السعوديةُ تخسَرُ في سياساتِها الخارجيةَ في المنطقةِ وَمصرُ أولى البوادر
السياسة الخارجية السعودية: نحو مزيدٍ من التوتر مع مصر
يبدو واضحاً أن حالة من التوتر تتصف بها العلاقات المصرية السعودية في الآونة الأخيرة، نتيجة سلوكٍ لمصر وصفه عددٌ من المحللين بخروج مصر عن الطاعة السعودية. وهو ما جعل الأخيرة تعتبر تصرفات مصر إستفزازية. ويمكن أن يكون خير مثالٍ على ذلك، التوجه المصري فيما يخص الأزمة السورية، عبر السعي للتعاون مع النظام السوري ودعم القرار الروسي في مجلس الأمن.
السعودية تقطع النفط عن مصر
ربطاً بما تقدم فقد اتخذت السعودية اجراءات عديدة تجاه مصر، بدأت بتوترٍ دبلوماسي واضح، وصولاً الى مواصلة شركة “آرامكو” النفطية السعودية للشهر الثاني على التوالي قطع امداداتها البترولية عن مصر. فيما قال المتحدث باسم وزارة النفط المصرية “حمدي عبد العزيز”، أن شركة “أرامكو” لم ترسل شحنات الوقود للشهر الثاني على التوالي. وهو ما يُمثل خروجاً عن العادة في العلاقة بين البلدين بحسب ما عبَّر المسؤولون المصريون، حيث من المعتاد أن تقوم الشركة بالإبلاغ عن موعد الإرسال، وإتمام العملية خلال الأسبوع الأول من كل شهر. وهو ما لم يحصل خلال الشهرين الحاليين. الأمر الذي دفع الحكومة للبحث عن بدائل أخرى، خاصة وأنها تستورد ما يقرب 40% من احتياجاتها النفطية من خارج البلاد.
البحث المصري عن بدائل: العراق والجزائر وإيران؟!
في ظل بحثها عن بدائل، أظهرت وسائل الإعلام توجهاً مصرياً نحو التالي:
أولاً: أكدت المصادر الإعلامية المصرية أن هيئة البترول المصرية قامت خلال الأيام الماضية بطرح العديد من المناقصات الضخمة لشراء مواد نفطية وذلك بهدف تعويض الكميات التي توقفت شركة أرامكو السعودية عن توريدها الى مصر. فيما أكدت مصادر آخرى داخل وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، وجود توجهٍ فعلي لدى الجهات المصرية المعنية، للبحث عن سبل لإستيراد النفط من الدول المجاورة والشقيقة كحل يُساهم في توفير المستلزمات النفطية الحيوية، فيما ستقوم هيئة البترول في مصر بالسعي لتوفير أكثر من 500 مليون دولار من البنك المركزي لشراء الإحتياجات.
ثانياً: على الصعيد الداخلي أدت الأزمة الى قيام مصر بإعتماد إجراءات تقشفية في مجال الوقود، مثل رفع أسعاره بصورة ملحوظة خلال الفترة الماضية، وذلك لإجبار المواطنين على خفض معدلات الإستهلاك، فضلاً عن توفير المليارات التي تنفقها الدولة على دعم المواد البترولية والتي تبلغ ما يُقارب 4 مليارات دولار حسب الموازنة المالية للعام 2015/2016.
ثالثاً: على الصعيد الخارجي وخلال الأسبوع الماضي جرى الإتفاق بين الطرفين المصري والعراقي على التعاون في المجال النفطي. حيث أكد وزير البترول والثروة المعدنية المصري “طارق الملا” توقيعه اتفاقاً مع المسؤولين العراقيين لاستيراد مصر للنفط الخام من “البصرة”، لتكريره في ظل المساعي المصرية للبحث عن مصدر بديل للنفط السعودي.
رابعاً: بحسب ما أجمع الإعلام المصري، فقد استقر الإختيار على العراق والجزائر. فيما تناولت الصحف الغربية والعربية يوم أمس، الحديث عن توجهٍ مصريٍ لعقد صفقات ضخمة مع إيران، وهو ما تضاربت الأنباء حوله. فيما اعتبره العديد من المراقبين تحولاً في السياسة المصرية كنتيجة لسياسات السعودية في المنطقة. خصوصاً أن التوجه المصري نحو إيران قد يحصل، وهو يعني الكثير على الصعيدين الإقليمي والدولي.
النفط معضلة مصر الإستراتيجية
يعرف المراقبون للشأن المصري أن مسألة تأمين الإحتياجات المصرية تشغل دوماً بال المسؤولين المصريين لعدة أسباب يمكن سردها بإيجاز بالتالي:
– وجود فجوة كبيرة بين الإنتاج والإستهلاك خصوصاً بعد أن تجاوز المصريون عتبة التسعين مليون نسمة، وهو ما يترتب عنه إنفاق المليارات من قبل الحكومة لأجل توفير هذه احتياجات الشعب المصري الأساسية.
