الكويت آخرُ ضحايا التخوين: النظامُ السعوديّ.. من الانتصارات المزيّفة إلى البحث عن شماعة الهزيمة
صدى المسيرة| إبراهيم السراجي:
تصدَّرَ النظامُ السعوديُّ قائمةَ دول العدوان على اليمن، وبالمقابل فإن مكانتَه تلك وضعته أَيْضاً في صدارة الهزيمة بعد نحو عامَين ونصف عام من الإخفاق والخسائر، وأمامَ انسداد الأفق أمام تحقيق أي انتصار يحفظ ما تبقى من ماء وجهه، فإن النظامَ السعوديّ فتح لنفسه أُفُقاً آخر، ليس لتحقيق الانتصار، وإنما لتبرير الهزيمة عبر توزيع تهم الخيانة للآخرين، على رأسها دول التحالف ذاتها، وقبلها الدولة التي رفضت الولوغ في دماء اليمنيين وهي سلطنة عُمان، في وقت يواصل النظام الإماراتي سحب البساط من تحت نظيره السعوديّ، مقابل كلمات مجاملة يطلقها المسؤولون الإماراتيون لإشعار السعوديّة أنها ما تزال “قائدة القطيع”.
على مدى عامين من العدوان، ظل الإعلام السعوديّ يكابر ويسوّق انتصاراتٍ لا أساسَ لها من الواقع في اليمن، فيما كانت الصواريخ اليمنية تطور مداها لتضرب الرياض وجدة ومؤخراً ما بعد الرياض، هذه المعادلة أحرجت الإعلامَ السعوديّ، ولوحظ غياب كامل لناطق العدوان قبل أن يتم تغييره ببديل لم يُــدْلِ بأي تصريح إلى اليوم، حيث بات السؤال الذي يتردد في أوساط السعوديّين هو: إذا كانت تلك الانتصارات تتواصل، فلماذا لم تنتهِ الحرب؟ وإذا كانت الضربات الجوية ناجحة فلماذا لم تتوقف الصواريخ؟
ومع اضمحلال فعالية التسويق الإعلامي لانتصارات زائفة أراد النظام السعوديّ أن يكون على رأسها، كان لا بد له أن يقر بالهزيمة ولكن أن يضع مسؤوليتها على عاتق دول أخرى من خارج تحالف العدوان، أَوْ على عاتق دول ضليعة بالعدوان ممن كان لا يريد أن يشاركها معه في الانتصار، وبالتالي لا يريد أن يكون شريكاً لها في الهزيمة على الأقل.
ورغم أن المطلوب من تحالف يضم أكثر من 13 دولة تمتلك أحدث الأسلحة، أن تنتصر في حربها مهما كان السلاح الذي يمتلكه الطرف الآخر (اليمنيون)؛ لأنه سيكون أقل عدداً وأقل من حيث الحداثة، إلا أن النظام السعوديّ يصر أن هزيمتَه تعودُ لاستمرار دخول الأسلحة إلى اليمن، وكي لا يكون دخول الأسلحة إخفاقاً آخر له في حصاره على اليمن، كان يجب أن يتهم دولاً يضمها تحالفُهُ بالخيانة والتواطؤ في إدخال الأسلحة إلى اليمن.
وقع اختيارُ النظام السعوديّ هذه المرة على دولة الكويت وتوجيه اتهام لها بعدم ضبط مياهها الإقْليْمية واستخدامها في تمرير شحنات أسلحة في اليمن.
ذلك الاتهامُ تبّنت وكالة رويترز توجيهَه للكويت نيابةً للسعوديّة عبر تقرير شبيه بتقرير آخر نشرته الوكالة وزعمت أن مصادرَ مقرَّبة من ولي العهد المعزول محمد بن نايف قال إن ملكَ السعوديّة اتخذ قراراً بعزله من مناصبه بسبب إدمانه للمخدرات، وهي رواية مسيئة لبن نايف ولا يمكنُ أن تصدُرَ عن مقربين منه؛ كونها تبرر تنصيب بن سلمان مكانه، وبالتالي فهي رواية سرّبها النظام السعوديّ عبر رويترز.
