العلاقاتُ بين مصر والسعودية خــارجَ السيطرة (مترجم)
أصبح الخلاف بين مصر والسعودية خارج نطاق السيطرة، وسط التداعيات الاستراتيجية الكبرى لدى البلدين، فصراع اليمن وغيرها، من التحديات الأمنية في منطقة البحر الأحمر.
نشأت علاقات قوية بين مصر والسعودية والإمارات والكويت، بعد فوز عبد الفتاح السيسي، في انتخابات مايو 2014، ليصبح رئيسا للبلاد، مع وعود بالدعم الاقتصادي لمصر، بعدما قررت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، سحب المساعدات عن القاهرة، إلا أن الرياض وأبو ظبي فشلتا في الوفاء بوعدهما بتقديم المساعدات الاقتصادية والاستثمار، كما أن الحكومة السعودية وضعت ضغوطا هائلة على مصر لتحصل على دعمها العسكري أثناء حربها على اليمن.
بدأت الأزمة مع رفض السيسي قبول هيمنة نائب ولي العهد ووزير الدفاع ونجل الملك، محمد بن سلمان، على العلاقات المصرية السعودية، وبشكل خاص حول استخدام القوات المصرية وضباط المخابرات لمساعدته في أن يصبح على رأس العائلة الحاكمة، خارج نطاق عملية الخلافة، ما يعد التفافا على ورثاء العرش، ومن بينهم ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وهي نفس الطريقة التي نفذتها عائلة السديري وعائلة آل سعود، في التحايل والاستحواذ على العرش بمساعدة الولايات المتحدة.
بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، في 23 يناير 2015، تم تعين الأمير مقرن بن عبد العزيز، ليصبح وليا للعهد، ليتولى العرش بعد وفاة العاهل الحالي سلمان بن عبد العزيز، لكن تم تجريد مقرن من منصبه في 29 أبريل 2015، من قبل سلمان، ليضع محله ابنه الأصغر، محمد بن سلمان، ومنحه صلاحيات اقتصادية وعسكرية لم يسبق لها مثيل في السعودية.
قاومت مصر محاولات بن سلمان، ورغبته في استمرار دعم القاهرة مقابل توطيد سلطته والتزام مصر بالتحالف مع السعودية في حربها على اليمن، إلا أن الحكومة المصرية رأت أن الحرب على اليمن غير حكيمة ولا يمكن المشاركة فيها، وبالتالي، مارست الرياض الضغوط المالية على القاهرة، مما أثار غضب السيسي ودفعه للتحدي، ومن ثم قطعت السعودية الإمدادات النفطية وغيرها من المساعدات لمصر، وحتى الآن تتواجد القوات المصرية في البحر الأحمر لحماية الممر الملاحي فقط.
الأمل في تحسن العلاقات المصرية السعودية اختفى، بعد زيارة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى مصر في 7 أبريل 2016، حيث عرض السيسي منح جزيرتي تيران وصنافير المصريتان إلى السعودية، وهو ما رفضته المحكمة المصرية الإدارية في 21 يونيو 2016.
وبدأت العلاقات المصرية الإيرانية الوليدة في الازدهار، كنتيجة مباشرة لتدهور العلاقات المصرية السعودية، وخاصة خلال عام 2016، كما ترفض مصر وإيران التحالف القطري السعودي والخطط التي ترعاها تركيا لإسقاط الدولة السورية، وبالتالي لدى القاهرة موقف مختلف مع الرياض.
التقارب المصري الإيراني خلق فجوة وخيبة أمل سعودية في السيطرة على اليمن والبحر الأحمر، مما حفز الرياض على محاولة إعادة العلاقات مع إثيوبيا وجيبوتي، بجانب السودان.
التقارب السعودي مع السودان يهدف إلى عرقلة قدرة القاهرة على الضغط على إثيوبيا فيما يخص بناء سد النهضة، مما دفع القاهرة لإعادة بناء العلاقات مع جنوب السودان لتصبح بذلك لها نفوذ خلف السودان.
كل ما سبق وضع ضغوطا اقتصادية كبيرة جدا على مصر، وشعرت القاهرة أنها بحاجة إلى تنشيط جهود قواتها أسفل منطقة البحر الأحمر، وبناء عليه، أعادت مصر العلاقات الأمنية مع إريتريا، ومولت المعارضة الإثيوبية، خاصة جبهة التحرير أورومو، ونشبت مواجهات كبيرة بين أورومو وأمهرة، الجبهة الشعبية لتحرير تيغري.
تودد القاهرة لجنوب السودان، التي تحظى بعلاقات جيدة مع أديس أبابا، دفعها لمعارضة الأخيرة إقامة السدود على نهر النيل، وظهر ذلك علنا في منتصف يناير 2017، بعد زيارة الرئيس سيلفا كير إلى القاهرة.
كل ما يحدث يؤثر بشكل كبير على الصين، التي لها دور استراتيجي في الشرق الأوسط وإفريقيا، بالإضافة إلى البحر الأحمر، حيث الخدمات اللوجستية والروابط التي تمتد من جيبوتي إلى إثيوبيا وصولا إلى إفريقيا، وجنوب السودان جزء لا يتجزأ من تلك الشبكة اللوجستية، كما أن الصين لها علاقات بحيرية وثيقة مع مصر، وارتباطها بقناة السويس وحركة الملاحة الحاسمة بها، وبالتالي الخلاف بين مصر والسعودية وإثيوبيا يهدد خط بكين.
وسط كل الأحداث الراهنة، العاهل السعودي مريض، وأوباما رحل من واشنطن، فهل سيشعر محمد بن سلمان بوجوب التحرك السريع للسيطرة على العرش والحكم في الرياض؟
اويل برايس