“مادورو” الدكتاتور وسلمان الديمقراطي!
د. أحمد عبدالله الصعدي
اتّخذ الرئيسُ الأمريكي ترامب عقوباتٍ جديدةً ضد الزعيم الفنزويلي نيكولاس مادورو، واصفاً إياه بالدكتاتور، والمُعادي للديمقراطية. لكن الرئيسَ الفنزويلي لم يأبهْ كثيراً للعقوبات؛ لأنه يعرفُ أن الإدارةَ الأمريكيةَ لن تعترفَ بأية انتخابات ما لم تأتِ بحلفائها إلى السلطة.
للإدارات الأمريكية المتعاقبة سجلٌ إجْرَامي في أمريكا اللاتينية، قوامُه انقلاباتٌ عسكريةٌ ومجازرُ دمويةٌ واغتيالات ورعاية عصابات الموت الرسمية وغير الرسمية؛ بهدف إحكام قبضتها على هذه المنطقة الواسعة من العالم، ولا تنقصها المبرّرات العنصرية، حيث تتكرر في كتابات ومراسلات السياسيين وَالعسكريين الأمريكيين خُرافةُ القُصور العقلي لدى سكان أمريكا اللاتينية.
فعلى سبيل المثال كتب القائمُ بالأعمال الأمريكي في فنزويلا، مايكل كرين، إلى وزارة خارجية بلادة عام 1929 يقول: إلى أن يحينَ الوقتُ للوثوق بالشعب الفنزويلي بأنه قادرٌ على اتخاذ القرارات الصحيحة بشأن وجهته السياسية والاقتصادية، وهو وقتٌ لن يحينَ إلا في المستقبل البعيد جداً، فإن من الأصلح لذوي العلاقة كافة إبقاءَهم بمنجىً عن الديمقراطية.
وَيورد نعوم شومسكي، الذي اقتبسنا منه النصَّ السابقَ شهادةً أُخْرَى على النظرة الاستعلائية الأمريكية، تمثّلت بإشارة وزير الخارجية، جون فوستر دالس، على الرئيس آيزنهاور بأن من الممكن إقناع الأمريكيين اللاتينيين بالقبول بالمُخَطّطات الأمريكية الخَاصَّــة بمستقبلهم كمصدر للمواد الأولية وللربح بالنسبة إلى الشركات الأمريكية الكبرى، وقوله للرئيس: عليك أن تربِّت على أكتافهم قليلاً؛ لكي يظنوا بأنك شغوفٌ بهم.
كان مانويل نوريغا عميلاً للمخابرات المركزية الأمريكية منذ الخمسينيات، وبدأ نشاطَه بتتبع الميول اليسارية لدى زملائه في الأكاديمية العسكرية. في عام 84 أعلن فوزه رئيساً لبنما واحتفت الإدارة الأمريكية بهذا الفوز الذي ترافق مع قمع وقتل للمعارضين؛ لأن نوريغا كان ما يزال ((الوغد السفاح الخاص بنا)) على حد تعبير شومسكي، أما عندما فاز في انتخابات 1989 بنفس الطريقة فإن إدارة بوش رفضت هذا الفوز؛ لأن هذا الوغد قد أصبح يظهر ميولاً قومية، فما كان من الإدارة إلا أن تغزوَ بنما في ديسمبر 89 لتطيحَ بنوريغا وتنصّب النخبة الأوروبية التقليدية البيضاء متحكمةً بمصير البناميين، والأخطر في الأمر أن الغزوَ الذي سمّاه الغزاة الأمريكان ((عملية القضية العادلة)) أتى قبل أيام معدودة من موعد إعَادَة إدارة قناة بنما إلى السيادة البنمية في اليوم الأول من سنة 1990.
لهذا لا ينبغي الاعتقادُ بأن ترامب يدافِعُ عن الديمقراطية في فنزويلا، فما يهمه هو إعَادَة السلطة إلى طبقة الأثرياء الفنزويليين المرتبطة مصالحهم بالشركات الأمريكية.
أما تغني ترامب وإدارته بالديمقراطية وحقوق الإنْسَان فقد صمت عنه، وشاهدنا ذلك في محفل الرياض، حيث خطب وَتحادث مع ملوك وشيوخ النفط الذين يتزعمون أكثرَ أنظمة العصر استبداداً وبوليسيةً، حتى أنهم يلقون برعاياهم في غياهب السجون عقاباً على تغريدة في تويتر.
ولم يكتفِ ترامب بتجاهل القمع الذي يمارسُه سادةُ النفط في السعودية والخليج، بل زاد على ذلك بأن شجّع ملك البحرين في ممارساته القمعية وقتل مواطنيه، وقال له: اطمئن لن ندعَ انتهاكاتِ حقوق الإنْسَان مهما بلغت فظاعتها تُفسِدُ للود قضية.
وهكذا لا يجد لا ترامب ولا أحدٌ آخر في إدارته أيَّ تناقض في اعتبار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو دكتاتوراً تجبُ الإطاحة به، وفي دعمه للأُسَرِ الوراثية الحاكمة في الخليج وللملك سلمان ((الديمقراطي))!، مانح الهدايا الثمينة بوجه خاصّ.