الطابورُ الخامسُ والمرجفون.. عملاءُ العدو السريّون في الداخل!
إرعابُ الناس وتحطيمُ المعنويات.. مهامٌّ رئيسةٌ يعملون عليها
صدى المسيرة- أحمد داوود
ظهر السَّـيِّـدُ عَبدُالملك بدر الدين الحوثي قائدُ الثورة الشعبيّة في الخطابَين الأخيرَين محذّراً من “الطابور الخامس” ومن أُولَئك المرجفين الذين يستهدفون “الروحَ المعنوية” للشعب اليمني، ويتّخِذُون من الإرجاف وبث الشائعات وسيلةً لهزيمة المناهضين للعدوان، وهذه الوسائل تأتي في إطار ما يسمى “الحرب النفسية”.
وقال السَّـيِّـد عَبدالملك الحوثي قائد الثورة الشعبيّة في خطابه الأخير: “من جانب الغزو والهجمة علينا التي تستهدفنا في هُويتنا، السعي بكل جُهد إلى كسر الإرَادَة، وضرب الروح المعنوية لهذا البلد، يعني شغل كبير جبهة كبيرة جداً، تشتغل بالإرجاف والتهويل والتخويف، وارعاب للناس وإرهابهم، وزرع حالة الياس، والتحطيم المعنوي لدفع الناس إلى الاستسلام على أَسَـاس اليأس، أنه ليس باستطاعتنا أن نصمُدَ، وليس باستطاعتنا أن نواجه، وما أمامنا من خيار إلا أن نستسلمَ، وما أمامنا من خيار إلا أن نسلم أنفسنا وأمرنا وبلدنا وثروتنا وكل شيء لعدونا ونترك له كُلّ شيء” مضيفاً أن “هناك شغل كبير، شغل إعلامي وشغل اجتماعي وشغل سياسي، وله أساليب مباشرة وأساليب غير مباشرة، هناك شغل كبير جدّاً في واقعنا الداخلي، ويظهر بوضوح في وسائل الإعلام، ويظهر أَحْيَاناً في مقايل القات وفي التجمعات والمناسبات”.
هذا الإرجافُ والتخويفُ الذي يمارسُه البعضُ يندرِجُ تحت مسمى الحرب النفسية والتي يُطلَقُ عليها كذلك اسم (حرب تحطيم المعنويات) و(حرب الأعصاب) و(حرب غسيل الأدمغة) و(حرب العقول) و(حرب الأفكار)، وهي تعد أخطر الحروب التي عرفها الإنْسَـان على مدى التأريخ، ويطلق عليها أَيْضاً (فن تحطيم العدو دون حرب.. وإنزال الهزيمة به دون قتال).
وقد يقول البعض: لماذا يطلق السَّـيِّـد القائد كُلّ هذه التحذيرات من هؤلاء المرجفين؟ والحقيقة أن كُلّ قيادات العالم التي خاضعت حروباً كانت تعمل لهذه الحرب ألف حساب، وتتصدى لكل من يعمل فيها بكل حزم وبدون مواربة.
والحرب النفسية ليست حرباً بالمعنى التقليدي بأسلحة وذخائر وجنود، بل هي حربٌ بلا مدافع تشن في وقت السلم والحرب على السواء، فالحروب نوعان (حرب تستخدم فيها الأسلحة المعروفة القنابل والمدافع والصواريخ هي حرب الحديد والنار، والحرب الأُخَـرَى بلا مدافع وتشمل الحرب السياسية والحرب الاقْتصَادية والحرب النفسية، وفيها تندرج الشائعات والدعايات الكاذبة وبث روح الانهزامية وغيرها من الأساليب التي تدفع الشعوب للركون للواقع المرير والاستسلام له دون محاولة تغييره.
وما يدفع العدو إلى هذا الطريق من ألوان الحروب أنه أقل تكلفة من الناحية المادية، كما أنه لا تمكن معرفة نتائجها إلّا بعد زمن ليس بقصير، فهي وسيلة بعيدة المدى وليس من الضروري أن يظهر تأثيرها مباشرة مثل المعارك الحربية، فالحرب النفسية ليست مباشرة وليست وجها لوجه. ويقول المُخَطّط العسكري الصيني “صن تزو”: “إن اعظم درجات المهارة هي تحطيم مقاومة العدو دون قتال”.
الأَهْـدَافُ الرئيسةُ للحرب النفسية
وحدد الكثيرُ من الباحثين عدداً من أَهْـدَاف الحرب النفسية منها:
– تحطيم قيم وأَخْـلَاقيات الشعب الذي توجه اليه الحرب النفسية.
– إرباك نظرة الشعب السياسية وقتل كافة معتقداته ومثله التي يؤمن بها.
