نازحونا والمنظمات الإغاثية
د. فاطمة بخيت
قد تصدُقُ على المنظمات الإغاثية في بلدنا مقولةُ ذلك العربي الذي ذهَبَ ليبيع هِرًّا له، ففوجئ بكثرة أسمائه التي وردت على ألسنة المبايعين (هر – قط – سنور – بس)، لكنهم جَميعاً لم تسخ نفوسُهم بدفع أَكْثَر من درهمين ثمنا له، وعند ذلك ضجّ العربي قائلاً: تباً لك من هر، ما أَكْثَر أسماءك، وأقل غناءك!
منذ بداية العدوان الغاشم على بلدنا ونزوح الآلاف من اليمنيين إلى العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات، وفتح العديد من مراكز إيواء النازحين، بدأت بعض منظمات الإغاثة بزيارة بعض تلك المراكز، فمنها ما قدّمت دعماً، ومنها ما اكتفت بزيارات كتلك التي يُقال عنها زيارة تفقدية، ومنها ما اقتصر على أخذ إحصائيات ومعلومات محددة عن النازحين، بالإضَافَة إلى أسئلة جانبية ساذجة وغبية ومشبوهة، وخَاصَّـة مع نازحي صعدة، كتلك التي تسأل عن المعتقدات والمناهج الدراسية التي يدرُسونها، وعن السيد عبدالملك؛ وغيرها… مما بعث على استياء النازحين بالمراكز.
ومنها من تنسق مع إدَارَة المراكز على أساس تقديم إغاثة، فيتفاجأ الجميع بتوزيع كيس به مواد نظافة، وهذه إحدى المنظمات وزَّعت حبوب كولور مع بسكويت أطفال لأحد المراكز، وذلك قبل تفشي مرض الكوليرا بمدة طويلة، لكنها غابت بعد تفشي الوباء، حيث شعر النازحون حينها بأنّ هناك استخفافا من قبل تلك المنظمات لمدى المعاناة التي يعيشونها.
ومعظم هذه المنظمات الإغاثية – وهي تتلقى دعماً هائلاً من الخارج والداخل – تعمل على قاعدة (سألته عن أبيه قال: خالي شعيب)، فإذا كان من النازحين من فقد منزله وممتلكاته جرّاء العدوان، ومنهم من فقد أقاربه، أَوْ تعرَّض لإصابات، أَوْ هو بحاجة إلى القوت اليومي فإن هذه المنظمات تذهب للاهتمام بأشياءَ لا تلبي الحاجةَ الماسَّة لهم، ولا الاهتمام الكافي، بل قد تعمل بعض التعقيدات والعراقيل.
قبل أيام وفي إحدى المدارس التي توزِّع موادَّ غذائية للنازحين، سمعت الكثير من الأنّات والشكاوى من النازحين، بل والدعاء على تلك المنظمات بدلاً من الدعاء لهم، بسبب تلك العراقيل والتعقيدات، وسقوط بعض الأسماء، ونقصان المواد الغذائية في شهر رمضان، الذي يقول النازحون كنا نأمل أن تكون هناك زيادة في أَنْوَاع المواد الغذائية في شهر رمضان.
وَهناك الكثير من النازحين يسكنون تحت طرابيل في هذا الحر الشديد، ويعانون من وضع مأساوي في مختلف النواحي، وكان المفترض بتلك المنظمات أن تساهم بعمل مخيمات لإيوائهم، والاهتمام بهم والمساعدة في توفير حتى ولو بعض الاحتياجات الضرورية، والحفاظ على كرامتهم كنازحين، لكن شيئاً من ذلك لا يحصل، بل غاية عملهم أنهم يلفقون التقارير ويفبركون الصور لإرسالها إلى مموليهم لضمان استمرار دَرَّتهم المعهودة.
لقد لاحظت من خلال عملي كمشرفة على النازحين أنّ ما يتم تقديمه من دعم من قِبل تلك المنظمات لا يساوي تقريباً 10 بالمائة مما يقدمه التجار وفاعلو الخير؛ الأمر الذي يبين أنّ هذا الشعب شعبٌ معطاء لا ينتظرُ تقديم العون من الآخرين برغم المعاناة والآلام والجراح التي يعانيها والحصار والوضع الاقتصادي الصعب جرّاء العدوان الظالم والغاشم الذي لم يشهدْ لها التأريخ مثيلاً.
لهذا كله فإنه يجبُ على الجهات المعنية في الدولة الرقابةُ والإشرافُ على هذه المنظمات بتوجيهها التوجيه السليم، وتقديم الدراسات والاستشارات حول الحاجات الأهم فالأهم للنازحين، وإغلاق تلك المنظمات التي اتخذت من العمل الخيري جسر عبور إلى مصالحها النفعية الذاتية، وتشجيع المنظمات الجادّة، والإشادة بها، وقبل ذلك أن يقومَ المجتمع بواجب التكافل والتضامن الاجتماعي، الذي لا يوجد نظام اجتماعي يشبهُه في العطاء والتضامُن والتعاون والتكافل.