سيناريوهات المفاوضات الفلسطينية الأمريكية المعقَّدة.. وتصعيدُ الاحتلال الصهيوني المُستمرّ

 

المسيرة | عبد القوي السباعي

يواصل الاحتلال الإسرائيلي فرض حصاره الخانق على قطاع غزة، وسط تصعيدٍ مُستمرّ على الضفة الغربية المحتلّة، لا سِـيَّـما في “جنين وطولكرم”، والذي يأخذ أشكالًا مختلفة من القتل والتنكيل، وتدمير البنية التحتية، وُصُـولًا إلى فرض واقع استعماري قسري يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني.

يأتي هذا التصعيد الصهيوني، في ظل تواطؤ المجتمع الدولي والدعم الأمريكي المُستمرّ له، ما يعمّق الأزمة الإنسانية والسياسية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ما يعقد المشهد ويزيد من غموض سيناريوهات المفاوضات القائمة، والتي نحاول في هذا التقرير تسليط الضوء على أبرز ما تم التوصل إليه وتداعياتها المستقبلية.

 

محادثات “ترامب وحماس”.. تجاوز “نتنياهو وعباس”:

ووفقًا لتقارير، شكلت المحادثات المباشرة بين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عبر مبعوثه وحركة حماس صدمة كبيرة، خُصُوصًا لإسرائيل والسلطة الفلسطينية في “رام الله”، “ترامب” سعى للتفاوض المباشر مع حماس، وذلك لخدمة المصالح الأمريكية وتجنب حروب تُرهق واشنطن بعد فشل “إسرائيل” في تحقيق أهدافها.

ويرى مراقبون، أن هذا التوجّـه يُضعف الموقف الإسرائيلي، ويعزز من شرعية حماس، ويزيد فرص التوصل لوقف إطلاق نار طويل الأمد، لكنه قد يؤدي لصدامٍ مع إدارة “ترامب”، رغم ذلك، فإن تأثير هذا التغيير محدود؛ بسَببِ الموقف الأمريكي الإسرائيلي المشترك تجاه القضية الفلسطينية وحماس.

وفيما اتهم بيان الرئاسة الفلسطينية حماس بـ”التخابر مع جهات أجنبية”، رغم أن مفاوضاتها مع أمريكا وإسرائيل علنية وبعلم السلطة، تستمر هذه الرئاسة في التنسيق الأمني مع الاحتلال رغم قرارات الشرعية الفلسطينية.

وبحسب مراقبين، فإن هذا البيان كشف عن “غباء سياسي”، فلا وجود لنص قانوني يمنع حوار الفصائل مع دول أُخرى، لكنه تجاهل دور الوسطاء في المفاوضات، كما أن المطالبة بتسليم غزة للسلطة غير واقعية، خَاصَّة مع غياب القدرة على الحكم هناك، داعين “الرئيس عباس” للاعتذار ومحاسبة المسؤولين عنه.

ومع تجاوز واشنطن رئيس وزراء الكيان المجرم “نتنياهو”؛ ما أثار استياء الحكومة الإسرائيلية، علق الأمريكيون بسخرية “نتنياهو” غاضب؛ لأن “ترامب” سيحصل على كُـلّ الفضل”، كما وجدت السلطة الفلسطينية أَيْـضًا نفسها مستبعدة من أية ترتيباتٍ جديدة، وفشلت بعض العواصم العربية في جهودها لإقصاء حماس عن المشهد السياسي.

ويرى خبراء أن ترامب، المهتم بصورته السياسية، قرّر تجاوز “نتنياهو”؛ بسَببِ افتقاده للجدية في المفاوضات، فاختار التفاوض مباشرة مع حماس التي لا تزال تسيطر على الأرض وتفرض الموقف.

وبحسب الخبراء، فإن حماس قبلت بالحوار مستغلة الفرصة لكسر الهيمنة الإسرائيلية، مؤكّـدين أن المخاوف حول نزع سلاح الحركة واعتزالها السياسة تبدو غير واقعية، حَيثُ تسعى الحركة للاعتراف الدولي وتوظيف المفاوضات لصالحها بأقصى قدر ممكن.

 

قدرة تفاوضية ومناورة سياسية:

في هذا الإطار؛ يؤكّـد مراقبون أن قيادة المقاومة الفلسطينية تدير المفاوضات بحكمةٍ ومرونةٍ تكتيكية، مع وعي كامل بألاعيب الاحتلال الصهيوني، ويعد تمسك حماس بمطالبها منذ بداية المفاوضات سابقة مشرقة في تاريخ التفاوض الفلسطيني، حَيثُ لم تنجح إسرائيل أَو رعاتها في فرض شروطها أَو تفريغ المطالب الفلسطينية من مضمونها رغم كُـلّ الضغوط.

وفيما تتجه الأنظار إلى مفاوضات الدوحة بين الولايات المتحدة وحماس بعد فشل محاولة أمريكية سرية لتبادل الأسرى، فحماس رفضت مقترحًا إسرائيليًّا للإفراج عن الأسرى مقابل تهدئة، وأصرت على تنفيذ المرحلة الأولى من الاتّفاق بالكامل، رغم التهديدات الأمريكية.

