هل تبقى السعودية وحيدةً في الحرب على اليمن؟
في ظل صمت سعودي مريب حول الموقف من خريطة الطريق التي طرحها اسماعيل ولد الشيخ على الأطراف اليمنية والتي لاقت رفضاً واضحاً وشديداً من قبل ما يسمى الشرعية، ورفضاً مبطناً من صنعاء (إلا في حال اعتبار الخريطة أرضية أساسية للنقاش)، فإنّ الصمت السعودي لا يعكس موقف بقية الأعضاء الاخرين في التحالف، ولا سيما الأساسيين منهم.
جاهرت دولة الإمارات العربية مبكراً بالموافقة على الخريطة على لسان أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية. ودعمت دولة الإمارات جهود المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، معتبرة أن خطة الطريق تمثل حلاً سياسياً للأزمة اليمنية، مؤكدة أن هدف الحل السياسي تغليب مصلحة اليمن واستقرار المنطقة، وأن الخيارات البديلة مظلمة.
يبدو أن السعودية والإمارات وإن كانتا متفقتين على الإطار العام للحرب، وتتقاسمان المخاوف من وجهة الخط السياسي والاستراتيجي المقبلة لليمن، فإن التباين بين الدولتين لم يعد حصراً على الدوائر المغلقة بينهما، بل أصبح ظاهراً ويجد له طريقاً واسعاً للتعبير. ويأخذ الاختلاف مداه في الظهور العلني بواسطة الكتّاب القريبين من دوائر القرار في البلدين، ولا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي، التي تتيح للطرفين التعبير عن مواقفهما من دون أن تحمل مسؤولية التبعات للمسؤولين في البلدين الذين لا يزالون يحرصون على عدم خروجها الى العلن.
ربما، كان على الحماسة الإماراتية في قبول خريطة ولد الشيخ من دون التشاور مع السعودية “الشقيقة الكبرى”، الانتظار على الأقل حتى تُصدر الأخيرة رأيها في الخريطة وتبني على الشيء مقتضاه، غير أن المسارعة في تبنيها أظهر أن دولة الإمارات لم تتحسس ألم التردد والضياع والإرباك السعودي والشعور بوضعها الذي لا يحسدها أحد عليه إطلاقاً (يتمثل بين العجز “المكشوف والمفضوح” للصديق والعدو، وبين الانسدادات السياسية والعسكرية التي تعترض وستبقى تعترض طريقها في تحقيق أهدافها الواهية).
تتوافق خريطة طريق ولد الشيخ مع الموقف الإماراتي لناحية عدم مقاربتها بأي شكل للقوات الأجنبية (المحتلة) التي تنتشر في الجنوب اليمني ومن دون أن يتحدد مصير هذه القوات، وهذا يتناغم مع مطلب أبو ظبي البقاء في الجنوب اليمني بما يحقق لها طموحها في التوسع في النطاقين الخليجي والإقليميي، ولا سيما أنها تعتبر أن استقرار اليمن خصوصاً في الجنوب سيكون على حساب تطورها الاقتصادي، لما تتمتع به موانئ الجنوب وحيازتها مميزات اقتصادية واستراتيجية غير موجودة في موانئ الإمارات.
والقضية الأخرى التي تتوافق مع الموقف الإماراتي دون السعودي أن خريطة ولد الشيخ تنهي دور خصومها التاريخيين في اليمن، وعلى رأسهم حزب الإصلاح “الإخوان المسلمين” ممثلين بنائب الرئيس علي محسن الأحمر، الذي عليه الاستقالة فور التوقيع على الخريطة، والرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، رغم أن الأخير محسوب حالياً بالكامل على الجانب السعودي، والذي عليه نقل صلاحياته إلى نائب جديد متوافق عليه من الأطراف اليمنية.
ولتحقيق غايتها، تعمد الإمارات في الجنوب اليمني الى اعتماد سياسة الترويج لفصل جنوب اليمن عن شماله. وظهر في الأسابيع الأخيرة توجيه واضح للماكنة الإعلامية ولبعض قادة الرأي والسياسة الإماراتيين بضرورة أن يقرر سكان الجنوب اليمني مصيرهم كحق طبيعي لهم، كبقية الشعوب. غير أن النخب الجنوبية تدرك أن هدف الإمارات هو مسك الجنوب وتعطيل دوره وموقعه الاستراتيجي لمصلحة دولة الإمارات، وإن كان بعض المراقبين المطلعين يعتبرون أن الجنوب اليمني أكبر من أن تهضمه دولة صغيرة سكانياً مهما امتلكت من إمكانات وقدرات، حتى ولو اعتمدت سياسة تجزئة الجنوب الى إقليمين شرقي وغربي (حضرموت وعدن) لأن سكان الجنوب لن يرضوا الانسلاخ عن تاريخهم ومحيطهم، ولأن مصلحتهم تتعارض كلياً مع التجزئة والتقسيم.
في الأيام المقبلة، ستجتمع دول “الخلية المصغرة” للتحالف، المتشكلة من الأطراف التي تقود الحرب على اليمن، وهي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والسعودية والإمارات، لوضع استراتيجية جديدة لمواجهة المرحلة المقبلة. ولا تزال أمامهم حالة الاستعصاء وانسداد الأفق للخروج المشرّف من الحرب. ستجتمع هذه الدول الفاعلة بالحرب، وأمامها العديد من القضايا التي تبحث عن حل.
والقضية الأكثر قساوة أمام المجتمعين هي انتهاء تمثيلية الحمل الوديع الأوبامية عقب بدء عهد جديد في واشنطن غير واضح الاتجاه. لكن الواضح في هذه المعادلة أن الرياض سوف تبقى وحيدة وفريدة بهذه الحرب، لأن أهداف واشنطن والغرب هي ليست ذاتها أهداف الرياض، كما هي ليست ذاتها أهداف أبو ظبي وبقية دول الخليج.
*الأخبار| لقمان عبدالله