معركةُ التحوّلات الكبرى: السعوديةُ عالقةٌ في شباك التهور
صدى المسيرة- يحيى الشامي- جيزان
أخطأ النظامُ السعودي كثيرا ً في تقدير عاقبة عدوانه على اليمن بالرغم من الدرس المُبكر(قرصة إذن باليمني) الذي تلقاه نهاية الحرب السادسة 2009-2010م وَكان كفيلاً بجعله يفكّر ملياً قبل ولوجه في مستنقع بات يقيناً أن المملكة لن تخرج منها كما دخلت فيها متشحةً بهيلمان نفطها وَمتوهمةً أن حربها على اليمن ستضمن لها مكاناً في الإقليم تقرّبها زلفى لأمريكا وترشحها كأفضل وكيل لمشاريعها التفكيكية في المنطقة بلا منازع وفي سبيل غاية دنيئة كهذه لم تتق المملكة أي محاذير ولم تبق أي محرمات ولم تحترم أية قوانين وأعراف إنْسَانية.
ولوهلة بدا أن أمراء الرمال في المملكة أجهلُ بالتأريخ الحافل بانتصارات اليمنيين وفتوحاتهم خارج أرض الجزيرة وأكثر جهلاً بجغرافيا الأرض وطبيعة تركيبتها المعقدة حيث يكون على حدها الجنوبي شريط حدودي هو الأطول بين البلدين، وفي لحظة ولم تكترث لنصائح النخبة من العرب وأولي الخبرة منهم حين حذروها من مغبة إشعال الحرب، التي لن تكون بمنأى عن نيرانها وَكرة نارها المتدحرجة من جنوب الجزيرة إلى شمالها.
وبالفعل يشهد الميدان، اليوم، في جبهات ما وراء ومنذ الطلقة الأولى على الحدود أن الفأسَ اليمني وقع في رأس آل سعود واضعاً من كبريائه المصطنع وغروره غير المستند إلا إلى المال، في وقت انطلق المقاتل اليمني متوكلاً على الله مندفعاً من واقع مظلوميته وهو يُدرك تماماً أن المعركة وفق الحسابات الحربية (الكمية والنوعية) ترجح الكفة لصالح الجيش السعودي الأقوى تسليحاً وتمكيناً وتدريباً وتجعل من اليمني في أنظار خبراء الحروب وأكاديميي الكليات الحربية مغامراً أو منتحراً.
يقولُ مقاتلٌ يمني – مرابطٌ منذ أشهر في أحد جبال نجران –: نعلم أن العدو يتفوق علينا بكل إمكانياته القتالية وتجهيزاته العسكرية الأضخم والأحدث في العالم، مضيفاً أنه لو لم يكن لدى السعوديين إلا سلاح الطيران لكفى لصناعة النصر لهم وإلحاق الهزيمة بنا. ويستدرك المقاتل بالقول: إن أقوى سلاح نمتلكه هو معنوياتنا المستَمدّة من إيماننا المطلق وَثقتنا اللامحدودة بالله وهذا كفيلٌ وأكثر بتحقيق النصر بل وتغيير معادلات الحرب بشكل يُعيد كتابة علوم الحرب وفنون القتال.
لعل هذا الإفادة المقتضبة النابعة من وعي ورسوخ إيمان تختزل شيئاً من مشهد الصبر والنصر في آن، وتقدم في جانب آخر تفسيراً عفوياً للُغز المعقّد من زاوية نظر الأكاديميين المتعلق بأسباب التهاوي السريع للملكة وجيشها ومعسكراتها في أراضيها الجنوبية على أيدي المجاهدين اليمنيين، وغير هذا التفسير أو المقاربة تكاد تكون خروجاً عن الواقع وَتزييفاً للوقائع لا سيما تلك التفسيرات الجالبة للخارج، في محاولة غير بريئة لفرضه كأحد أسباب الصمود والنصر.
نعرفُ القوم ونعرف إمكانياتهم وكذلك العدو يعرف ويقدر الأمور تماماً، قد يتجاهل إعلامه الكثير من الأحداث العسكرية لكن واقع التقدمات الكبيرة على الميدان تجعلُ من المستحيل على العدو إنكارها خاصةً تلك العمليات التي تنتهي بانتصار المقاتل اليمني سواء في عملية زحف وسيطرة أو عمليات قنص وكمائن، وَتكون برفقة جندي الإعلام الحربي وسلاحه المبيّن.
وعلى سبيل المثال لو أخضعنا واحدة من عمليات اقتحام الجبال والمواقع العسكرية السعودية المتواجدة عليها في جبهات ما وراء الحدود للدراسة والتحليل العسكري الأكاديمي قبل وبعد العملية سيتضح بوناً شاسعاً بين التنظيرات الافتراضية المقترحة لإسقاط الموقع وبين حجم ونوع الإمكانيات المتاحة في أيدي المقاتلين اليمنيين.