– إعطاؤه الدروس موجَّهةٍ ومعدّة مسبقاً؛ ليؤمن بعد ذلك بكل ما يريدون، أي إجراء عملية غسل دماغ.
– زيادة شُقّة الخلاف بين الحكومات وشعبها.
– غرس بذور الفرقة بين أَبْنَـاء الشعب.
نماذج تأريخية من الحرب النفسية
وعبر التأريخ لجأت الكثير من الدول والجيوش إلى هذه الحرب لهزيمة الطرف الآخر وضرب الروح المعنوية، فالكيان الصهيوني اعتمد في حرب 1967 مع العرب مقولة “الجيش الذي لا يُقهَر” وأن خط بارليف من المستحيل تحطيمه، ونجح الصهاينة بالفعل في ذلك ووقتها تخيل الناس أن الصهاينة من كوكب آخر ومن المستحيل هزيمتهم.
وكثيراً ما استخدمت الولاياتُ المتحدة الأمريكية الحربَ النفسية في تحدّياتها الدولية، فقد استخدمتها فِي حروبها مع بنما وفيتنام، وتجلّت هذه الحرب النفسية أثناء حرب الخليج، حيث استخدمت إحْدَى الوحدات الصغيرة للقوات الأمريكية مكبّرات الصوت والتي أخذت تطلق أصوات الهليكوبتر والدبابات من خلال شرائط مسجلة من أجل الايحاء للجيش العراقي بأن إمكانيات الوحدة من القوات الأمريكية أَكْبَـرُ بكثير من حقيقة الأمر!.
كما قامت فِي هذه الحرب بإسْقَـاط 29 مليونَ منشور على جميع وحدات الجيش العراقي, يقوم بعضها بتهديد الجيش العراقي وتتوعده فِي حالة عدم الاستسلام وبعضها الآخر يذكّر الجنود العراقيين بالأهل الذين ينتظرون عودتهم!.
وقديماً كان التتارُ أَوْ المغول بقيادة جنكيز خان أَكْثَـرَ من بَرَعَ في هذا الجانب، حيث كان جنكيز خان يبعَثُ أَمَـام جيشه بمَن ينشُرُ وسط البلد المستهدَفِ كلاماً يدُلُّ على أعداد المغوليين الكبيرة وأفعالهم الوحشية من أجل بث الرعب فِي النفوس..! كما أنه كان يقوم بخداع جيش عدوه، فيجعلهم يعتقدون أن جيشه أَكْبَـر من الواقع عن طريق مجموعة مدربة من الفرسان الذين كانوا يتحَـرّكون من مكان لآخر بسرعة كبيرة، وقد لجأ(جنكيز خان) إلى أُسْلُوْب إرسال الجواسيس في بداية القرن الحادي عشر الميلادي، لبثّ الرُّعب في نفوس الأعداء، من خلال التهويل، وإطلاق الشائعات، ومحاولة إضعاف معنويات المقاتلين.
وقام (نابليون بونابرت) أثناء حملته على مصر 1798م، بتوزيع المنشورات على المصريين، للتأثير على العقل العربي المسلم في مصر، واستمالة عطفه، وعدم مقاومته كفاتح مستعمر، وما ادّعاؤه الإسْـلَام وبأنَّه لا يعارض النَّصرانية إلاَّ محاولة للتأثير على الفرد المصري.
الإعلامُ والطابورُ الخامس
الإعلام سلاح ذو حدين وهو أداة من أَدَوَات الدعاية التي قد تكونُ بنّاءة أَوْ مدمّرةً في الوقت نفسه، فمنه ما هو مسلَّط علينا من قبل أعدائنا وهدفه الهاءنا وإبعادنا عن القضايا الأَسَـاسية وإفساد عقيدتنا ومعتقداتنا، بل وَالأخطر من ذلك زرع أفكار ومعتقدات من شأنها هزيمة الروح المعنوية لنا ولشبابنا, ومنه أَيْضاً ما هو من شأنه رفعة الأمة والتوعية الصحيحة للشباب ولكل فئات المجتمع.
وخلالَ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السنوات الماضية لعبت وسائل الإعلام العربية والفلسطينية دوراً مُخجلاً في الدفاع عن الفلسطينيين وتسليط الضوء حول جرائم العدوان، فلم يتحدث الإعلام عن إنجازات المقاومة الفلسطينية أَوْ عن صمود غزة على الرغم من أنها كانت محاصرة وكيف أن أهلها تكاتفوا.
كما أن هذا الإعلام لم يتحدث عن عدم مقدرة القوات الصهيونية التقدم على الرغم مما حشد من قوات ولم يتحدث عن عدم مقدرة الصهاينة تحقيق أيٍّ من الأَهْـدَاف التي جاء من أجلها على العكس كان مسانداً لرواية الصهيونية التي كانت تقول إن حماس هي من جلبت الدمار للمدنيين وليست “إسرائيل” في نية ضرب المدنيين لولا حماس.
