غزة ومآتمُ الفجر الدامي
رويدا البعداني
ما كادت أصداء الحرب في قطاع غزة تخبو، وتخرس أفواه الرشقات والمدافع لوهلة عابرة، حتى انقض العدوّ الإسرائيلي بوحشية متجددة، مطلقًا العنان لقصف جنوني مدمّـر، حاصدًا أرواح مئات الشهداء الذين صعدت أرواحهم الطاهرة إلى السماء في فجر دامي، ملطخٍ بأبشع صور القصف الهستيري الذي تجرعته غزة وأهلها في غفلة الليل.
حيث كانت تلك الهُدنة الزائفة حلمًا متلاشيًا لم يكتب له الاكتمال لأطفال غزة، الذين وُلِدوا على وقع القصف، وتفتحت أعينهم على مشاهد الموت والدمار، ونشأوا محاصرين بالظلم والتعسف، فيما كانت طفولتهم البريئة، الأمل الموءود، الذي قُمعت أحلامه في المهد، وعانت مرارة العيش تحت نير الاقتتال. كانت تلك الأحلام الوردية آخر ما تمنوّه قبل أن تزهق أرواحهم، وتتحول أجسادهم الغضة إلى أشلاء متناثرة تئن تحت ركام المنازل المهدمة.
لقد كان وقع الهُدنة كمأتم مفجع يقام على أنقاض الحارات المدمّـرة، وحيدًا.. غريبًا.. مفتقدًا أصحابه. تتزين جداره بدماء الشهداء، وتظلله سحب الحزن والفقد، ولكن سرعان ما تحولت الأفراح المكتومة إلى نواح مثقل والدعوات إلى عويل مدمع. لم ينج منه بيت ولا خيمة نازح، فقد طُرقت جميعها بيد الموت الغاشم، مخلفة وراءها جراحًا لا تندمل، وفقدًا موجعًا يثقل القلوب ويدمي النفوس.
هذه هي غزة، حكاية ألم سرمدي، تدخلنا إلى متاهات الوجع، وتحلق بنا في فضاءات الظلم، حَيثُ تشتعل الأمكنة بالنيران، وتنزف الأرض بالدم الزكي، بينما الأُمهات بقلوب يتيمة يعزفن كمنجات الصبر على جثامين الأحبة الذين رحلوا، والآباء بعيون دامعة يفتشون بين الأنقاض عن بقايا فلذات الأكباد، فلا يجدون سوى أشلاء مخضبة بالدم، شاهدة على وحشية الاحتلال وخسة المطبعين وغياب الضمير العربي.
وفي غمرة هذا الظلام الحالك، يسطع موقف اليمن نبراسًا من العزة والوفاء لفلسطين وأهلها، مُعلنًا عن دعم لا يلين، لا ترهبه التهديدات، ولا توقفه القذائف، متقدمًا بثبات نحو نصرة القضية العادلة، ومؤازرة الأشقاء الأحرار في غزة وكل صوت يهتف بالحرية، ويصرخ في وجه الاحتلال.