جبلا الشرفة والمخروق شرقاً في نجران أو جبال الدود والدخان والرميح غرباً في جيزان جميعها جبال حشد إليها النظام السعودي كُلّ طاقاته العسكرية وعتاده القتالي المتنوع من أحدث ما تنتجه شركات ومصانع الأسلحة الأمريكية، حتى كادت الجبال نفسُها أن تصبحَ مدرعة تعبيراً عن كثافة الآليات العسكرية (دبابات وعربات ومصفحات وناقلات..) المنتشرة عليها، والتي استلزم إيصالها عمليات شق وتعبيد للطرق استمرت عقوداً من الزمن وَكلفت المملكة الملايين إن لم تكن المليارات، فضلاً عن مئات المواقع والمعسكرات المستحدثة التي يتم بناؤها قبل وصول المقاتلين اليمنيين أو حال تقدمهم.
استفاد الجيشُ السعودي من حربه التجريبية 2010م – كما يُسمّيها المقاتلُ اليمني- شيئاً واحداً وهو تعزيز وجوده العسكري على كامل حده الجنوبي تحسباً لهكذا يوم، وبالفعل يُعد حجم القوات السعودية المشتركة (حرس الحدود – الحرس الوطني) بعد الحرب السادسة أضعاف ما كان عليه قبلها، بل إن النظامَ السعودي استغل الاضطراباتِ السياسية وفراغ السلطة التي أعقبت ثورة 2011م في شراء ولاءات قيادات عسكرية والزحف على جبال ومناطق يمنية واسعة، مثل قلل الشيباني في مديرية باقم وَقرى المدافن التابعة لمديرية بكيل المير – حجّة وَجبال تابعة لمديرية شدا والملاحيط (تويلق وملحمة وام بي سي و… إلخ)، وقد عمل الجيش السعودي على تحويلها إلى مواقع ومعسكرات ومرابض مدفعية وشيّد في أعاليها أبراجاً اسمنتيةً وغرف رقابة مزودة بكاميرات حرارية وليلية، جاعلاً منها خطوطاً دفاعية متقدمة وَثكنات تنطلق منها عشرات القذائف تجاه القرى والاحياء السكنية في الجانب اليمني.
وبالنظر إلى كُلِّ هذه التجهيزات السعودية المسبقة والترتيبات العسكرية المستحدثة في أغلبها فإن معركةَ المجاهدين كانت محفوفةً بالمخاطر والصعاب التي ملأت طريق رحلتهم الأخيرة نحو العمق السعودي في معركة الردع وَالرد، لكنها وفق كُلّ التقديرات العسكرية الزمانية والمكانية كانت أشبه بالمعجزة، فقد استطاع المقاتل اليمني استرداد كامل المساحة اليمنية وإعادة القوات السعودية إلى عمق أراضيها، وَفي ما هو أبعد من أماكنها المفترضة وَخلال فترة زمنية قصيرة نسبياً لم تتجاوز الشهر من بداية الرد.
وَباختصار استعاد المقاتل اليمني خلال أقل من شهر، كُلَّ ما عمل السعودي على السيطرة عليه وَعسكرته من الأراضي اليمنية خلال سنوات لا تقلُّ عن خمس، في معركة نستطيع أن نقول إنها ظُلمت إعلامياً وجحدها العدو وهو مستيقن بها.
وبعد هذه المرحلة دخلت المعركة مساراً عسكريّاً تصعيدياً جديداً اجتاز فيها المجاهدون اليمنيون السياج الشائكَ الحدودي نحو العمق السعودي وباتجاه معسكرات ومواقع ومخازن استراتيجية في ملاحم اسطورية نعايش اليوم جزءاً من تفاصيلها، بينما تبقى معظم التفاصيل رهن أقلام المؤرخين، وعدسات الإعلام الحربي توثق الانتصارات وفق إبداع المقاتل اليمني الأكثر براعة في العزف على أوتار بندقيته، أو المتاح من سلاحه المغتنَم من مخازن ومعسكرات بني سعود.
وإذا كان الجيشُ السعودي قد ذاق شيئاً يسيراً من بأس المقاتل اليمني في تجربته المريرة إبان الحرب السادسة عند أَطْرَاف جيزان، فإنه هذه المرة يتجرّع مرارة الهزيمة أضعافاً وعلى كافة الجبهات والأمر من هذا كله هو ما يُخبئه اليمني ويجهله الأمريكي والسعودي من مفاجآت لن تتوقف ارتداداتها على حدود المملكة ونفذها وإنما على وجودها.