الصفقةُ الكُبرى بين واشنطن وآل سعود
فؤاد إبراهيم*
لم يَرُقِ الملكَ السعودي ونجلَه وليّ وليّ العهد الأداءُ الحذرُ للرئيس السابق باراك أوباما، فجاءَ مَن يفوقُ بطيشه أضعاف ما عليه محمد بن سلمان في مغامراته، ولكن ما يجمع العجوزَ الأميركي بالشاب السعودي أيديولوجية إبادة وطموح منفلت. هنا تبدأ قصة الصفقة الكبرى التي يجري تداوُلُ تفاصيلها في اجتماعات بون ولندن، وأخيراً واشنطن.
في غمرة اللقاءات السريّة، يتصدر اجتماع الخماسية (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات وسلطنة عمان) في بون، وذلك على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ في ألمانيا، خلال شباط الماضي، حينما كان الانكباب على معركة الساحل في اليمن، وعلى وجه التحديد سواحل الحديدة، بأبعادها الاستراتيجية، وفي سياق تطبيق خطة الأقاليم التي طرحت ذات مرّة في عهد الرئيس المنتهية صلاحيته عَبدربه منصور هادي، وفجّرت حينذاك ثورة غضب في المحافظات ذات الغالبية الزيدية.
-
بالنسبة إلى فريق ترامب، فإن الخيارَ الراجحَ حربٌ شاملةٌ في المنطقة تكون بدايتها اليمن
-
ثمنٌ فَلَـكي للحرب بشقين: الأول مناصَفة السعودية والإمارات في الثروة النفطية، والثاني التطبيعُ الشاملُ مع إسرائيل بما يمهّد لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس
-
فايرستاين: تقدّمت الإدارةُ الأمريكية برئاسة بوش ٢٠٠١ بمقترح للسعودية يحذرُها من أن «الحوثيين خطر يجب التعامل معه على وجه السرعة»، لكن السعوديين لم يتعاطوا بجديّة مع الأمر
-
يتمسّكُ الملكُ سلمان ونجلُه بخيار مواصَلة الحرب
-
إحتلالُ اليمن الفرصةُ الأخيرةُ لبن سلمان للفوز بالعرش
واستطراداً، طرحت في بون خيارات الحرب والسلام في اليمن، وفيما اختارت الدول الأربع مواصلة الحرب، تمسّكت سلطنة عمان بالحل السياسي للأزمة اليمنية.
أما في اجتماع الخماسية في لندن قبل يومين، وهي المحطة الانتقالية لمحمد بن سلمان قبل وصوله الى واشنطن للقاء ترامب، فكان النقاش موسّعاً حول الخطط الاستراتيجية في المنطقة وفي اليمن.
بالنسبة إلى فريق ترامب، فإن الخيارَ الراجحَ حربٌ شاملة في المنطقة تكون بدايتها اليمن وتصل إلى المحور الذي تقوده إيران في المنطقة، ولكن أثمانَه خيالية، على الأقل من منظور الرياض وأبو ظبي، بصفتهما مسؤولتين رئيسيتين عن «فاتورة» الحرب.
لم تعد المقايضة على الصفقة الكبرى بـ«الأرقام»، وإنما بـ«النسب». والكلام يدور الآن حول ثمن فَلَكي للحرب بشقين: الأول مناصفة السعودية والإمارات في الثروة النفطية، والثاني التطبيع الشامل مع إسرائيل بما يمهّد لنقل السفارة الأميركية إلى القدس.
تراود الرياض أحلام محفوفة بهواجس وارتياب، فهي تتبنّى خيار الحرب ضد إيران، لكنها لا تريدها حرباً مفتوحةً وشاملةً في عموم المنطقة قد تؤولُ إلى تغيير «خرائط» و”معادلات». كما ينظر السعوديون إلى شروط ترامب على أنها تعجيزية، وبدت على غير العادة قلقة من عواقب أمرين: فشل الحرب وجشع ترامب.