الآن يتكرر السيناريو تماماً في العدوان الأمريكي السُّعُـوْديّ على بلادنا، فالبعضُ من هؤلاء الذين يشتغلون في ضرب الروح المعنوية يقولون: “لماذا لا يوقف الحوثيون الحرب”، ويصورون للآخرين بأن أنصار الله هم من جلب العدوان وهم من جلب الحصار للشعب اليمني وهم المسؤولون عن كُلّ ما يحدث، مع أن الحقيقة أن أنصار الله لم يتمنوا العدوان ولو للحظة واحدة، ويتمنون قبل غيرهم أن يتوقف هذا الإجْـرَام على الشعب اليمني، لكن السُّعُـوْديّ والأمريكي والصهيوني وغيرهم هم من يريدون استمرار إشعال فتيل الحرب واستعباد الشعب اليمني حتى اعلان الاستسلام المهين.
وخلال عامين من العدوان، وبمجرد التمعُّن إلى وسائل الإعلام التي تخدم العدو، سنجدها بالمئات مقابل وسائل إعلامية محدودة تعمل في التصدي له وإبراز جرائمه، حيث تصور الإمبراطورية الإعلامية للعدو ومنها قنوات يمنية موالية لحزب الإصلاح ولهادي ولناشطين كلها تصب في التضليل والتشويه والخداع.
وفي الداخل ينساق البعض بقصد أَوْ بدون قصد وراء الإرجاف الذي يتبناه البعض حتى وإن ادعوا أنهم من المعارضين للعدوان، لكنهم في الحقيقة يستهدفون الروح المعنوية للمقاتلين وهؤلاء هم من يمكن أن نطلق عليهم الطابور الخامس.
المرحلة الآن حسَّاسة، وأيُّ نقد يوجه صوبَ المُؤَسّسة العسكرية لا يأتي في إطار مواجهة العدوان بل في إطار الحرب النفسية، فمهما يكن يجب أن تكون الكلمة وتحديداً تجاه هذه المُؤَسّسة العملاقة هو الإشادة بما تقدمه وبما أنجزته والعمل على دفع الناس وحثهم للتصدي للعدو بكل الوسائل والإمكانات المتاحة. وفي أدبيات العلوم السياسية والاجتماعية نشأت تسمية “الطابور الخامس” أثناء الحرب الأهلية الإسبانية التي نشبت عام 1936 واستمرت ثلاث سنوات، وأول من أطلق هذا التعبير هو الجنرال إميليو مولا أحد قادة القوات الزاحفة على مدريد، وكانت تتكوَّنُ من أربعة طوابير من الثوار، فقال حينها: إن هناك طابوراً خامساً، حيث هاجم العاصمة مدريد التي كانت تحتَ سيطرة الحكومة الجمهورية بأربع فرق عسكرية (طوابير أربعة) من الجهات الأربعة، إضَافَـة إلى «طابور خامس» من العناصر الفاعلة الموالية والمخلصة له في قلب العاصمة، وهي مجموعاتٌ من العُمَـلَاء السريين مهمَّتُها إثارةُ الرعب والفزع والبلبلة، والقيام بأعمال حربية وإشاعة فوضى لتهتز الجبهة الداخلية، ومن ثم تسقط العاصمة المحاصرة من كُلّ الاتجاهات.
وفي الغالب يتألّف الطابور الخامس من مدارس عدة سواءٌ أكانوا إعلاميين أَوْ سياسيين أَوْ اجتماعيين أَوْ نجوم في الفن أَوْ الكرة، ومن طلاب في الجامعات أَيْضاً، وتكون مهمتهم خلق الأزمات وافتعالها، وزعزعة الأمن والاستقرار داخل الدولة التي يعملون بها.
ومن بين هؤلاء من يدّعي الحيادية ثم ينقلب في الوقت المناسب، وستجد منهم من يتظاهر بالوطنية والغيرة على الوطن ومقدراته، وهو من أشدّ الكارهين له، ويقوم فريق منهم بمحاولة إثارة الصراعات الداخلية، مستغلاً الاختلافات الطائفية والفكرية والمنهجية.
أخيراً، فإن معرفة خطورة “الطابور الخامس” باعتباره مكملاً لجيوش وأدوات الغزاة والمعتدين، تؤكد ضرورة التصدّي بكل قوة لكل من ينخرط في هذا الإطار، على ذات النحو، بنفس الضرورة البديهية التي توجبُ مواجهة الغزاة والمرتزقة في مختلف الجبهات.