الاتصالاتُ وطاحون صاحب يريم
حسن الوريث
أحدُ أَبْنَاء مدينة يريم ذهب إلى أحد مراكز خدمات المشتركين التابعة للاتصالات لإنجاز معامَلة إدخال خط هاتفي لمنزله، وحين وصل إلى الموظف المختص سأله ذلك الموظف: معك سيارة. فرد عليه بسرعة، معي طاحون في يريم..!، ظناً من صاحب يريم أن الموظف يسأله عن أملاكه ولم يكن يدري أنه يسأله عن سيارة ينقل بها المهندس والفنيين التابعين للاتصالات إلى منطقة العمل؛ لأن وزارة الاتصالات ومُؤَسّساتها وشركاتها المختلفة لم تعد تمتلكُ سيارةً لنقل موظفيها ومهندسيها وفنييها إلى مناطق العمل، رغم أن هذه المُؤَسّسة هي الوحيدة التي لم تتأثر كثيراً بالعدوان السعودي على اليمن مثل بقيةِ المُؤَسّسات؛ لأن الاتصالات هي السلعة الرائجة التي زادت هذه الفترة بشكل كبير وأقبل الناس عليها بقوة وليس مثل خدمات الكهرباء والمياه والخدمات الأُخْرَى التي قلت بل وانعدم بعضها.
بالتأكيد قد يسأل القارئ الكريم نفسه: لماذا هذا الكلام وهذه المقدمة الطللية فأقول له وحتى لا يذهب بعيداً لقد حدث لي نفس الموقف الذي حدث لصاحب يريم حين ذهبت إلى مركز خدمات المشتركين القريب من منزلي؛ لغرض إدخال خدمة الهاتف إلى منزلي، فعندما وصلت إلى الموظف المختص قال لي معك سيارة فأجبت عليه بنفس إجابة صاحب يَريم وقلت له “معي طاحون في يريم”، وعدت إليه بالسؤال: هل معقول أن وزارة الاتصالات بحجمها لم تعد تمتلك سياراتٍ لموظفيها ليقوموا بواجبهم في خدمة المواطن والانتقال إلى كُلّ الأماكن التي يتطلبها العمل؟ كما أخبرني الموظف والمدير حقه أنني إذا أردت إدخال خدمة الهاتف لازم اشتري الكابل من عندي؛ لأن المُؤَسّسة وقطاعاتها المختلفة لا توجد فيها كابلات، وهذه من الإضافات التي تبدع فيها وزارة الاتصالات وتتحفُ بها مشتركيها، إلى غير ذلك من الأمور التي لا تجدها سوى عندهم وكل شيء يعود على شماعة العدوان.
عموماً بعد أخذ ورد وتعامل غير جيد من قبل الموظفين وتأخير كبير جاءت إلى المركز ثلاث سيارات قديمة لم تعد قادرةً على حمل السلالم، فما بالك بالموظفين، وأهم ما يلفت نظرك في معظم مرافق الاتصالات هو التعامُلُ الصعبُ من قبل الموظفين الذي يجعل المواطن يهرب من التعامل مع الاتصالات الحكومية ويفضّل التعامل مع خدمات شركات الاتصالات الخَاصَّة التي تجد تعاملاً من موظفيها غير ذلك الذي تجده في مرافق القطاع العام وخَاصَّة الاتصالات.
المهم في الموضوع أن قطاعَ الاتصالات أصابته الشيخوخةُ والهرم وأصبح بحاجة ماسَّة للتجديد في قياداته الإدارية التي صارت تعمل عن بُعد بطريقة الريموت كنترول ولم تعد تجد أياً من القيادات الإدارية التي يمكن أن ترجع إليها في حالة مصادفتك لأية صعوبات في مكاتبها وفروعها ومراكزها الخدمية، إلى درجة أن الموظف عندما تهدده بالشكوى إلى الإدَارَة العليا يرد عليك وبكل برود إذا وجدت أيّ واحد منهم فيمكنك أن تشكوَ إليه ولا يمكن أن تستفيدَ من شكواك إلا المزيد من عرقلة موضوعك وهكذا فإن من يزور أي مركز من مراكز خدمات الاتصالات يجد نفسَ المعاملة، وقد تكرر معي ذلك أَكْثَر من مرة، حيث اضطررت ذات مرة أن أتنقل بين مراكز مذبح والجراف والدائري وسعوان للحُصول على خدمة الانترنت ولم أتمكن وكتبت حينها موضوعاً بعنوان “الانترنت بين مذبح والجراف ورحلة ابن بطوطة”.
وفي الأخير فرسالتي لمسئولي الاتصالات الحكومية أن يتقوا الله في عملهم ويقوموا بدورهم المناط بهم على الوجه الأكمل حتى لا يجدوا الاتصالات خارج اللعبة والمنافسة، على اعتبار أن هذا القطاع الهام يتطور كُلّ يوم وكل لحظة والتنافس فيه على أَشُدّه بين شركات الاتصالات، ومن تتراجع خدماته يجد نفسه على الرصيف، وأتمنى أن لا نجد مُؤَسّسات الاتصالات الرسمية التي تعتبر ملكاً للشعب كله خارجَ المنافسة؛ حرصاً على مصلحة الوطن والمواطن، فنحن جميعاً مسئولون أمام الله وأمام الشعب على رعاية مصالحه، وما كتابتي هذه إلا من باب الحرص الأكيد على مُؤَسّسات الدولة من أن يصيبَها الانهيارُ؛ بسبب تصرفات غير مسئولة من أناس ربما لا يفكرون إلا في مصالحهم الخَاصَّة ويجعلون مصلحة المجتمع والوطن في آخر السُّلَّم من الأولويات وحتى لا نظلَّ أسرى بين السيارة وطاحون صاحب يريم.