في الملف اليمني، ليس هناك في أي من عواصم القرار من يتحدث عن نهاية للحرب ولا عن حل سياسي لها، ويتفق طرفا الحرب على أن الحربَ تتواصل بوتيرة أشد عنفاً منذ وصول ترامب. بالنسبة إلى الرياض، فإن سقف توقعاتها زاد إلى حد أن ابن سلمان أبلغ فريقه أنه لم يعد بحاجة إلى عملاء في اليمن، بل يريد موظفين يقبضون مرتباتهم في نهاية الشهر، أي أنه يريد يمناً تابعاً وبلا سيادة.
هناك مَن يغذي في الجانب الأميركي تطلعات ابن سلمان، فسفير واشنطن السابق لدى صنعاء جيرالد فايرستاين، وهو عرّابُ المبادرة الخليجية التي أعلنها في نيسان 2011 أي بعد شهر من انطلاق الثورة الشعبية في اليمن، هو أيضاً عرّاب الحرب الحالية في رد فعل انتقامي على حركة «أنصار الله» عقب سيطرتها على العاصمة في 21 أيلول 2014.
وذكّر فايرستاين السعوديين، خلال اجتماع أمني في الرياض قبل شهور عدة، بمقترح تقدّمت به إدارة جورج بوش الابن في 2001 حينما حذّروهم من أن «الحوثيين خطر يجب التعامل معه على وجه السرعة»، لكن السعوديين لم يتعاطوا بجديّة مع الأمر. ولناحية استعجال السعوديين للموافقة على «الصفقة الترامبية» الحالية، لوّح السفير الأميركي الجديد لدى صنعاء، ماثيو تولر، في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط» التي تمولها المملكة (4 آذار الجاري) بمبادرة الوزير السابق جون كيري.
تلك المبادرة كانت قائمةً على أساس وقف الأعمال الحربية وتشكيل حكومة وحدة وطنية قبل نهاية العام الماضي، وقد رفضها هادي وفريقه كونها تقوّض شرعيته المزعومة. في المعلومات والتحليل معاً، أن الإجابة غير الواضحة التي قدّمتها الرياض على «الخطة الترامبية» قد تدفع إلى الانتقال إلى خطة «ب»، أي التسوية على أساس مبادرة كيري. وما يخشاه كبارُ أمراء العائلة المالكة في الرياض أن يرفعَ الستار في الحرب الشاملة عن مشهد جيوسياسي مختلف: يمن جديدة وسعودية جديدة، فيما يتمسّك الملك سلمان ونجلُه بخيار مواصلة الحرب، على أمل الخروج بنتيجة أخرى معاكسة.
حتى الآن، تبدو المنطقة في حالة ترقّب لما سوف تؤول إليه المفاوضات بين ترامب وابن سلمان الذي لن يتردد في اقتناص الفرصة الأخيرة للفوز بالعرش. وما يجري الآن من مداولات بين السعودي والأميركي يحوم حول السعر المقرر للصفقة، فالرياض وافقت على دفع «الفاتورة»، لكن ليس على قدر شهية ترامب وتوقعاته الحالمة. وبعدما كانت مساحة المناورة التجارية بين ترامب وآل سعود تقتصر على شراء شقق سكنيّة تراوح قيمتها بين 40 ــ 50 مليون دولار، فإن ترامب يفاوض اليوم من موقعه رئيساً لأقوى دولة في العالم على «مناصفة» الثروة في السعودية. لا فرق بين ترامب «التاجر» وترامب «الرئيس»، وعلى ابن سلمان الحذر من جشع الأول حين يفصح عن نزعته العدوانية.. ووفق تعبير مجلة «فورين أفيرز»، يجب على السعودية «أخذ الحيطة والحذر من العدائية المحتملة لدى ترامب حين تبلغه الرياض أنّ توقّعاته تجاه المملكة قد تجاوزت الحد المعقول».
- عن الأخبار البيروتية بتصرف يسير