“إسرائيل”.. سلامُها كذبة، وغدرُها حقيقة

عبد الغني حجي

كم مرة وقّعت “إسرائيل” اتّفاقات سلام، ثم نقضتها؟ كم مرة خدعت العالم بحديثها عن التهدئة، بينما كانت تخطط لمجازر جديدة؟ ما حدث في غزة اليوم هو الدليل القاطع على أن “إسرائيل” لا عهد لها، ولا ميثاق، ولا أمان معها تاريخها سلسلة متواصلة من الغدر، لا يردعها وعد قطعته، ولا اتّفاق التزمت به، كُـلّ من وثق بها، وجد نفسه بين أشلاء شعبه، وكل من راهن على سلامها، اكتشف متأخرًا أنه كان مُجَـرّد ورقة في مخطّطها الدموي.

ما سُمِّي بـ “اتّفاقات السلام” لم يكن سوى فخ لشراء الوقت، لأخذ الأسرى، ولإعادة ترتيب صفوف الاحتلال لمواصلة القتل والإبادة، لم يكن وقفًا لإطلاق النار، بل كان استراحة محارب، استغلوها ليحاصروا غزة أكثر، ليقتلوا المزيد، وليواصلوا تنفيذ مخطّطهم الإجرامي بغطاء دولي، هم لا يريدون السلام، بل يريدون استسلاما كاملًا، يريدون أن تركع لهم الأُمَّــة، أن تقبل شروطهم، أن تمحو تاريخها، وأن ترفع الرايات البيضاء أمام كيان لم يعرف سوى الإبادة.

“إسرائيل” لا تعرف إلا لغة القوة، من يصدق وعودها، يصدق كذبة مكرّرة عبر العقود، كُـلّ من جلس معهم على طاولة المفاوضات خرج مطعونًا في ظهره، وكل من منحهم فرصة للسلام، منحهم فرصة للغدر، ومع ذلك، هناك من لا يزال يراهن على السلام معها، ينتظر الوهم، ويظن أن الاحتلال يمكن أن يكون شريكًا في السلام، وهو لا يرى إلا الدم والدمار.

اليمن، رغم الحصار ورغم الحرب ورغم الجراح، كان موقفه أقوى من كثير من الدول التي تمتلك المال والنفوذ، لم يمنعه جوعه، ولا حصاره، من أن يكون في الصف الأول دفاعًا عن فلسطين، في وقت تراجعت فيه دول غنية وقوية تحت ذرائع واهية، اليمن، رغم آلامه، أثبت أن الإرادَة أقوى من المصالح، وأن العزة لا تُشترى بالنفط، ولا تُباع بالدولار، بينما تخاذلت دول كثيرة، نهض اليمن رغم القيود، ورفع صوته عاليًا، ليؤكّـد أن فلسطينَ ليست قضية هامشية، بل معركة وجود، لا يمكن أن يكون فيها حياد أَو تخاذل.

لو اتخذت الأُمَّــة موقفًا جادًّا، لما استمرت الحرب، لو كانت هناك ردود فعل قوية، لما تجرأت “إسرائيل” وأمريكا على استباحة غزة بهذا الشكل، لكن الصمت المخزي، والخنوع المذل، هو ما مهّد الطريق للعدو ليستكمل مخطّطه في اجتثاث المنطقة بأكملها، خطوة بعد خطوة، ومجزرة بعد مجزرة، لم تكن فلسطين الهدف الوحيد، ولن تكون غزة آخر محطة، فمن لا يزال يظن أن المعركة محصورة في حدود فلسطين، فهو واهم، مشروع الاحتلال أبعد من ذلك، ومن يظن أنه سيكون بمنأى عن الخطر، فهو يعيش في وهم صنعه بنفسه.

الصمت لم يعد خيارًا، بل صار مشاركة في الجريمة، من يسكت اليوم، يمنح الاحتلال وقتًا أطول للذبح، من يصمت، يمهّد الطريق لسقوط المزيد من المدن العربية، لا تنتظر دورك لتستيقظ؛ لأَنَّك حينها ستجد نفسك وحيدًا، بلا من يدافع عنك، تمامًا كما خذلت غزة اليوم.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com