بخصوص الكويت، نشرت الوكالة (رويترز) تقريراً يوم الثلاثاء، يزعم أن إيران تستخدم المياه الإقْليْمية للكويت لتمرير شحنات أسلحة لليمن، وكان واضحاً أن هذا التقرير جرت فبركته في المخابرات السعوديّة، لعدة أسباب، منها أن التقرير احتوى تناقضات فاضحة وخلا من أي منطق؛ لأنه ينقل رواياتِ مسؤولين إيرانيين وتجّار أسلحة، ومصادر أخرى، لم يذكر أي اسم منها، علاوةً على أنه جعل المسؤولين الإيرانيين المزعومين يعترفون بأنهم يهربون أسلحةً لليمن عبر مياه الكويت، وجعل سماسرة الأسلحة يكشفون الطريقة التي يقومون بتهريب شحنات الأسلحة إلى اليمن، فكيف يمكن لكل هذه الأطراف أن تعمل ضد نفسها وتكشف خططها ومساراتها السرّية؟ وكيف لمسؤولين إيرانيين يذكرهم تقرير رويترز أن يدلوا بمعلومات يُفترَضُ أنها ضدهم وتدينهم أمام العالم؟
إجابة كُلّ التساؤلات تكمن في ارتباك النظام السعوديّ وتواطؤ وكالة رويترز في تقديم تقرير كله تناقضات ولا يُفهَمُ منه سوى أن هناك هدفاً يرمي لاتهام الكويت بخيانة “التحالف” التي هي عضوٌ فيه، وتكون إلى جانب دول أخرى سبباً في هزيمة العدوان، ولكن على أن لا تكون السعوديّة جزءً من تلك الهزيمة.
وعادةً لا تكون الدول مضطرَّةً للرد عبر مُؤسّساتها الرسمية على ما ينشر في وكالات الأنباء؛ كون وظيفة المُؤسّسات في هذا المضمار تختص في الرد على المواقف الرسمية الموجهة لها من دول أخرى، غير أن الكويت اضطرت للرد رسمياً على تقرير وكالة رويترز؛ لأنها -فيما يبدو- شعرت بخطورة الاتهام وأنه ليس مجرد خبر جرى نشرُه في وكالة أنباء، وأن الجهةَ التي تقف وراءه تخطّط لما هو أبعد من ذلك.
وقالت وزارة الخارجية الكويتية، أمس الأربعاء، بأنه لا صحة للمعلومات التي وردت في وكالة رويترز حول استخدام مياهها الإقْليْمية لتهريب الأسلحة إلى اليمن، معتبرةً أن ذلك محاولة للإساءة لدولة الكويت.
ونقلت وكالة الأنباء الكويتية عن مصدر بالخارجية قوله إن المياهَ الإقْليْمية لدولة الكويت تحتَ السيطرة التامة للقوة البحرية الكويتية والإدارة العامة لخفر السواحل وتحت المراقبة بجميع الوسائل على مدار الساعة، وأنها لم ترصد أيّة أنشطة مشبوهة في المناطق البحرية التي تحت سيطرتها.
كما صرّح خالد الجارالله نائب وزير الخارجية الكويتي، قائلاً إن الكويت اضطرت للرد على التقرير؛ لأنها تفاجأت به ولأن المنطق والعقل يرفض تصديق ما ورد فيه.
الأمر الأكثر أهمية في تصريحات الجارالله هو قوله إن تلك المعلومات تُسيءُ للكويت وقد تكون مدسوسةً على مستوى إقْليْمي ودولي وأن هناك جهاتٍ تسعى للإساءة لدولة الكويت.
توجيهُ مؤشر الخيانة والتسبب بهزيمة العدوان نحو الكويت لم يكن إلا آخر محاولات النظام السعوديّ الذي سبق أن اتهم قطر ويواصل اتهامَها بالتسبب في فشل العدوان ومنح إحداثيات مواقع قواتهم إلى ما تصفهم هي والإمارات “الحوثيين” إلى جانب جُملة من التُّهَم اليومية الموجهة لقطر في هذا المضمار.
أما تهم التسبب بفشل العدوان عبرَ تهريب الأسلحة فقد طالت من قبلُ سلطنة عُمان التي نفت بشكل قاطع تهريبَ أسلحة عبر حدودها لليمن، مستغربةً من الاتهاماتِ الموجهة لها رغم أن حدود اليمن مع عُمان تقع تحت سيطرة المرتزقة وأتباع العدوان، لكن الخُلاصة تؤكد أن النظامَ السعوديّ يبحَثُ عن شماعة لتحميلها سببَ الهزيمة بعدما فشل الإعلام السعوديّ في اثبات الانتصاراتِ المزيّفة التي كان يريد ذلك النظام أن ينسبَها لنفسه.