–بحسب ما تُشير الإحصاءات التابعة لوزارة البترول المصرية، يبلغ الإستهلاك المحلي من المنتجات البترولية نحو 72 مليون طن سنوياً فيما تنتج مصر 728 ألف برميل من النفط، 4.5 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً فيما تستورد ما يصل الى 40% من احتياجاتها البترولية من الخارج. وهو ما يُكلِّف الحكومة 800 مليون دولار شهرياً الى جانب 2.7 مليار دولار ديون لشركات نفط أجنبية.
التوجه المصري نحو إيران: خيارٌ يدعمه الطرفان
في إمكانية تطوير العلاقات بين الطرفين عدة مسائل يمكن الوقوف عندها، نشير لها بالتالي:
أولاً: لا شك أن مسألة تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وإيران، هو توجه يدعمه الطرفان في العديد من المجالات لا سيما مجال الصناعات النفطية والطاقة ومنتجاتها. وهو ما خرجت لتؤكده لقاءات المسؤولين لدى البلدين خلال الفترة الماضية لا سيما في اللقاءات الأخيرة التي جمعت وزراء خارجية البلدين على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في أيلول الماضي.
ثانياً: إن الحقيقة تؤكد عكس ما يحاول بعض الإعلام الترويج له، حيث تسعى بعض وسائل الإعلام الغربية والعربية الترويج لفكرة أن مصر تخشى العلاقة مع إيران خوفاً من السعودية، وهو الأمر الذي لا يبدو كذلك مع تأكيد المسؤولين المصريين مراراً سعيهم لفتح علاقات مع طهران، في حين يبدو واضحاً أن ذلك ما تسعى لمنعه الرياض، والتي تعتمد سياسة إبعاد الدول العربية عن العلاقات الثنائية مع إيران كشرط لإمدادها ودعمها.
ثالثاً: يجب الإنطلاق من مبدأ أن إيران والتي باتت اليوم دولة بمستوى الدول الكبرى، تعتمد في سياستها الدولية منهجاً واضحاً، يأخذ بعين الإعتبار مصالح شعوب المنطقة، وليس فقط الأنظمة. وهو ما يؤكد أن التوجه المصري سيلقى حتماً ترحيباً إيرانياً غير مشروط، كما يسعى للتروج البعض.
رابعاً: في تصريحات سابقة أكد العديد من المسؤوليين المصريين وفي مقدمتهم رئيس الحكومة المصرية شريف إسماعيل والذي كان يشغل منصب وزير البترول والثروة المعدنية أن قطاع البترول ليس لديه مانع من استيراد الخام الإيراني بعد رفع الحظر والسماح لإيران بالتصدير. وهو ما يضحد ما تسعى بعض القنوات للترويج له، حول وجود رفض مصري للتوجه نحو إيران.
حقائق ودلالات
عدة أمور يمكن أن تدخل في خانة التحليل والإستنتاج نجعلها خاتمة مقالنا، وفقاً لما أوردناه أعلاه نُشير لها بالتالي:
أولاً: يبدو واضحاً وجود توجهٍ مصري جديد تجاه العلاقات مع الرياض، وهو ما تُثبته مسألة الإنفتاح المصري على العراق، والمساعي للتوجه نحو السوق الإيرانية. فيما بانت مظاهر الإنفتاح المصري على العراق من خلال التوقيع على التعاون النفطي بين البلدين الأسبوع الماضي. وهو الأمر الذي يبدو أنه عزَّز من التوتر بين مصر والسعودية، خصوصاً بعد خبر منح “مونديال القاهرة للفن والإعلام” جائزة المرتبة الأولى لفليم من انتاج “الحشد الشعبي” العراقي تحت عنوان “جزيرة الخالدية” والذي حصل على جائزة الإبداع التقديرية في المونديال. فيما من المهم الإشارة الى أن الفيلم يُسلط الضوء على الأسباب التي دعت إلى تأسيس الحشد الشعبي. ويتحدث عن دور بعض الدول في تأسيس التنظيم الإرهابي.
ثانياً: إن من الضروري الإشارة الى أن كل ما يجري هو في سياق تبدُّل الظروف والمعادلات في المنطقة، لصالح محور روسيا إيران. حيث أن الضعف في السياسة الدولية السعودية، ومحاولتها استفزاز حلفائها أو جيرانها باحتياجاتهم الرئيسية، ستجعلهم اليوم أقرب للخروج من عباءتها، خصوصاً أن نتائج الأزمة السورية والملف اليمني وتبدَّل المعادلات في العراق، كلُّها تدفع العديد من الأطراف لإعادة التفكير في سياساتها وتحالفاتها الدولية. كما أن الجوانب الإيجابية الموجودة في الأطراف الدولية كروسيا وإيران تُمثل فرصة لهذه الدول الإقليمية كمصر، للسعي نحوها. حيث أن كلاً من موسكو وطهران تسعيان دوماً لبناء علاقات غير مشروطة مع الأطراف كافة فيما يخدم مصلحة الشعوب والتعاون المُشترك.
تخسر السعودية مرة جديدة في سياستها الخارجية لتكون مصر أولى البوادر. فيما باتت خارطة المعادلات الجديدة في المنطقة، دليل الدول لإعادة نسج تحالفاتها.