الحركة أعلنت استعدادها للحرب إذَا لزم الأمر، لكن المفاوضات قد تفضي إلى اتّفاق انتقالي وسط شكوك حول النوايا الحقيقية للأطراف المختلفة، خَاصَّة فيما يتعلق بمستقبل حماس وسلاحها في غزة.

 

تفاصيل الاتّفاق المطروح:

في تفاصيل المشهد، وافقت حركة حماس على إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي “عيدان ألكسندر”، الحامل للجنسية الأمريكية، بالإضافة إلى تسليم جثامين أربعة أسرى آخرين يحملون جنسيات مزدوجة.

وفي بيانٍ لها، أكّـدت الحركة أنها تعاملت مع مقترح الوسطاء “بمسؤولية وإيجابية”، وقدمت ردّها خلال ساعات الفجر، مشدّدة على التزامها باتّفاق شامل يشمل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.

ودعت حماس، الوسطاء لإلزام الاحتلال ببقية المرحلة الأولى خَاصَّة المساعدات والإعمار والانسحاب من “فيلادلفيا”، كما أدرجت في ردها نصًّا بشأن السماح لسكان قطاع غزة بالعودة من الخارج عبر معبر رفح دون قيود، وطالبت في ردها بإلغاء نقاط تفتيش السيارات على شارع “صلاح الدين في محور نتساريم”.

وذكر البيان أن “إسرائيل” سلمت مساء الجمعة، ردها للوسطاء بعد إجراء عدد من التعديلات عليه، وطالبت في ردها بالإفراج عن ١١ أسيرًا حيًّا بينهم “عيدان ألكسندر” و١٦ جثة لأسرى صهاينة، وعرضت في مقترحها الإفراج عن ١٢٠ محكومًا بالمؤبد و١١١٠ من أسرى قطاع غزة وجثث ١٦٠ فلسطينيًّا.

بدورها؛ طلبت حكومة الكيان في مقترحها أن تكون مدة التفاوض غير المباشر بعد الإفراج عن الرهائن ٤٠ يومًا بدلًا عن ٥٠، واشترطت ربط مفاوضات وقف إطلاق النار الدائم بإعطاء أدلة على حياة بقية الأسرى الإسرائيليين.

في السياق، أكّـد قيادي في المقاومة أن المفاوضات غير المباشرة ستبدأ فور تنفيذ المرحلة الأولى من الاتّفاق، والتي تشمل “وقف إطلاق النار، انسحاب القوات الإسرائيلية، وإدخَال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة”، مُضيفًا، أن الوسطاء —الولايات المتحدة، مصر، وقطر— سيضمنون تنفيذ الاتّفاق في مراحله المختلفة.

 

مواقف الأطراف المتفاوضة:

القيادي في حماس، “حسام بدران”، أكّـد أن الشعب الفلسطيني لن يتراجع عن حقوقه، مشدّدًا على ضرورة إلزام الاحتلال بتنفيذ التزاماته في اتّفاق وقف إطلاق النار.

وشدّد على أن “الشعب الفلسطيني سيفشل كُـلّ مخطّطات التهجير، وسيظل الدرع الواقي لحماية المسجد الأقصى من اعتداءات الاحتلال وتهويده”، مُضيفًا، أنهم “مصممون على تطبيق اتّفاق وقف إطلاق النار بمراحله المختلفة، وأي خروج للاحتلال عما تم الاتّفاق عليه سيعيدنا إلى النقطة صفر”.

من جانبه، قال الناطق باسم الحركة، “حازم قاسم”: إن “حماس قدمت بادرة إيجابية بإعلان نيتها الإفراج عن الجندي الإسرائيلي، لكنها ترفض أي اتّفاقات جديدة خارج الإطار المتفق عليه”.

في المقابل، شدّد وزير الطاقة الصهيوني “إيلي كوهين” على أن “إسرائيل لن تغادر غزة قبل عودة جميع الأسرى الإسرائيليين”، مُشيرًا إلى أن بلاده مستعدة للعودة إلى الحرب إذَا لم تنجح المفاوضات.

وأكّـد “كوهين” أن “إسرائيل ستواصل الضغط على حماس حتى يتم تحقيق أهدافها بالكامل، بما في ذلك نزع سلاح المقاومة والسيطرة الأمنية على القطاع”، ومعترفًا أنهُ وفي “كل أسبوع سنتخذ خطوات جديدة لخنق حماس، حتى يعود جميع الأسرى، وعندها فقط، يمكننا إعادة تقديم المساعدات”.

بالمحصلة، وفي ظل التصعيد الإسرائيلي المُستمرّ، وتعقيدات المشهد التفاوضي، يبقى مستقبل غزة مرتبطًا بمدى قدرة الأطراف على تحقيق توازن بين المصالح السياسية والأمنية، وسط محاولات متواصلة لفرض واقع جديد في المنطقة.

وعليه؛ فَــإنَّ المفاوضات الجارية قد تفتح آفاقًا لحلٍ جزئي، لكنها في الوقت ذاته تطرح تساؤلات حول مصير المقاومة وسلاحها، والسيناريوهات المقبلة للقطاع المحاصر منذ عشرين عامًا.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com