الحصار “كان غير مرئي لكنه خنق التجارة إلى إسرائيل وألحق ضررًا بالغًا باقتصادها”.

وذكرت القناة العبرية في تقرير آخر أن “التجارة بين إسرائيل والشرق لم تعد إلى طبيعتها، بعد وقف إطلاق النار، فأوقات التسليم طويلة، والأسعار ترتفع” لافتة إلى أن “بعض المستوردين يدفعون أكثر من ضعف المبلغ لنقل البضائع إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر” في إشارة إلى استخدام سفن وسيطة.

وقال المسؤول الأمني الصهيوني أَيْـضًا: إن تأثيرات عمليات اليمن لم تقتصر على الجانب الاقتصادي، حَيثُ “أصبحت التهديدات من اليمن عاملًا مؤثرًا في مفاوضات إعادة الأسرى” حسب قوله.

وفي ظل التأكيدات الواضحة على انسداد أفق “الردع” تجاه اليمن، فَــإنَّ الاعترافات بتأثيرات العمليات اليمني تعني أن التدخل اليمني الجديد باستئناف الحصار البحري على الملاحة الصهيونية ليس معزولًا عن مستجدات الصراع، بل يشكل ضغطًا مباشرًا وثقيلًا، ولا توجد وسيلة جاهزة وفعالة لمواجهته، وبالتالي فَــإنَّه ضغط ناجح لإجبار العدوّ على وقف جريمة تجويع الفلسطينيين، والدخول في المرحلة الثانية من المفاوضات، على عكس رغبته ورغبة الإدارة الأمريكية بإخضاع المقاومة الفلسطينية للقبول بتمديد المرحلة الأولى تحت ضغط الابتزاز بقطع المساعدات، وهو ما يبرهن مرة أُخرى على أن ارتباط الجبهة اليمنية وكلّ ما تمتلكه من خيارات استثنائية تتجاوز مفهوم “الردع” الأمريكي والصهيوني بغزة، يشكل تغييرًا تاريخيًّا كَبيرًا يخرج مسار الصراع عن سيطرة العدوّ وشركائه، ويجعل جبهة المقاومة أكثر قدرة على مواكبة كُـلّ خطوات العدوّ بشكل مؤثر وغير مسبوق تاريخيًّا.

 

رعب تطور القدرات اليمنية لا يتوقف:

وعلى وقع الاعترافات باستحالة “ردع” اليمن، وبتأثيرات حضوره في الصراع، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريرًا وصفه الإعلام العبري بأنه “مقلق لإسرائيل”، ذكرت فيه أن باحثين في مجال الأسلحة توصلوا إلى نتائج تفيد بأن القوات المسلحة اليمنية قد باتت تمتلك تقنيات تجعل الطائرات المسيّرة “أكثر قدرة على التخفي وقطع مسافات أطول” وذلك من خلال استخدام “وقود الهيدروجين التي من شأنه أن يضاعف المسافة التي تقطعها الطائرة المسيّرة التي تعمل بالطرق التقليدية إلى ثلاثة أضعاف؛ مما يجعل اكتشافها بواسطة أجهزة الاستشعار الصوتية والأشعة تحت الحمراء أكثر صعوبة” وفقًا لما ذكرت الصحيفة.

ونقلت الصحيفة عن محقّق في منظمة أبحاث التسلح البريطانية قوله: إن ذلك سيمنح القوات المسلحة اليمنية “عنصر المفاجأة ضد القوات العسكرية الأمريكية أَو الإسرائيلية”.

وتشير هذه المعلومات إلى أنه حتى لو كانت جبهة العدوّ قد قامت باستخلاص بعض الدروس من الجولة السابقة وتوظيفها في “الاستعداد” لجولات جديدة فَــإنَّ سرعة تطور القدرات اليمنية تجعل هذه الفوائد بلا قيمة، وأن مستوى “غموض” الترسانة العسكرية والذي أكّـده مسؤولون في البنتاغون، سيظل ثابتًا إن لم يتزايد بفعل هذا التطور المتسارع في القدرات؛ الأمر الذي يعني أن جبهة العدوّ لن تستطيع مغادرة مربع الفشل في التعامل مع الجبهة اليمنية، وحتى الاقتراحات طويلة الأمد التي يتم تقديمها من قبل مراكز الأبحاث لن تكون ذات أهميّة بالنظر إلى التصاعد المُستمرّ في حجم وطبيعة التهديد الذي تشكله القدرات اليمنية.

وبجمع الحقائق الثلاث التي تصدرت واجهة المشهد خلال 48 ساعة فقط من استئناف العمليات اليمنية (فشل استراتيجيات “الردع” الأمريكية والصهيونية، واستمرار تأثير العمليات اليمنية، وتصاعد تطور القدرات) يمكن القول بوضوح: إن أفق نجاح اليمن في الضغط على العدوّ لوقف تجويع الفلسطينيين، بالتكامل مع موقف المقاومة الفلسطينية، أكثر انفتاحًا وفاعلية من أفق خيار تعنت العدوّ و”استعداداته” المزعومة لمواجهة تأثير الجبهة اليمنية، وهو ما يشكّل انقلابًا غيرَ مسبوق في موازين الصراع الذي أَلِفَ فيه العدوّ على الاستفراد بغزة وعدم مواجهة معادلات إقليمية ضاغطة تواكبُ كُـلّ خطواته وتتجاوز قدرتَه على المكابرة.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com